قبل سنوات صدر تقرير للجنة العليا للسكان التابعة للمندوبية السامية للتخطيط، يفيد بأن حوالي 25 بالمائة من مساكن المغرب هي مساكن غير لائقة التقرير يتحدث عن دور سكنية وليس دور صفيح إضافة إلى أن 12 بالمائة من مجموع المساكن ببلادنا فارغة و10 بالمائة تستعمل لأشغال أخرى على الرغم من أنها أعدت للسكن. وتوقع التقرير وقتها أن يزداد الخصاص المسجل في السكن إلى السنة الجارية إلى مليون و630 ألف سكن. الآن وبعد سنوات من صدور التقرير، لابد أن عدد الوحدات السكنية الفارغة قد تجاوز 12 في المائة، بالنظر إلى التطور العمراني وتوجه العديد من المهاجرين المغاربة إلى الاستثمار في العقار ، حيث تتوجه معظم الاموال المحولة إلى المغرب من قبل المهاجرين المغاربة في مختلف المدن المغربية، الى بناء المساكن الخاصة كنوع من الاستثمار المضمون لأن معظم المغاربة المهجرين لا يثقون في استثمارات أخرى غير العقار كما يفتقرون الى الخبرة والمعرفة التي تمكنهم من الاستثمار في أسواق المال. من وجدة الى الدارالبيضاء ومن طنجة الى لكويرة، تنتشر ظاهرة العقارات الفارغة التي يشيدها المغتربون في مدنهم الأصلية من عوائد عملهم في الخارج، لكنهم لا يسكنون فيها إلا فترات وجيزة لا تتجاوز عدة أسابيع كل عام. البعض يشير الى إيجابيات للظاهرة، بينما يتهمها البعض الآخر بأنها أكبر سبب لأزمة الاسكان في الدول النامية وارتفاع أسعار العقار والتشجيع على الهجرة العشوائية. الظاهرة ازدادت مع موجة البناء الاقتصادي وتنامي موجة الهجرة السرية وتسوية أوضاع البعض ممن غامر للإلتحاق بالضفة الأخرى، وتمكن خلال فترة وجيزة من توفير سيولة مالية تحولت إلى بنايات تسكنها الرياح في مدنهم وقراهم! هذه الظاهرة لا تخص المغرب وحده، بل تنتشر في جميع أنحاء العالم، خصوصا في المناطق التي تجاور فيها الدول الفقيرة دولا غنية، مثل شمال افريقيا القريب من جنوب أوروبا، والبلدان الأسيوية القريبة من شرق منطقة الخليج وبجوار دول آسيوية أخرى ثرية. الظاهرة تستحق أكثر من وقفة، لمعرفة أسبابها وتبعاتها، فإقبال المهاجرين على العقار، يمكن اعتباره أمرا عاديا إذا كان يتعلق باقتناء محل سكني للعائلة، للإستقرار فيه خلال التواجد بالمغرب، لكن أ ن يتم تشييد إقامات تصرف عليها ملايين الدراهم للديكور والتأثيث، لتبقى فارغة طوال السنة، فذلك أمر لابد من الوقوف عنده، خاصة وأن الإحصائيات المتوفرة تفيد بأن أكثر من نصف المنازل المشيدة ببعض المناطق فارغة، كما هو الشأن بالنسبة لبعض مدن الشمال الشرقي كأحفير وبركان والناظور، وبعض المدن الصغرى بجهة تادلة أزيلال والشاوية، والعديد من المدن المغربية الأخرى. الظاهرة تبين من جهة مدى تمكن «عقدة» السكن من بعض المهاجرين الذين اكتوت عائلاتهم بنار الكراء، وهكذا وبمجرد أن هاجر الأبناء « ودارت الحبة» انطلقت أوراش البناء، والمسكن الواحد أصبح مسكنين وثلاثة، والبقعة الواحدة أضحت بقعتين أو ثلاث بقع ! ينطلق سباق تشييد المساكن ربيعا، والتأثيث صيفا، ليترك المكان مأوى للرياح خريفا وشتاء!