وضع عبدالإله بنكيران تصنيفا جديدا في تنزيل الدستور لم يطرحه الواقع، وأفرزته التطلعات السياسية المتواترة. فقد ورد في التغطيات الصحافية أنه قال «لن ننازع الملك إرضاء للعلمانيين»، الذين اعتبر، حسب المصادر الصحافية التي حضرت أشغال المجلس الوطني للحزب الحاكم، أنهم تحالفوا مع الشيطان ضد حزبه. لا نريد أن نقرأ الرسائل التي يبعثها بنكيران لسياسيين بعينهم، لكن نريد بالفعل أن نتساءل ما دخل الشيطان في تنزيل الدستور؟ ثانيا، كيف يمكن أن يكون التصنيف في عملية ديموقراطية سلسة، عادية بعد كل تغيير سياسي في بلدان المعمور، هي عملية تنزيل وإعطاء مضمون عملي وتطبيقي للوثيقة الدستورية، مسألة تتعلق بالعلمانية وبالتدين. نقل النقاش إلى هذا الجانب الإيديولوجي، قد يعطي تماسكا ما في منطق بنكيران، لكن يضعف ولا شك التنزيل الديموقراطي للدستور، ويضعف القوة السياسية للوثيقة الدستورية الجديدة. يمكن أن يجد بنكيران في التاريخ السياسي الشخصي وفي مساره، منذ يناير 1982 بالذات عندما، وقع رفقة العديد من إخوانه المنشقين عن الشبيبة الإسلامية، في مجلة الميثاق، التي تصدر عن جمعية علماء المغرب، مقالا بعد إدانة عبد الكريم مطيع، مؤسس الشبيبة يتبرأون في مقالتهم من نشرة المجاهد التي أصدرها، باعتبارها لسان حال الشبيبة الإسلامية. وفيه أعلن بنكيران مغادرة الشبيبة الإسلامية. وقد ظل رئيس الحكومة، والوجه البارز في الجماعة الإسلامية يردد، كلما وقع حدث ما، أن الثقة هي الأمثل وأن البراءة هي التي تحرك انشغاله بالعمل الدعوي وتوابعه السياسية. وسيتكرر هذا السلوك السياسي، الذي لا يمكن أن نصدر عليه أي حكم قيمة أو تنويع صرفي أو نحوي، عند اعتقال مجموعة 71 ومجموعة 26 ، ووقتها قامت الجماعة، مرة أخرى، بإدانة ما تم نسبه إلى المجموعتين، ونشرت «العلم» الناطقة بلسان حزب الاستقلال، موقف بنكيران وإخوانه. واعتبر بنكيران أن عمله الدعوي هو مساعدة الدولة. ولعل أبرز ما كان من موقفه هو التمييز بين الملكية وبين، من سماهم في الثمانينيات، المغربين، ويسمونهم اليوم بالعلمانيين، الذين يعتبر بأنهم ليسوا أهلا للعلاقة مع الملكية. فهل يمكن أن نعتبر قوله هذا هو إحياء للفكرة الأصولية في تفكيره؟ هل يمكن اعتبار أن بنكيران مازال يحمل نفس المشروع في محاربة المغربين والمتغربين؟ أعتقد أن مياها كثيرة جرت تحت الجسر، وأن العداء للأفكار والأشخاص الذين يقفون في الضفة الأخرى من الحقل السياسي، ربما يجب أن يأخذ بعين الاعتبار كل الذي مر. ولا أعتقد بأن الأمر يعود فقط إلى ملكية محمد السادس والعلاقة مع رئيس الدولة اليوم. فقد كان بنكيران قد راسل المرحوم الحسن الثاني في 29 نونبر 1985، ليعبر عن ارتباطه بالقيم والثوابت التي أعلنها الملك في حوار مع الصحافة الفرنسية، كما نوهوا بمساعدته للصحوة الإسلامية .. ولعل العودة اليوم إلى وضع العلمانية كقاعدة في الحديث عن الدستور أو التوجه فيه بطرق تدريجية.. ليس سليما بالمرة، بل قد يعود بالذاكرة إلى سنوات لا يريد أحد اليوم العودة إليها. هناك قاموس يرتبط بالدستور، وهو قاموس السياسة والديموقراطية والسيادة الشعبية وتوازن السلط وقوة المؤسسات .. الخ. وليس فيه، لا للعلمانية ولا للتدين مكان في تجسيد مضامينه. لا أحد يجادل بأن تنزيل الدستور هو حالة مجتمعية ومؤسساتية وسياسية عامة في البلاد، ويحتاج بالفعل إلى التدرج، كما يحتاج إلى الثقة. والسؤال الذي طرحناه في هذا العمود بالذات هو: ما هي أولوية السيد بنكيران؟ هل هو تنزيل الدستور أم تطبيع العلاقة في الحقل السياسي؟ ويبدو الجواب واضحا. والحال أنه لا أحد يفكر بأنه يمكن، اليوم وغدا، أن يعفي المغرب من دور الملكية، ولا أحد يتوهم أنه يمكن إنجاح المسلسل الديموقراطي إلى نهايته، بدون التفكير في دور الملكية ودور الملك، لا سيما بعد الخطوات التي راكمتها في عقلنة التاريخ الحديث للمغرب والانفتاح على الأفق البعيد للتجرية المغربية. يبقى أنه من الخطأ، في نظر العبد الضعيف لربه، أن نقود التحليل والمواقف إلى التصنيف الذي أراده السيد بنكيران. فالعلمانية كمبرر لا يمكن أن تعطل الدستور أو تساعد على تنزيله معطوبا. ويكفي أن ملك البلاد هو الذي بادر إلى التجاوب مع مطالب الإصلاح. فلا يمكن أن نتصرف كما لو أننا «ندمنا» على التعديل الدستوري!!