في إطار فعاليات المعرض الدولي للنشر والكتاب، نظم المعهد الثقافي الاسباني ثربانتيس يوم الجمعة الماضي ندوة تحت عنوان « الهجرة في إسبانيا» بمشاركة باحثين إسبان و مغاربة. ركز أغلب المشاركين في الندوة على الوضعية الاقتصادية والاجتماعية للمهاجر المغربي في إسبانيا خاصة بعد الأزمة الاقتصادية التي هزت مؤسساتها المالية والتي جعلت عددا كبيرا من المهاجرين يفقدون مصدر قوتهم. فالمهاجر المغربي يعيش اليوم بين نارين أحلاهما مر : المكوث في إسبانيا وتحمل كافة أشكال الإقصاء الاجتماعي والتمييز العنصري أو الرجوع خاوي الوفاض إلى بلده الأم والبداية من نقطة الصفر. في مداخلته، طرح أستاذ علم الاجتماع و صاحب عدة كتب حول الهجرة ولتير اكتيس، وهو أرجنتيني الجنسية، إشكالية اندماج المهاجرين المغاربة في إسبانيا و تساء ل عن إمكانية اعتبار أبنائهم الذين ازدادوا و ترعرعوا في اسبانيا كمواطنين عاديين يتمتعون بنفس الحقوق و الواجبات التي لدى المواطنين الأسبان. وفي وصفه للظروف الاجتماعية للمهاجر المغربي في أرض المهجر، أكد أن جميع المهاجرين يحسون بالإقصاء الاجتماعي في إسبانيا ولو بنسب مختلفة لأنه ينظر إليهم بنظرة التارك لبلده وجذوره والمستوطن لأرض لا تlت إليه بأي صلة. وفي آخر كلمته، دعا ويلتر اكتيس المجتمع الاسباني إلى محاربة كافة أشكال العنصرية والإقصاء الذي تزايد بشكل مهول في السنوات الأخيرة في إسبانيا وقال إن مايريده المهاجر هو أن يعامل كإنسان وأن تصان كرامته و حقوقه. من جهتها،حرصت وفاء بن عبد النبي على تقديم حصيلة تقرير الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان الذي أصدرته مؤخرا حول ظروف عمل العاملات المغربيات بحقول التوت بإقليم الأندلس، وأكدت في استعراضها للحصيلة أن العاملات المغربيات بحقول التوت يشتغلن في ظروف تغيب فيها الحماية القانونية والصحية الشيء الذي يجعلهن عرضة لكافة أنواع الاستغلال من طرف مشغليهم. فلا يسمح لهن بالانضمام إلى نقابة عمالية للدفاع عن حقوقهن ولا الحصول على وثائق إقامة دائمة بإسبانيا وفي الآخر، حثت وفاء بن عبد النبي ، كلا من المغرب و اسبانيا على إعادة النظر في قانون التعاقد مع العاملات المغربيات في حقول التوت الاسبانية و تمتيعهن بكافة الحقوق من بينها استحقاقات البطالة والتقاعد. وقد تخللت الندوة مداخلات لمهاجرين مغاربة عاشوا لسنوات في اسبانيا، حكوا فيها للحضور معاناتهم مع العنصرية وكيف أن الاسبان كانوا ينادونهم بالمورو وهي تسمية تحمل في طياتها الاحتقار والنظرة الدونية لهم، فلم ينعموا قط بالسلام لأنهم كانوا مطاردين دائما بنظرات تستنكر وجودهم وتدعوهم لجمع حقائبهم و العودة لبلادهم. واختتمت الندوة، بالدعوة إلى تضافر الجهود من أجل توعية وتحسيس المجتمع الاسباني بضرورة تجنب الأحكام المسبقة وكافة أشكال الإقصاء الاجتماعي التي يمارسها ضد المهاجر المغربي، فالتسامح والانفتاح على الاخر وقبوله كما هو هي أبرز سمات المجتمع الديمقراطي و المنفتح على كافة الثقافات والحضارات. بيل كلنتون، الرئيس المثقف أيضا، الذي أصدر مؤخرا واحدا من أهم الكتب الجدالية في السياسة الإقتصادية لأمريكا، تحت عنوان « لنعد للعمل. من أجل دولة مبدعة واقتصاد قوي»، كان أيضا هو صاحب المحاضرة الشهيرة، وهو يمارس مهامه الرئاسية حول فكرة الإختيار بين «قيادة العالم أو التعاون مع العالم»، وكان منتصرا للفكرة الثانية التي هي التعاون مع العالم. بيل كلنتون، إذن، يرى أن الحل أمام الأزمة العالمية المالية الخانقة، وضمنها الأزمة الأمريكية، هي في ابتكار حلول ذكية لجعل الحكومة المركزية (الدولة) تتدخل في توجيه الإقتصاد، بالشكل الذي مارسه هو في فترتي حكمه. وكانت من نتائج ذلك التحكم في العجز التجاري ونسبة بطالة جد متدنية (تعتبر الأحسن في أمريكا خلال الخمسين سنة الماضية)، ثم استثمارات هائلة وناجحة في مجال التكنولوجيات الحديثة (تجربة ولاية كاليفورنيا الرائدة). ولم يكن ذلك النجاح ليتحقق