قبل سنتين ، كان ل«الاتحاد الاشتراكي» حوار مع نور الدين الصايل، المدير العام للمركز السينمائي المغربي، تحدث خلاله عن مشروع السينما المغربية، عن الأسئلة المطروحة على هذا القطاع، وعن الانتظارات لإعادة الاعتبار الذاتي للسينمائي المغربي، والاعتراف بأن كل المنتوجات السينمائية المغربية لها كيان وتحترم كمجهود واستثمار.. ، وأن من المستحيل أن هذه الصناعة السينمائية المغربية الناشئة، التي يعمل الجميع على بلورتها على أرض الواقع، أن لا يكون للمغرب كيانه السينمائي.. ومن المستحيل، كذلك، في ظل الاستثمارات التي تمت والطموح الذي يميز المغرب على أعلى مستوى، بأن لا ينجح في التنمية السينمائية. في هذا الحوار كما نشرته «الاتحاد الاشتراكي» ، لامس فيه الصايل العديد من المخططات التي تشغل تفكيره، حقق جزءاً منها خلال السنوات التي قضاها على رأس إدارة المركز السينمائي المغربي.. واليوم، نعود للقاء والمحاورة معه من جديد، حيث نجده مصرا على أن يكون حديثه معنا مؤسسا على تفكير طموح يبقي على تفاؤله تجاه السينما المغربية، يرفع الكلفة في حديثه مع التاريخ، يتجه إلى أصحاب القاعات السينمائية بعتاب صريح، يبدي رأيه في واقع النقد السينمائي، ويجادل من يجادله.. وكما وجهناه بأسئلة مباشرة ، تلقينا منه أجوبة مباشرة وواضحة. وبشفافية متوزانة، جاء الحوار حول سؤال الكم والكيف الذي يحيط بالانتاج السينمائي، مكانة المهرجانات، التحولات السياسية والمجتمعية التي يعرفها راهن المغرب.. وليس من قبيل تضخيم الشأن، القول إن لا شيء يحصل في سينما المغرب من دون أن يكون للصايل علاقة به سواء من قريب أو من بعيد. ففي مفكرة الصايل، ثمة مخططات أخرى، تحقق جزءا منذ سنة 2003 التي ترأس خلالها المركز السينمائي المغربي، إذ جعل السينما المغربية تهب هبة كبيرة ومثيرة تضايقت منها بلدان عربية كثيرة لديناميتها المفاجئة غير المسبوقة. أنتجت له خصومات، كما جعلت كل تحركاته مرصودة من طرف المتتبعين والسينمائيين والمهنيين..، بما فيها منتقديه.. ونعتقد أنه لا يزال هناك مشوار سينمائي طويل أمام المغاربة، لكن على الأقل هناك نموذج إنتاجي رصين ، يمكن البناء عليه من الآن وصاعداً وبلورته. باختصار، التجربة المغربية جديرة بالاعتراف، كما هي جديرة بالمناقشة والحوار الجاد الذي يخدم السينما في المغرب. فمع استراتيجية الصايل، باتت سينما المغرب تمر في مرحلة تاريخية ، لذا يجب ضبط أصولها حتى لا يكون بناؤها مشوها. نور الدين الصايل، مجموعة رجال في رجل واحد: ناقد سينمائي وأستاذ فلسفة ومدير تلفزيون سابقاً، ها نحن نراه اليوم يهتم بمهرجانين، الأول بطنجة حيث يساير السينما الوطنية، والثاني بمراكش حيث يرافق المشاهير. الأول نقيض للثاني. وبين هاتين المهمتين، يدير مركزاً سينمائياً بات مرجعاً، وإليه يعود الفضل الأكبر في رفع عدد الأفلام المغربية المنتجة مابين 15 و 20 فيلما سنويا، ووعد بالأكثر في السنوات اللاحقة.. هذا نص الحوار الذي أجراه مع «الاتحاد الاشتراكي»: } في آخر حوار ل «الاتحاد الاشتراكي» معكم قبل سنتين، كنا قد توقفنا فيه عند العديد من القضايا التي تخص المجال السينمائي المغربي. اليوم، كما هو معروف، حافظت السينما المغربية على دورة انتاجية للأفلام مستقرة مابين 15 و 20 فيلما. هذا الكم الفيلمي، هل أعطى منتوجا سينمائيا تتوفر فيه مقاييس الجودة التقنية والابداع..؟ طبعا، دائما، كنت أدافع عن مبدأ بأنه لابد من اختيارات الانتاج السينمائي بالمغرب كنقطة أولى أساسية للكيان السينمائي المغربي، ولابد أن ننتج كما معينا من الأفلام. طبعا، هذه الأفلام، يتم اختيارها من طرف لجن قراءة السيناريوهات ، بمعنى أن العملية تتم وفق اختيارالأجود، وبالتالي الأمور ليست عفوية، بل هناك لجن تسهر على الاختيار وتعطي التسبيقات، وهناك فئة أخرى من الأفلام التي تنجز دون مرورها على التسبيق، والتي طبعا يمكن أن يكون مستواها جيدا أو غير جيد، ولكن ليست مسؤولة عنها لجنة التسبيق. وكيفما كان الحال، عند أفلام الفئة الثانية الحق، بأن تقدم نفسها للجنة بعد أن تصور عملها، ويمكن أن يقدم لها تسبيق بعدي، لأنه لابد من مساعدة الأفلام، التي تحتاج إلى إنتاج نسخ وإخراجها إلى السوق.. الدولة قررت، وهذا قرار إرادي سياسي، بأن المغرب لابد له من سينما وطنية التي تمثله في المهرجانات، وتعطي كيانا لشخصيته وتثبت بأن هناك حرية للمخيلة والتعبير. الآن، المطلوب بعد هذه المرحلة الأولى، التي هي أساسية والتي يمكن أن تطول لمدة قد تفوق خمس سنوات أو أكثر، وذلك حتى تتوطد، لأن عملية التوطيد هي الأهم في هذا المشروع. واليوم، نحن مطالبون بصيغة جدلية بشيئين: الشيء الأول، هو ذلك الانتقال النوعي داخل الانتاج، من الكم إلى الكيف، ولكن ما معنى هذا الانتقال من الكم إلى الكيف؟ فالكيف، لايأتي بكيفية أوتوماتيكية، لأنك حققت إنتاجا يقدر ب 20 أو 30 فيلما، بل يأتي، لأنه أولا، ستضطر أن يكون سعر الأفلام في إنتاجها أغلى، وهنا لابد أن نكون واضحين في هذه القضية، فمثلا إذا أخذنا كنموذج فيلم حميد بناني، الذي كان يتوفر على إمكانيات هائلة، اشتغل على قصة عاطفية رومانسية في مكان يتمتع بقصة لدراما وطنية عظيمة، لم يستطع تصوير ذلك البعد الدرامي، فاكتفى بتصوير ذلك البعد العاطفي الذي هو الذاتي، واستطاع أن يعطينا فيلما جميلا في تصويره، لكن ينقصه ذلك البعد الملحمي الذي تعذر إنجازه، لأنه لم تكن له الوسائل المادية الكافية ، لأن الفيلم عوض بأن يتم إخراجه ب 5 أو 7 ملايين درهم، كان لابد من إنجازه ب 50 أو 70 مليون درهم، الشيء الذي لا يمكن له أن يوجد عندنا في المغرب. لهذا، مجرد القول، الانتقال من الكم إلى الكيف، هذا لا يعني أن هذا ينجز بكيفية عفوية، بل ينجز لأن هناك إمكانات جديدة تنضاف في مجال التكوين، بمعنى أن المدارس المتواجدة بالمغرب، والتقنيين المغاربة، هم كذلك يدخلون في عملية الكيف. إذن، هذا التواطؤ الذي يقع في قيمة الانتاج، وقيمة التكوين، وقيمة الأفراد وتطور أفكارهم، هذا