على مدى ساعة وربع، تحدث نور الدين الصايل، المدير العام للمركز السينمائي المغربي، عن مشروع السينما المغربية، عن الأسئلة المطروحة على هذا القطاع، وعن الانتظارات لإعادة الاعتبار الذاتي للسينمائي المغربي والاعتراف بأن كل المنتوجات السينمائية المغربية لها كيان وتحترم كمجهود واستثمار...، وأنه من المستحيل أن هذه الصناعة السينمائية المغربية الناشئة، التي يعمل الجميع على بلورتها على أرض الواقع، أن لا يكون للمغرب كيانه السينمائي.. ومن المستحيل، كذلك، في ظل الاستثمارات التي تمت والطموح الذي يميز المغرب على أعلى مستوى، بأن لا ينجح في التنمية السينمائية. في هذا الحوار مع الصايل، نلمس العديد من المخططات التي تشغل تفكيره، حقق جزءاً منها خلال السنوات الست التي قضاها على رأس إدارة المركز السينمائي المغربي.. في هذا اللقاء، يرفع الكلفة في حديثه مع التاريخ، يتجه الى أصحاب القاعات السينمائية بعتاب صريح، يبدي رأيه في واقع النقد السينمائي والإطارات المرافقة له.، يفكر بطموح ويبقي على تفاؤله تجاه السينما المغربية.. وهذا نص الحوار الذي أجراه مع «الاتحاد الاشتراكي»: التطور الذي تعرفه السينما المغربية والانفتاح على آفاق ثقافية وفنية جديدة، كيف ينظر له نور الدين الصايل، المدير العام للمركز السينمائي المغربي؟ أعتقد أن طرح ومقاربة المسألة السينمائية في المغرب، يجب أن تكون بكيفية مطبوعة بالتطور والتكامل والقناعة بضرورة خلق صناعة سينمائية. من هذا المنطلق، يطرح أمامنا خيار، إما أن ننجز تحفا سينمائية نقدمها في بعض المناسبات السينمائية الدولية الكبرى، مثل: كان، برلين... وفي هذا السياق، أستحضر نموذجا من السينما المالية مع السينمائي الكبير سليمان سيسي وفيلمه «يلين» (النور)، الذي استطاع أن يفوز بإحدى جوائز مهرجان «كان» أو نموذج ادريسا ودرورغو...، بحيث يصبح مثل هذا النهج توجهاً وعنواناً لاختيار سينمائي ينبني على إخراج تحفة سينمائية كل عشر سنوات، وبإمكان المغرب أن ينهج نفس هذه الاستراتيجية. لكن أن تكون لنا قناعة بضرورة أن نتوفر على صناعة سينمائية من عملية إنتاج الأفلام بكيفية مستمرة، أكيد هذه الكمية من الأفلام التي سيتم إنتاجها، ستفرز من فترة إلى أخرى أفلاما مهمة. وهذا هو نموذج اختيارات البلدان التي تسعى أن تكون لها صناعة سينمائية، سواء كانت أمريكية أوربية. وفي بعض الأحيان، عربية (نموذج مصر). وأعتقد أن هذا هو الاختيار الأصح، إذا كنا نسعى لنضمن الاستمرارية في الإنتاج السينمائي، الذي بدوره سيساعد على إنتاج نموذج من التعبير السينمائي الداخلي. إذن، هذا هو اختيارنا بالمغرب. فبعدما كان إيقاع الإنتاج السينمائي المغربي يتراوح ما بين 3 إلى 8 أفلام سنويا، إلى أن تم الاستقرار، اليوم، على 15 فيلما سنوياً، فإننا نطمح أن يصبح عدد الأفلام المنتجة سنوياً في عشرين فيلما خلال السنوات المقبلة. ثم هناك طموح ثانٍ ، هو أن هذا سيساعد على تزايد عدد المخرجين والممثلين والتقنيين...