للرئيس الأمريكي لولا تواجد مساعدين مهمين إلى جانبه من طينة وقيمة ألان غرنسبين، الذي كان المسؤول الأول عن مؤسسة الإدخار الفدرالية. وكانت عودة الجمهوريين مع جورج بوش الإبن البداية لتراكم الأزمة بسبب العودة القوية لليبرالية المطلقة في السياسية المالية والضريبية الأمريكية، مما كانت نتيجته الأزمة المالية الخانقة لسنة 2008 و2009. لقد درس كلينتون في كتابه القيم هذا، تجارب الإقتصاديات الآسيوية، وتتبع الخيط البياني لنموها، مثلما درس الإقتصاديات الأروبية واقتصاديات الدول الواعدة الجديدة (تركيا، البرازيل والهند)، وخلص إلى أن للدولة دور حاسم في ضبط منظومة الإقتصاد. وأنها مطالبة بالعودة، ضدا على المبدأ الليبرالي للجمهوريين، من أجل تحديد موسيقى العزف الإقتصادي الأمريكي، بالشكل الذي يسمح بتقوية التضامن وتعزيز ممكنات الطبقة المتوسطة، الضامنة للإستقرار المالي والسياسي والإجتماعي في أي بلد. وأن السياسات اللامؤسساتية، التي ظلت تغري السياسيين الأمريكيين، قد أبانت عن فشلها التام. لقد كتب يقول في هذا الباب: «إن عقيدتنا اللامؤسساتية الراسخة، قد أبانت عن ضحالتها في نقاشاتنا السياسية، وقادت اقتصادياتنا إلى ضعف في المناعة وأدت إلى تقلص في مناصب الشغل وجمود في المداخيل ضمن تنافسية باهتة. مقارنة مع اقتصاديات أخرى، خاصة في مجالي التكنولوجيا الحديثة والطاقات المتجددة. وغرقنا في مديونية تثقل كاهلنا ونحن أيضا على عتبة اتساع قاعدة المتقاعدين. بينما في عدد من الدول، وحتى بعض مدننا وولاياتنا، فإن التكامل بين القطاعين العام والخاص، وتنظيم العلاقة بينهما بشكل تكاملي وتعاوني، قد فتح أفاقا واسعة للدعة الإقتصادية وجعلها تتجه صوب المستقبل بثقة. إنني لا أريد هنا أن أدعي أن الديمقراطيين كانوا دوما على حق أو أن الجمهوريين كانوا دوما على خطأ، إنما أردت التنبيه أننا حين نحشر كل شئ في الخيار اللامؤسساتي واللاضريبي والمناهض للتوازنات إنما يقودنا صوب الكارثة ولا يسمح لنا بتحقيق تراكم إيجابي ولا بالقيام بالإصلاحات الواجبة. إن تلك الخيارات اللامؤسساتية تجعلنا عمليا أمام الممكنات الغنية الكامنة خارج تلك الإيديولوجيا الصارمة والتي لا تسمح بإنتاج آليات تكامل بين المؤسسات والخيارات التي وحدها القادرة على تنمية الإقتصاد وتطويره.» بيل كلنتون هنا في كتابه القيم يتحدث على أن التوحش المطلق للإيديولوجية الليبرالية إنما يقود صوب إضعاف الدولة والمجتمع وخنق الإقتصاد ويقود رأسا صوب الكارثة. وأن كل صاحب قرار سياسي ملزم أن يجعل الدولة تستعيد دورها في تنظيم العلاقة بين القطاعين العمومي والخاص، بما يسمح بدورة إنتاجية مخصبة للثروات، حامية للنسيج الإجتماعي وتيسر من إمكانيات إنتاج الثروة بشكل تكاملي منسق ومضبوط ومحددة مراميه وأدواره وأدواته. لقد تساءل كلينتون قائلا: « أي مستقبل نريد؟ ألا نريد بلدا بإمكاننا العمل فيه كلنا من أجل إعادة إحياء الحلم الأمريكي وأن نعيد إحياء طبقتنا المتوسطة؟ فكيف السبيل إلى ذلك؟ من أجل اقتصاد قوي ودولة قوية نعمل فيها يدا في يد من أجل تعزيز الأمل والمسؤوليات وتقدم الكل. أم أننا نريد دولة ضعيفة ومجموعات ضغط مستفيدة تدمر التنمية وتمنح الربح للأقلية؟. إننا ملزمون أن نضع حدا لسياسة الخيار اللامؤسساتي ولإيديولوجيا «كل يحسب وحده .. «. من هنا غنى وقوة كتاب الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلنتون «لنعد للعمل. من أجل دولة مبدعة واقتصاد قوي»، وهو كتاب كم يحتاجه بعض سياسيينا المغاربة واقتصاديينا المغاربة الذين يؤمنون بكل أشكال التوحش الليبرالي، الهارب من العمل المؤسساتي المنظم للدولة. فهاهي أمريكا تعود لنظام رقابة الدولة كحكم ناظم للعبة السياسية والإقتصادية، بينما نحن ثمة من يدفع عندنا نحو استقالة كاملة للدولة في قطاعات حيوية واستراتيجية مثل التعليم والصحة والفلاحة والإقتصاد المالي، مما يقود أكيد صوب الكارثة التي ينبهنا إليها كتاب قيم مثل كتاب كلينتون.