من آكادير الى مراكش فالفقيه بنصالح، ومن طنجة إلى الناظور فوجدة وفاس ثم مكناس وباقي التراب المغربي، تنتشر ظاهرة الشقق الفارغة التي يشيدها المهاجرون المغاربة في مدنهم الأصلية، لكنهم لا يقطنون فيها إلا لفترات وجيزة لا تتجاوز أربعة اسابيع في كل عام، وفي أحسن الأحوال مرتين في السنة. الظاهرة ازدادت مع موجة البناء الاقتصادي وتنامي موجة الهجرة السرية وتسوية أوضاع البعض ممن غامر للإلتحاق بالضفة الأخرى، وتمكن خلال فترة وجيزة من توفير سيولة مالية تحولت إلى بنايات تسكنها الرياح في مدنهم وقراهم! هذه الظاهرة لا تخص المغرب وحده، بل تنتشر في جميع أنحاء العالم، خصوصا في المناطق التي تجاور فيها الدول الفقيرة دولا غنية، مثل شمال افريقيا القريب من جنوب أوروبا، والبلدان الأسيوية القريبة من شرق منطقة الخليج وبجوار دول آسيوية أخرى ثرية. الظاهرة تستحق أكثر من وقفة، لمعرفة أسبابها وتبعاتها، فإقبال المهاجرين على العقار، يمكن اعتباره أمر عاديا إذا كان يتعلق باقتناء محل سكني للعائلة، للإستقرار فيه خلال التواجد بالمغرب، لكن أ ن يتم تشييد إقامات تصرف عليها ملايين الدراهم للديكور والتأثيث، لتبقى فارغة طوال السنة، فذلك أمر لابد من الوقوف عنده، خاصة وأن الإحصائيات المتوفرة تفيد بأن أكثر من نصف المنازل المشيدة ببعض المناطق فارغة، كما هو الشأن بالنسبة لبعض مدن الشمال الشرقي كأحفير وبركان والناظور، وبعض المدن الصغرى بجهة تادلة أزيلال والشاوية، والعديد من المدن المغربية الأخرى. الظاهرة تبين من جهة مدى تمكن »عقدة« السكن من بعض المهاجرين الذين اكتوت عائلاتهم بنار الكراء، وهكذا وبمجرد أن هاجر الأبناء » ودارت الحبة« انطلقت أوراش البناء، والمسكن الواحد أصبح مسكنين وثلاثة، والبقعة الواحدة بقعتين أو ثلاثة! ينطلق سباق تشييد المساكن ربيعا، والتأثيث صيفا، ليترك المكان مأوى للرياح خريفا وشتاء..! أتذكر هنا حكاية ذلك الموظف البسيط المغلوب على أمره والذي يعاني لسنوات من محنة التنقل عبر حافلة النقل الحضري (الطوبيس)، سألوه مرة، ماذا سيكون رد فعله إن أصبح صاحب ثروة، فأجاب بعفوية، (غادي نشري طوبيس ونركب فيه بوحدي..«!