الكيف هو نتاج لهذه المجموعة من التفاعلات الداخلية، لا يعني بتاتا أن نقول إننا أنجزنا كما من 40 فيلما ، وبالتالي سنحقق الكيف.. الكيف، ليس بقرار إداري. والأصوات التي تقول بأننا وصلنا إلى تحقيق مستوى الكيف ويبقى في حدود هذا المستوى، هذه أسميه «ويْلٌ للمصلين»، يعني أن من يقول هذا الكلام لا يفهم، ولا يفقه أي شيء في مجال السينما. لأن ميدان السينما صعب ومتشعب، ويخضع لصراعات كبيرة على المستوى الدولي، ويعرف سباقا، بحيث إذا لم ندخل غمار هذا السباق، سنموت، كيفما كان الكم الذي حققناه. وهذا، في اعتقادي، بداية الصراع وليس النهاية. ومسألة الكيف، ليست قرارا، بل هو نضج من داخل العملية الانتاجية التي تتطور شيئا فشيئا، وبالتالي تصبح الأفلام الجيدة و غير الجيدة، كيفيا موضوعة بكل القواعد المهنية الجيدة. وإذا ما عدنا إلى فرنسا التي تنجز 220 فيلما سنويا، فَكَيْفُ كل هذه الأفلام جيد ؟، يعني تقنيا صناعة صورة هذه الأفلام جيدة. الآن، هناك كيْف من مستوى ثاني، هو الكيف الفكري، وكيْف الطرح المجتمعي، والمعادلة التي تجمع الفيلم بمكان إنتاجه سواء بفرنسا، ايطاليا أو غير ذلك.. هذه الملاءمة ما بين الفيلم وجمهوره ونقاده ، هو كيْفٌ من نوع ثانٍ، الذي ينتج كذلك من الكثرة والكيْف المتطور داخل هذه الفترة. إذن، العملية ليست سهلة، أنا أقول، حذار فقط، من أن يُفهم من قضية جدلية الكم والكيْف. إننا الآن سنقرر دخول مرحلة الكيف، هذا كلام بليد. الآن، ماهو معطى السينما الوطنية، هو أنها استطاعت، وهي أول مرة في إفريقيا والعالم العربي، أن ننتقل من مستوى خمسة أفلام إلى أكثر من 20 فيلما، لأنه لو تم إنجاز بعض الأفلام لكنا اليوم أمام 30 فيلما. الطريق الآن مفتوحة وواضحة ولا رجعة فيها. إذن، كيف ستتم الأمور من داخل هذا النمط، هل ستقع تلك التطورات التي ستجعل من كل فيلم مغربي، فيلما يخضع لكل القواعد المهنية التي تعطي كيْفاً معيناً على المستوى التقني، وخاضع لكل التعاملات والتفاعلات مع المجتمع والمبدعين والأفكار الرائجة في المجتمع، حتى يتمكن من الانتقال إلى كيْف فكري الذي يعطي بعداً آخر. وهذا هو المشكل الحقيقي. لهذا ينبغي أن تبسط الأمور، ونأخذها في مستواها الحقيقي. وهذه النقطة الأولى على مستوى الكيف. النقطة الثانية، المتعلقة بالكيْف، هو أنه من أجل الدخول في هذا التطور الذي هو محكوم علينا أن ندخل فيه، لابد من اصطناع سوق داخلية حقيقية التي هي نتاج لهذه العملية الابداعية الخاصة بالانتاج، التي ستطرح أمامنا ضرورة وجود سوق داخلية. هذه السوق الداخلية بالمغرب، بها حوالي 60 شاشة، اعتبارا أن المركب السينمائي «ميغاراما» بالدارالبيضاء ومراكش في حد ذاتها تحقق تقريباً 32 شاشة. وإذا كان مجموع الشاشات المتواجدة بالمغرب في حدود 60 شاشة، هذا غير كافٍ . وهذا الواقع، لا يستدعي منا أن نكون مثل ازنشتاين حتى نلاحظ هذه القضية، لنقول «إنه في الحقيقة، استطعنا أن ننتج أفلاماً ولكن السوق.. الى آخر الكلام»، لكن