، لأن هذا المعطى سيفرز ضمانة لكل ما هو موازٍ لعملية الإنتاج السينمائي. وهذا هو الإطار العام الذي سوف تترعرع وتتوطد فيه الصناعة السينمائية التي نطمح إلى تحقيقها. ولتدارك معطى أن السينما هي صناعة وتجارة، وكذلك فن، ومن أجل الجمع ما بين هذين الطموحين أو البعدين، لابد أن نختار طريق الصناعة السينمائية. أما إذا أردنا أن نتحدث عن مآل هذه الصناعة في المستقبل، فهذا يفرض ضرورة متابعة الإنتاج، وهو الذي سيعطي معنى لهذه الاستراتيجية التي نحن بصدد تنفيذها. لو رجعنا بالذاكرة السينمائية المغربية إلى الوراء، من منا كان ينتظر أن تكون لنا، اليوم، أفلام متباينة فيما بينها، مثل: فيلم الأخوين نوري، نور الدين الخماري، جيلالي فرحاتي، عزيز السالمي، مومن السميحي، نرجس النجار، نبيل عيوش... لهذا أعتقد أن الإطار العام الذي تعرفه السينما المغربية راهناً، هو الذي سيحدد ويحكم على نفسه، بأن المستقبل سيكون حتماً هو التطور. في نفس الإطار، هناك بعدان آخران يوطدان هذه الاستراتيجية، الأول، الإنتاجات الأجنبية التي تصور بالمغرب، التي تعطي ثقة أكبر لتقنيي المغرب والضمانات المغربية العامة...، كل هذا يوضح للمسؤولين أن السينما هي شيء جدي. ثم هناك، البعد الثاني، المتعلق بالمهرجانات التي يحتضنها المغرب، يظهر أن هناك ثقة وآمالا مفتوحة على السينما. أعتقد أن هناك إيمانا جماعيا، بأن الشيء السينمائي من: إبداع، إنتاج، استهلاك... أصبح مهماً.. الاستراتيجية المنفذة اليوم، ما هو تقييمكم لها ؟ كيف يمكن الحفاظ عليها في ظل الضوابط والتنظيم الذي وضع لها، من خلال الآفاق التي يستشرفها المركز السينمائي المغربي حتى تصبح عنواناً لسينما مغربية، قوية بحضورها الفني وسط سينمات العالم؟ يظهر لي أن البعد الأساسي لكل استراتيجية، هو البعد الزمني، الكفيل بالحكم على نتائجها. وإذا كنا قد انطلقنا في هذه الاستراتيجية بطريقة رصينة، منذ بضع سنوات، فهذه الطريقة هي التي أعطت داخلياً شروط الاستمرار، والتي نعمل على الدفاع عنها قانونياً باتفاق مطلق مع الوزارة الوصية (وزارة الاتصال)، وبتعامل جدي مع وزارة المالية. إذن، هذا البعد التوافقي ما بين هذه الوزارات والغرف المهنية والمركز السينمائي المغربي، هو الضمانة القانونية للاستمرار في تشكيل صناعة سينمائية حقيقية. ومن أجل اكتمال هذا التصور الاستراتيجي، هناك عنصر أساسي يتمثل في ضرورة العمل على حل مشكلة ومعادلة الإنتاج الوطني من خلال ضبط التعهدات مع شركات الإنتاج، تقديم مساعدات معينة، المطالبة بتقديم منتوج جيد خلال مرحلة محددة، وذلك من أجل إنتاج وطني حقيقي. ثم هناك شرط أساسي آخر، يعطي معنى حقيقيا للشرط الأول، هو سوق سينمائية داخلية حقيقية، متمثلة في القاعات السينمائية، التلفزيون والمبيعات (كاسيط، دي. في. دي...). فبخصوص القاعات السينمائية، التي تعد أول حلقة ضعيفة في هذه المعادلة بالمغرب، حيث نتوفر اليوم، على 70 شاشة سينمائية في الوقت الذي كان من المفروض أن تكون لدينا 500 شاشة لكن الذي حدث، أن أصحاب القاعات السينمائية لم تكن لديهم الثقة الكاملة في هذه المهنة. فبعد أن بدأت مداخيل القاعات تتراجع، نظراً للقرن الرقمي الذي دخلنا إليه، وتعدد التلفزيونات... وعوض أن يؤمنوا بمهنتهم والتطور مع التحولات التي يعرفها قطاع السينما، توقفوا عن مزاولة مهنتهم. وهذا خطأ. وفي مقارنة بدول أوربية لها قيم سينمائية وإنتاجية حقيقية، مثل: فرنسا، إسبانيا، إيطاليا...