كلنا عمر، هكذا نتحدث ويتحدث معنا كل الحداثيين الديمقراطيين في الكثير من محطات تجمعاتنا النضالية، وفي كل ممراتنا التي نحتج فيها على بقايا زمن وشم الدم في ذاكرتنا الصغيرة ونحن نصفع بقتل شهيد الحرية والعدالة والاشتراكية والديمقراطية بطعنة غادرة تحمل الكثير من الدلالات، لكن دلالتها العمودية هي تلك التي عبر عنها فقيد ساحتنا الفكرية والثقافية محمد عابد الجابري عندما قال: «إن أولى إرهاصات الإرهاب هي تلك التي انطلقت في الثالثة من زوال يوم 18 دجنبر 1975، أي يوم اغتيال الشهيد عمر بنجلون، وهو اغتيال استهدف الاتحاديين بعد المؤتمر الاستثنائي 1975». لم يكن عمر شخصا، كان عمر قضية، لم يكن قلما ذاتيا كان تعبيرا عن أحلام شعب في تحقيق الديمقراطية والعدالة، كان فكره يزعج كل هؤلاء الذين اختاروا التربص به، لم يكن يعي أعداء الديمقراطية والحريةأنهم يتربصون بالجسد لأن عمر مستمر في أذهان كل المتعطشين والحالمين والمصطفين على قارعة الطريق أو وراء القضبان، وكل هؤلاء الذين نال الصمت من قدرتهم على المواجهة، لكن كانوا كلهم عمر، ينتظرونه في جلسات علنية وسرية يتتبعون خطواته التنويرية في الفكر والممارسة، لم يكن أحباء عمر يعون أن صوتهم كان على الدوام هدفا لأجهزة القمع وآليات الإرهاب والترهيب، لم تنل منه أيادي الغدر في أزمنة متتالية عندما حكم عليه بالإعدام سنة 1963 أو عندما كاد الطرد الملغوم سنة 1973 أن يغيبه عن الحياة، ورغم أرقام الزنزانات التي دخلها ،ظل عمر يحول الزنزانة إلى حافز فكري ونضالي ينظر للمستقبل بقناعة راسخة في التغيير، وتفعيل آلياته والبحث في الممرات الصعبة عن السبل المؤدية إلى ذلك وبعكاز القرارات التي كان يدافع عنها، ملتحما حد الهوس مع الجماهير الشعبية... فانهض يا ابن جلون، إنك لم تمت، وإن دفن جسدك في التراب، فأنت حي في أذهان جماهيرك التي لن تختار إلا دربك، تقول لك أننا سننتصر، رغم كل المنزلقات، وكل الطرق الوعرة التي نسير فيها وكل المنعرجات والمطبات، وكل المكائد والسهام التي وجهت إلى حزبك في غفلة منا أو أمام مرأى ومسمع الكثير منا. لقد خسر أعداء الديمقراطية، لأن المتآمرين اعتقدوا عمرا شخصاً، فاكتشفوا أن عمر قضية. ولأن القضية أكبر من الأشخاص في دربنا، فإن دربك الذي هو دربنا قاوم السائرون فيه آليات القمع والترهيب، كما قاوموا القنابل المغروسة في جوانب الدرب الطويل، والحفر المدسوسة، وقطاع الطرق، وخفافيش الظلام، والمتربصين سارقي التاريخ، والممتطين فرسان غيرهم، الباحثين عن مجد مستحيل، الفارين من فسادهم، الفاسدين الممتلئة بطونهم ببيع الوهم لشعبك الذي يغني اسمك وهو يخوض معركة التغيير، معك في أجندة إخوانك ورفاقك، بزمن جديد، أو كما قال أخونا عبد الحميد الجماهري «عمر خارج من زمن من حديد.. لكنه كان شجرة تطول في الوضوح وتفعيل اليقين النضالي والإقناع بالتربية السياسية ليصوغها في خطة عمّدها دمه لحظة لاستراتيجية النضال الديمقراطي في جسده وفكره انتهى زمن ومنها انبثق زمن آخر». هو الزمن الذي يلد الزمن، وهو عمر الذي يلد عمر، يوجهه كظله، يصاحبه، كشبيهه، كابنه، كحفيده، ولهذا نغني في الدرب الذي سرنا فيه، وانتصرنا، لأننا نمشي، بانسجام مع طرحنا في الدفاع عن الديمقراطية والحداثة، عن العدالة والمساواة، عن الحرية والكرامة، بالقوانين، نؤسس دولتنا نمأسسها، دولة حديثة لا عجين فيها ولا خليط، لا هبوط ولا صعود إلا من أجل الشعب، في الموعد دائما مع التاريخ، بشفافية ووضوح، لا ذات إلا من أجل الموضوع، ولا قضية إلا قضية الوطن لاستقراره وبناء دفء المواطنة فيه بمحاربة الفساد والاستبداد... فعِمْ صباحا وعم مساء ً يا عمر إننا على الدرب سائرون...