مرت أربع عشرة (14) سنة على رحيل فنان الكاريكاتور محمد عليوات المعروف ب «حمودة»، الذي شكل في جريدة «الاتحاد الاشتراكي» منارة ساطعة لفن الكاريكاتور الهادف واللاذع. الفتى النحيل، ونحن نستحضر ذكراه اليوم، نلاحظ أنه ترك فراغا كبيرا في الصحافة الوطنية، لم يستطع أحد بعده أن يملأه، فقد كان حمودة، الفتى القادم من مدينة سيدي قاسم، يعرف كيف يلتقط نبض الشارع ويعكسه في رسومات كاريكاتورية ستظل خالدة، وهو ما جعله في مقدمة فناني الكاريكاتور. من يستعيد التأمل في رسومات حمودة، بعد كل هذه السنين، يدرك إلى أي مدى كانت خسارة الصحافة الوطنية. يسجل تاريخ جريدة «الاتحاد الاشتراكي» أن المرحوم عليوات «حمودة»، كان أكثر أعضاء التحرير نشاطا وحيوية، وأنه كان المتصفح المنتظم والناقد بامتياز وصاحب الحضور القوي، كانت أعماله في الكثير من نماذجها الناجحة مثارا للتقديرات والاهتمام، كان، رحمه الله، من «فتيان الشغب»، لكنه صموت لا يتكلم إلا بريشته وبرسوماته السوريالية البسيطة، التي لا تشبه رسومات الآخرين، ففي رسوماته يقبض على النقيض اليومي، وكان ينتصر علينا في العمق، وذلك بإرجاعنا من حالات السهو إلى اليقظة. أربع عشرة سنة مرت، دون أن تنسينا كل هذا الفراغ الشاسع، الذي كان يملؤه حمودة في يومنا، ولا خفة روحه ودمه اللذين مازالا يحلقان ويخيمان على فضاء جريدتنا، ولا «قفشاته» ونكاته اللحظية، التي تنسجها سرعة بديهته، ولا رسوماته الخاصة بأعضاء هيئة التحرير، كلما استفزه أحد من الزملاء، كانت دائما الفكرة تأتيه طائعة خاضعة ويتلقفها بسرعة فائقة، فينكب على تعبيرها رسما دقيقا ملما بالدقائق والتفاصيل. وتلك كانت ميزته وتفرده في الحقل الكاريكاتوري المغربي، فمن إتقانه الباهر لرسوم القصص المصورة، إلى الرسومات التوضيحية، التي عادة ما كانت تطلب منه من طرف هيئة التحرير لتأثيث مادة من المواد الصحفية، إلى رسومات الكاريكاتور التي لم يكن يقبل أن ينجز منها سوى أفكاره الخاصة، دون أن يهتم أو يبالي بما يقترحه عليه الزملاء من أفكار، إلى رسوماته الموجهة إلى النخبة في الصفحة الأخيرة. سنوات تمر ويظل حمودة حاضرا بيننا، رسومات حية تنطق بالراهنية، وروحا مرحة مازالت تحلق في سماء جريدتنا. تغمده الله برحمته، ودام في القلب أخا عزيزا وصديقا كريما.