، هم كذلك سبق لهم أن عاشوا نفس الأزمة في نهاية السبعينيات والثمانينيات، لكنهم فهموا أن القاعات السينمائية بحمولة تفوق 1000 مقعد انتهى العمل بها، وأن مواجهة الكمية الهائلة من الأفلام التي تعطيها التلفزيونات، لابد أن تواجهها باختيارات تجلب الجمهور مثل: قاعات مريحة، برمجة جيدة... وهذه الاستراتيجية حققت اقتراحا سينمائيا تجاريا يضمن كل شروط الفرجة، ويتيح تقديم كل الإنتاجات السينمائية. وفي سياق هذه المقاربة، وبالضبط عندما تمت مغربة القاعات السينمائية (74 و 75)، مجموعة كبيرة من أصحاب القاعات لم يكونوا ينتمون إلى الحقل السينمائي، بقدر ما كانوا ممولين لمشروع يحقق مداخيل كبيرة، في ظل واقع لم يكن يعرف منافسة التلفزيونات... وبالتالي يتم استثمار هذه المداخيل في مجالات اقتصادية، «اللَّه يْعَاوَنْ»، وكل هذا يساهم في الاقتصاد الوطني، لكن لا يمكننا القول إن الاقتصاد السينمائي المغربي استفاد من هذه المداخيل. إذن، نفس الأفراد الذين يشتكون من هذا الوضع، لهم جزء من المسؤولية، وعلى الجميع الاعتراف بمسؤوليته التاريخية على هذا الوضع. إذن من وسط هذا الواقع، وجدنا الحل الذي هو شيء من الإرادية، فباتفاق مع الوزارة الوصية على القطاع خلال الاجتماع الأخير للمجلس الاداري للمركز السينمائي المغربي، قررنا أولا، أن نسترجع كل القاعات الصغيرة بالمدن، وذلك من خلال إشراك المجالس البلدية والجماعات والمقاطعات الحضرية في عملية إصلاحها، بمشاركة من المركز السينمائي المغربي الذي بإمكانه السهر على برمجة الأفلام بها... ثانياً، على القاعات السينمائية الكبرى، أن تحترم شكلها الخارجي، مع العمل على تحويلها إلى مجموعة من القاعات (بحمولة 150 مقعداً)، على أن تتم هذه العملية بمساعدة الدولة، وذلك على شكل تسبيق، شبيه بعملية التسبيق على الإنتاج.. ثم النقطة الثالثة، المتعلقة بخلق مركبات سينمائية على شكل ما هو متواجد بكل من الدارالبيضاء ومراكش. إضافة إلى كل هذا، ضرورة العمل على إحياء تلك الرغبة للعودة إلى السينما لدى المواطن المغربي، وذلك من خلال خلق ميكانيزمات جديدة تعيد الثقة لجمهور السينما بالمغرب. لهذا من الضروري، أن يتوفر المغرب مستقبلا على أكثر من 250 قاعة سينمائية، وذلك حتى يستمر هذا التشييد الذي نقوم به. وأعتقد إذا وصلنا إلى هذا المستوى، نكون قد استطعنا أن نحل إشكالية الإنتاج، السوق الداخلية، ليأتي فيما بعد الاشتغال على الكيان الدولي من خلال الحضور في المهرجانات...، وعندما نتوفر على صناعة سينمائية بسوق داخلية، سيكون هناك اعتراف بتوفر المغرب على كيان سينمائي حقيقي. هناك العديد من المهرجانات السينمائية التي يدعمها المركز السينمائي المغربي، هل أنتم راضون عن أدائها؟ نحن راضون عن كل تبلور للحس السينمائي في أية نقطة جغرافية من المغرب. اليوم، هل تلك المحاولة الأولى تضمن شروط الاستمرارية أم لا؟ هذا موضوع آخر. لكن، لا يمكننا الحكم، منذ البداية، على أن هذه التظاهرات من غير الممكن أن تتحقق. لهذا يجب أولا، إعطاء الفرصة للجميع، والتاريخ هو الكفيل بالتصفيات. لكن إيماننا داخل المركز السينمائي المغربي، هو أن للجميع الحظ في التنظيم. بالفعل، هناك متابعات لكل المهرجانات التي ندعمها، وذلك بناء على اتفاقيات تضمن بنودا من المفروض احترامها. كما أنه في بعض الأحيان، هناك مهرجانات صغيرة، تقوم بأداء كبير على مستوى التنظيم والبرامج المسطرة في أماكن جغرافية بالمغرب لا يمكن تصورها، حيث هناك حماس وروح نضالية عالية. والمهرجانات، ظاهرة صحية، لأنها تظهر أن النقاش والحس السينمائي مطلوب في المغرب. وهذا ما يجعلنا اعتبار أن المعطى السينمائي ضروري بالنسبة للمغاربة. وأكيد أن هذه المهرجانات ستساعد بشكل كبير في تنشيط قاعات القرب إذا ما استطعنا استرجاعها. وإذا أردنا تصنيف المهرجانات المتواجدة حاليا، فهناك مهرجانات لها قيمة فنية سواء على الصعيد المغربي أو الدولي، وهناك مهرجانات أخرى التي في بداية طريقها. لكن المهم، هو التعامل مع كل الإرادات المتواجدة في الكيان السينمائي المغربي بكيفية متساوية. أصبحت السينما المغربية، اليوم، متواجدة بكثرة سواء على المستوى العربي والدولي، وحققت العديد من الجوائز.. بماذا تفسرون هذا الحضور والطلب على السينما المغربية؟ هذا ما يفسر أننا في طريق الصحيح من خلال العمل على تكريس معطى الصناعة السينمائية واختيار الرفع من الإنتاجات السينمائية. وبناء على إحصائيات، فالفيلم المغربي شارك في أكثر من 80 تظاهرة دولية. وأن الجوائز التي حصل عليها تفوق 50جائزة. وكل هذه المعطيات تجعل المختصين والمهنيين السينمائيين على المستوى الدولي، يدركون بأن اختيار الأفلام بالمغرب ممكن، بخلاف دول أخرى التي تتوفر في رصيدها السينمائي إلا على فيلمين أو ثلاثة يصعب اختيارها. وكل هذه الملامح، يفسرها تواجد مجموعة من المسؤولين عن مهرجانات دولية من إسبانيا، فرنسا، بريطانيا، بالمهرجان الوطني للفيلم بطنجة، مما يعني أن العديد من المهرجانات الدولية أصبحت تتخذ من المغرب واجهة سينمائية قصد التسوق والبحث عن أفلام جديدة. إذن، من هذه التكاملات المختلفة، أصبح المغرب الآن، من بين الدول التي تمنح أفلاما للمهرجانات، إضافة إلى القيمة السينمائية والتنظيمية والمهنية التي يقدمها المهرجان الدولي للفيلم بمراكش، وكل هذه المعطيات، تعني أنه معترف بك كبلد للسينما، بما فيها من إنتاج واستهلاك سينمائي. واليوم، قضية الإنتاج، هي التي تجعلنا نتجه إلى المهرجانات الدولية، لكنا نريد من قضية الاستهلاك داخل السوق الداخلية، أن تفتح لنا أسواق وليس فقط مهرجانات..، وهذه هي الفكرة الخفية في جدلية اكتمال هذه الاستراتيجية التي نطبقها اليوم..