من المسؤول عن هذه السوق التي اندثرت، إلى أن تراجعت من 250 إلى 60 قاعة سينمائية؟.. الجواب واضح، القطاع الخاص المتجسد في مُلاك ومستغلي القاعات الذين لم يتابعوا تلك القطيعة الأساسية خلال سنوات الثمانينيات والتسعينيات من الانتقال من القاعات الكبيرة بحمولة 1000 مقعد إلى مركبات تنجز في نفس المكان وتضم 5 قاعات (بحمولة 150 أو200 مقعد)، ولم يفهموا هذه المسألة، لأنهم لا يريدون الاستثمار في القاعات السينمائية. وهم الذين وظفوا مداخيل القاعات السينمائية في استثمارات أخرى، وبالتالي من غير المقبول، أن يأتي فرد ينتمي إلى ملاك القاعات، ويصرح بأننا سنقفل هذه القاعات السينمائية لأنها لم تعد مربحة. والحقيقة، هو الذي لم يجعلها مربحة، لأنه انتهج أسلوب يعتمد كيفية «رونْتيي»، ولم تأخذ العملية كاستثمار، فظيعة هذه القضية التي كانت مطروحة خلال فترة 80 و 90، والآن تبكي بكاء الأطفال.. الآن، لكي لا ندخل في كل هذه الحسابات، سنضطر أن تكون هناك إرادة ثانية للدولة، التي هي بمثابة قرار سياسي، أنه بعدما ساهمنا في جعل الإنتاج كشيء أساسي في كيان صورة المغرب وإشعاعها، هناك قرار سياسي ثاني هو أن نخوض معركة تشييد المركبات. هل الدولة، هي التي ستشيد المركبات بنفسها أم لا؟ هذا موضوع فيه نقاش. ولكن ممكن للدولة، بدون أن تغامر مباشرة في التشييد، أنها تضع خطاطة لقوانين لتجعل القطاع الخاص، سواء كان وطنياً أو أجنبياً، تعطيه بعض التسهيلات والمساعدات لكي يجعل من الاستثمار في تشييد القاعات السينمائية شيئا مربحا في المدى المتوسط. والدولة قادرة على فعل هذا، وقادرة على هذه العملية، في هذا السياق، نستحضر عندما قررت فرنسا مع مجيء فرانسوا ميتران سنة 81، اتخاذ قرار بكون الثقافة، بكيفية عامة والسينما بكيفية خاصة تدخل في الاستثناء الثقافي، يعني هناك أولويات كثيرة بالمغرب، ولكن يمكن للدولة، ونظراً لأهمية إشعاع الصورة المغربية، تقرر بأن هناك كذلك استثناء ثقافيا الذي يعطي أولوية مطلقة لكيان هذه الثقافة، من أجل تشييد مركبات سينمائية.. إذن، فبعد هذه الإرادية للقرار السياسي، بأن ننتج بما فيها منطق الكم والكيف، الآن نقرر كذلك، بأن نصطنع من جديد سوقا سينمائية حقيقية بمركبات سينمائية، بمساعدة صلات القرب الصغيرة بالمدن، حتى نصل الى مستوى 300 أو 400 شاشة التي تكون مناسبة للطاقة الإنتاجية للمغرب حالياً ولعموم الشعب المغربي.. إذن، نمتلك القدرة على الاستيعاب، والدليل على ذلك، هو لما يخرج فيلم مغربي إلى القاعات السينمائية، سنوياً نجد أن الفيلم المغربي يأتي على رأس لائحة الأفلام الأكثر مشاهدة.. ، وإن وسعنا هذه السوق، ستكون هناك إمكانات جديدة لهذه الأفلام المغربية. ومنطقياً، خريطة تطور الصناعة السينمائية واضحة. الآن، بكيفية واضحة، هل هناك الإرادة السياسية إلى الذهاب أبعد ما يمكن بهذا الكيف أم لا؟