التغيير السياسي يأتي استجابة لأعطاب و ثقوب في الممارسة السياسية .. رفع المطالب و احتلال الشارع لا يكون فقط من أجل الفرح الجماعي .. بل هو وسيلة لإسماع الصوت و تبريز حقيقة سياسية أو دينية أو اجتماعية . السياسة في المغرب كانت و ظلت مرادفا للقمع و الاعتقال والمحو من الحياة حتى.. و هذا الكلام يعرفه مناضلو القوى الديمقراطية في المغرب .. لكن اليوم تغير الأمر بشكل جذري ، الاشتغال على السياسة يؤدي إلى التغيير و إعادة جدولة الطلب السياسي والاجتماعي وفق رغبة القابعين في ساحات الاحتجاج. من هنا تشكلت حركة 20 فبراير المغربية.. و خرج شبابها وعقيراتهم تبرح بالديمقراطية كمنهج و محاربة الفساد كهدف . إذا كانت ثمار الحراك السياسي للحركة قد ساعدت في التسريع بالإصلاحات الدستورية التي أبعدتنا عن الملكية التنفيذية و قربتنا من الملكية البرلمانية ، و إذا كانت نتائج الضغط السياسي للحركة قد ساهم في إجراء انتخابات سابقة لأوانها. فإن اليمين المحافظ رغم تحفظاته عن الحركة هو من جنى فوائد حراكها. حركة 20 فبراير بالتناقضات التي احتوتها والأطياف التي اخترقت بنيتها كانت و ستبقى حاجة مجتمعية ملحة من أجل إسقاط الفساد والتوزيع العادل للثروة والضغط من أجل الولوج إلى الخدمات الأساسية و الملحة .. ماذا كان ينقص حركة 20 فبراير حتى تتفادى الأخطاء القاتلة التي أسقطت فيها نفسها إلى حدود اليوم ؟؟ لماذا تحولت الحركة من أمل للتغيير الحقيقي في وضع خطاطة سياسية و ديمقراطية تفعل في الحياة السياسية المغربية و تغير داخلها الستاتيكو القديم ( جهة تطالب و جهة تبادر و بينهما غرفة انتظار ...) .. إلى بطن مثالية ولادة للراديكالية و العدمية ؟؟ هل مؤسسو الحركة من شباب الأحزاب و غير الأحزاب كانوا يعون بما سيقع من اختراق لحركتهم الفتية من طرف من لديه حساب مع النظام السياسي أو كان يخفي أجندة حزبية متهالكة و حلما خليفيا خرافيا ؟ لقد ارتاح الديمقراطيون و صفقوا طويلا.. بل خرجوا في أول 20 فبراير احتفاء و دفاعا عن مشروع المغرب الديمقراطي والحاجة الكبيرة لعودة الشباب لحقل السياسة.. لم يكن هناك حساب عند الديمقراطي الأصيل و الرصين سوى حساب الوطن و مصلحة الوطن و استقرار الوطن. لكن مسارات «النضال» عند البعض داخل الحركة اقتضت تخريب الصورة التي رأى الكثير فيها نفسه و محاولة العبث بالاستقرار و تبخيس المؤسسات الدستورية و تقديم السياسة في المغرب و كأنها لعبة قذرة يساهم فيها متنفذو النظام و الفاعل الحزبي نكاية في «الشعب» ؟.. هل نحت الحركة و شبابها بعد كل هذا الذي وقع في المغرب الأقصى.. إلى الجلوس أمام مرآة الواقع للقيام بنقد ذاتي صريح و عميق بعد انصرام حول من الممارسة الاحتجاجية و المطلبية ..؟ هل توصل شبابها إلى القطع مع العدمية السياسية التي وسمت خطاب أغلبيتهم و الاقتناع بأن الضغط كما الحوار مع الدولة و النضال من داخل الوثيقة الدستورية على التغيير السياسي.. أمر ممكن و مقبول و مرحب به من طرف الجميع ..؟.. هل استوعب الشباب أنه لا مناص عن التعامل مع الفاعلين «الكلاسيكيين» في الحقل السياسي المغربي وفق مقاربة تشاركية .. في هذا الملف الذي تنشره «الاتحاد الاشتراكي».. حاولنا وضع مسار الحركة تحت مجهر التحليل الأكاديمي والموضوعي بعيدا عن التشنجات الفكرية.. استدعينا آراء فاعلين حزبيين وحقوقيين مخضرمين عاشوا في سجون مغرب الرصاص و خرجوا لحظة التأسيس للحركة الفبرايرية .. حاورنا الباحث الأكاديمي المغربي محمد ضريف و عمقنا معه الأسئلة .. الهدف من هذا الملف .. تشريح مسار حركة مغربية خرجت إلى الشارع وانزاحت نحو الثقافة الاحتجاجية، تحليل مسارات فعلها السياسي ومطالبها الدستورية.. الوقوف في ذكراها الأولى على أدق التفاصيل في جسمها «التنظيمي» و عقلها الإيديولوجي . المهم هي محاولة للتنقيب .. نوع من الحفر الإعلامي في مسار احتجاجي أراد البعض تحفيظه وفق أجندته .. لكن أجندة الوطن و البلد و التاريخ أكبر و أقوى من الجميع.