أصبحت عبارة «غير اعطيه التيساع راه مقرقب» رائجة بشكل كبير في أحيائنا الشعبية بجل المدن المغربية من دون استثناء. عبارة تحمل بين طياتها تهديدا مبطنا من كونك قد تتعرض لامحالة للاعتداء إذا مالم تلتزم الحياد أمام شجار أو اعتداء على الغير أنت شاهد عليه، أو أن تنصرف وأنت تحمل مهانة شخص ما انهال عليك بالسب والشتم قد لاتتمالك أعصابك أحيانا، خاصة إذا كانون قاموس السب - من الحزام للتحت - ويطلب منك الصبر لا لشى إلا لأنه «مقرقب»، أي أنه تناول الحبوب المهلوسة. مسالك الحبوب المهلوسة متعددة ومعروفة وزبناؤها يزدادون يوما بعد يوم وينتمون لفئات عمرية مختلفة، لِم لا وقد أصبحت تكتسح يوما عن يوم أسواقا جديدة وتستقطب زبناء جددا بين أوساط التلاميذ، بل وحتى التلميذات، الذين أصبحوا يقبلون على إدمان هذه الحبوب، ولو من باب الفضول. هي مواد مخدرة بدرجة عالية ولها مفعول مباشر على الجهاز العصبي ومضاعفات على صحة مستهلكيها، وهي في غالب الأمر لا تمنح إلا بوصفة الطبيب وتحت المراقبة، ولمدة قصيرة لا تتجاوز الأربعة أسابيع على أكثر تقدير. وإذا ما تجووزت المدة المخصصة تؤدي إلى اضطراب في الإدراك وخلل في الذاكرة و الخوف من الأمكنة العمومية والقلق والهلوسة والهيجان والغضب والأرق وصلابة العضلات واضطرابات في المعدة تنتهي بانهيار عصبي واكتئاب. هكذا إذن يصبح البعض، خاصة الإناث، تحت رحمة شخص «مهلوس» وفي واضحة النهار، فالأمر لايقتصر على الليل كما كان متعارفا عليه، بل أصبح «التقرقيب» طوال اليوم، حيث السيوف والخناجر القاطعة هي اللغة السائدة. كل يمارس فتوته بالشكل الذي يحلو له، منهم من يعترض المارة يطلب درهما بالقوة ، ومنهم من يعاكس بنات الحي وآخرون يسبون كل من يمر من أمامهم من دون سبب. والنتيجة إما قبول الأمر الواقع، أو الدخول في مواجهة تبدأ بشخص لتتطور الأمور إلى اعتداء جماعي على المارة خاصة إذا لم يكونوا من أبناء نفس الحي. إنه منظر يومي بمجموعة من الأحياء الشعبية بمختلف المدن المغربية من دون استثناء وإن كانت مدينة الدارالبيضاء رائدة في هذا المجال. وضعية تدفعنا إلى طرح سؤال حول مآل هؤلاء «الضحايا» وإن كان الأمر يتعلق بفترة عابرة من حياتهم، أم أنها حالة إدمان تقود صاحبها إما إلى السجن أو الموت. إنه زمن «التقرقيب» ببلادنا، زمن اختلطت فيه الأوراق لدرجة أن المرء أصبح لايعرف بالضبط من المسؤول عن كل هذا. فكل هذه الكميات المروجة من حبوب الهلوسة سواء تلك القادمة من الشمال عبر إسبانيا أو تلك العابرة للحدود الجزائرية المغربية والمستقرة بمدينة وجدة في انتظار توزيعها على باقي المدن المغربية، لا يمكن أن تكون عملية تهريبها تتم بعيدا عن أعين البعض ممن يفترض فيهم حماية الوطن، لا بد وأن هناك من يتورط بشكل أو بآخر في هذا الأمر، وهو مايشجع على انتشارها بشكل كبير خاصة بين الشباب بالرغم من الحملات التي تتم هنا وهناك بشكل محتشم لاعتقال أباطرة القرقوبي. وفي انتظار أن تتضح الأمور، تبقى النصيحة الموجهة للمواطنين «غير اعطيه التيساع ، راه مقرقب..!»