، هذا شيء يطرح على المستوى السياسي وليس على المستوى التقني. وهذا هو واقع الصورة الحالية للسينما المغربية. } في هذا الإطار، سبق أن تحاورنا حول موضوع القاعات السينمائية والاستراتيجية التي سيعمل وفقها المركز السينمائي بتنسيق مع وزارة الاتصال فيما يخص قضية القاعات.. سنتين ومشروع القاعات لم يتحرك، أنتم كمدير عام للمركز السينمائي المغربي، وفي علاقة مباشرة بالواقع، أين يوجد المشكل؟ هذا الواقع تحرك، لكن تحركه كان بكيفية خجولة. هذه مدة ثلاث سنوات، ونحن نشتغل على هذا المشروع، وأقول هنا، وبكل وضوح، أن وزير الاتصال السابق، كان له فضل كبير على تحريك هذا الملف ووقف بجانبه، ووقد أخذ الأستاذ خالد الناصري هذا الملف بكل جدية وعمل على إيصاله إلى وزارة المالية، ونحن نعرف أن وزارة المالية لها إكراهات وأولويات.. حيث وصلنا في نهاية المطاف إلى أن انتهت الحكومة الماضية، على أن فتح المجال لتسهيلات ومساعدات للاستثمار السينمائي. وهذا بفعل كل المجهودات التي أنجزت فيما يتعلق بهذا الملف، لدرجة أننا نتوفر على مشروع جاهز يتعلق بإنجاز مركبات سينمائية في أكادير، طنجة، الرباط، فاس، إنما السرعة الخاصة بإيقاع العملية غير كافية، لماذا؟ لأن هذه الترتيبات، دخلت في الطريق العادي الاداري، والتي أوصلتنا إلى هذه القرارات التي أعلن عنها، والتي يمكن القول إنها ستعطي نتيجة خلال بضعة أشهر أو بعد سنة، ستكون هناك 10 شاشات جديدة جاهزة بالرباط، 10 بطنجة، 4 بفاس، 12 بأكادير.. ، وكل هذا ليس كافياً، لأنه لو كان إيقاع القرار السياسي الإرادي، لن تكون فقط 3 أو 4 مركبات سينمائية، بل قد نشيد سنويا ما بين 10 و 15 مركبا سينمائيا، وكل مركب يحتوي على 10 شاشات. هذا القرار الذي هو إرادي وسياسي، التي ينبثق من ذلك الإيمان بالاستثناء الثقافي هو الآن مطلوب، ولو نفذ مثلا هذا القرار مع الحكومة الجديدة، رغم أنه مع المجيء تظهر كل الأمور سهلة وممكنة، وبالتالي لو استطاعت الحكومة الجديدة أن ترفع شيئا ما من مستوى المطالب الحقيقية للسينمائيين وجمهورالسينما عامة، وتتجه بذلك الإيقاع بسرعة، سنكون قد حققنا شيئا جميلا، تكتمل فيه الصناعة السينمائية في المغرب إنتاجا وسوقا. الآن، بالإيقاع البطيء الذي نتحرك به، ستنجز، كيفما كان الحال، تلك المركبات السينمائية، ولكن ليس بالكمية اللازمة والمطلوبة في الوقت وبالكيفية التي نريد أن تكون موجودة فيه. هذه القضية، الآن، مطروحة، وأظن بكل صراحة، في اللقاءين الذي جمعني مع وزير الاتصال محمد الخلفي، له رغبة حقيقية في أن ينجز هذه المشاريع التي هي تقريبا جاهزة، وتحتاج سوى للرغبة السياسية والقرار السياسي. وأظن ليس في مصلحة، أي أحد، بأن تتوقف هذه المشاريع أو تبطئ، لأن هذه ليست مصالح شخصية لفئة أو أخرى، ولا حتى لتيار، هذه مصالح الوطن والدولة، وأن الحكومات تتوالى، لكن المصالح والأهداف العامة التي هي فوق مصالح الفئات تبقى دائما قائمة، فهيهات لو تابعنا المشاريع بتغييرها وتطويرها إلى ما هو أحسن، عوض من أن نضع نقطة، ونقول إنها النهاية. ثم تبدأ بداية جديدة.. المغرب، كانت له مشاريع في منتهى الذكاء والتفتح إلى المستقبل وعلى الآخر منذ الستينيات، لكن مع الأسف لمصالح مختلفة، تبدأ المشاريع وتتوقف لتبدأ مشاريع أخرى، وبالتالي لو كانت الاستمرارية في الأهداف، لكنا الآن قد وصلنا إلى ما هو أحسن بكثير مما نحن عليه. } في هذا السياق، سبق لنا أن تحدثنا كذلك عن «لجنة السينما» بورزازات، أين وصل هذا المشروع؟ «لجنة السينما» بورزازات، لها طموح كبير. والطموح الأساسي الذي انبثقنا منه في السنوات التي أحدثت فيها، هو جعل فضاء ورزازات بأكمله كاستوديو حقيقي. وهنا أتذكر، أن الشيء الجميل، الذي كان قد استحسنه صاحب الجلالة في هذا المشروع، هو أن يصبح لهذه المنطقة نوع من التخصص في مجال السينما، وبأن تتمكن من جلب كل ما هو ممكن من الانتاجات الدولية، و أن تكون كذلك في خدمة الانتاجات الوطنية. الآن، وبناء على هذا التصور الذي قدمه جلالة الملك، وجعل المنطقة على شكل استديو، يتطلب منا جميعا عملا يستدعي طول النفس، والفريق الذي يشتغل على مشروع «لجنة السينما» استطاع أن ينسج شبكة علاقات دولية لا يمكن تصورها، وهذا يظهر من خلال التقارير التي أتوصل بها من الرئيس والكاتب العام للجنة، حيث تظهر قيمة الحوار المفتوح في هذا الجانب وقيمة الحوارات التي تعرفها اللقاءات الدولية على مستوى العمل الذي تقوم به هذه اللجنة. وهنا أقول، إن ما تقوم به هذه اللجنة، شيء جميل، وبأن المغرب أصبح مسجلا في الخريطة الدولية للدول التي تصور فيها الانتاجات الأجنبية، حيث يوجد في المرتبة الثاني، بعد دولة التشيك وبراغ، وورزازات هي الثانية قبل باريس وروما..، وهذا هو رأسمال «لجنة السينما». لكن هناك معطى وحيد قد حدث ولا يمكن أن نفعل فيه أي شيء، وهو أنه خلال سنة 2008، كانت لدى المغرب وخاصة في ورزازات،استثمارات أجنبية وصلت سنة 2007 إلى 120 مليون دولار، وسنة 2008 تراجعت إلى 50 مليون دولار، وظلت في النزول إلى أن وصلت خلال سنة 2011، 15 مليون دولار. وكيفما كان الحال، هذا وقع بعد الهزيمة المالية التي وقعت بالولايات المتحدة، وبالتالي جل المشاريع التي كانت مقررة توقفت بكيفية أوتوماتيكية ، واكتفينا بانتاجات أوربية.. و هذا ما أدى إلى تراجع هذه المداخيل السنوية. أملي، ونحن ننظر إلى الأمور كيف ستكون سنة 2012، فهناك مشاريع مسجلة عندنا، و هي مهمة، على الأقل منها مشروعان قويان من أمريكا، وكل واحد فيها سيستثمر على الأقل 20 مليون دولار، إضافة الى ذلك هناك انتاجات أخرى.. لهذا يظهر لي، بأن دور «لجنة السينما» مهمٌ جدا، وإن تطورت الأحوال بورزازات بأن تصبح تلك البنايات التي ستنجز ويتم ربطها بالأستوديوهات التي ستتواجد في المنطقة ككل، في هذه الحالة، ستصبح ورزازات، أقوى مركز ليس في القارة الافريقية أو العالم العربي، بل أقوى مراكز العالم في مجال تصويرالأفلام. وأعتقد، بأن هذا المنفذ الذي نسلكه من خلال «لجنة السينما»، لن تكون الطريق الوحيد المسؤول عن هذا الانجاز الإيجابي، بل سيكون لها دورا رائدا في جغرافية المدينة والمنطقة ككل. } لكم شركاء يزاولون مهامهم ونشاطهم المهني إلى جانبكم سواء بصيغة مباشرة أو غير مباشرة، هم الغرف المهنية، كيف هي العلاقة، وهل هي عبارة عن عناوين لهيئات لا تتحرك، أم موجودة في الواقع، تساهم، وتنتج..؟ أقول لك باختصار في هذه القضية، هذه التنظيمات موجودة، ولكن من الممكن أن تتحرك أكثر وأحسن، ولكن كل هذا يبقى متعلقا بالتنظيم الداخلي لهذه الجمعيات، وبالايمان بمواطنتهم وانتمائهم إلى المغرب. وإذا نظموا أحوالهم، وكانوا واعين بالأهداف الحقيقية الخاصة بالمغرب، وليس بالأهداف الشخصية لشركاتهم فقط، وأنا أعرف أن أية شركة تحقق نجاحا كبيرا، يكون المغرب قد حقق بدوره نجاحا، ولكن لو كان هناك تفكير أعمق، وبأن هناك أهدافا أسمى من الأهداف الذاتية للشركات، أكيد سيكون الجميع رابح. وهذه هي الملاحظة الوحيدة التي يمكنني أن أقولها في هذا الشأن، إذن، أنا أظن أنه يمكن لعملهم وآدائهم أن يكون أكثر وأنجح وأحسن، ولكن كل هذا متعلق بتشكيلاتهم وقراراتهم الداخلية الخاصة بهم. } هناك فرع آخر له علاقة باستراتيجية عمل المركز السينمائي المغربي، هو التكوين الأكاديمي للسينما بالمغرب. هل المعاهد المتواجدة بالمغرب منتجة وتشكل إضافات، وهل ننتظر منها مستقبلا يوازي ما تطمح له السينما في المغرب؟ أكيد، من الأحسن لبلد له صناعة سينمائية، ولو مبتدئة، أن تكون له معاهد للتكوين من أن لا تكون له معاهد. الآن، نلاحظ أن المعاهد التي نتوفر عليها بالرباط، الدارالبيضاء ومكناس ومراكش، لها انتاجات، وتدخل إلى الاشتغال في السوق السينمائية، كما أن هناك تفاوتا في قيمة هذه المعاهد. والحافز الأول في كل هذه المدارس والمعاهد، ليس هو في حد ذاته، بل سوق العمل، لأنه لما أصبحت هي كائنة وقائمة إلا لأن هناك إنتاجا. وكون بلاد ينتج 20 أو 25 فيلما سنويا، ليس كبلد ينتج فيلما أو فيلمين سنويا، لأن فرصة العمل الابداعي تعطيها من خلال إنتاج الأفلام، لأن العمل الابداعي سواء كان الفيلم من المستوى الرفيع أو متوسط أو دون المتوسط، فنفس التقنيين هم الذين سيشتغلون في كل هذه الأفلام.. إذن مع هذه الفرصة، وكلما أنتجت أفلام، ومستوى لا يقاس بالكم أو الكيف، هذه قضية أخرى تتعلق بكم العمل الذي يفتح المجال للعمل ، وبالتالي تطور ذلك التقني الذي سيشتغل في تلك العمل يبقى مشروطا بكمية العمل الذي سينجزه ذلك الخريج، بحثي، إذن، اشتغل في فيلم واحد خلال السنة ليس كما اشتغل في عشرة أفلام في السنة. فالكل مرتبط، وهذه الجدلية متشعبة ومتداخلة. ونحن نقول إنه كلما تطور الانتاج إلا وتطورت فرص العمل التي نتيحها لهؤلاء الخريجين، وإذن، الكل يستفيد من هذه المسألة. ومن جهة أخرى، لا يكفي أن تكون هناك معاهد . فالمعاهد الحقيقية هي التي تشتغل بشكل ملموس في الانتاجات السينمائية الوطنية والأجنبية. إضافة للانتاجات الدولية التي يمكن اعتبارها امتحانا حقيقيا لهؤلاء الخريجين الذين يشتغلون فيها، ولها الفضل الكبير في تكوين الأطر التقنية بالمغرب.