بعد عودتكم من واشنطن.عُيّنتُم مستشارا للملك الحسن الثاني، وبقيتم في هذا المنصب حتى عام 1978، فهل لكم أن تحدثونا عن مؤسسة المستشارية في القصر الملكي المغربي؟ عندما استُدْعيت من لدن جلالة الملك لأكون أحد مستشاريه الأربعة أحمد رضا اكديرة، وإدريس السلاوي وأحمد بن سودة، وعبد الهادي بوطالب، لم أكن أعرف طبيعة المهمة الجديدة, فقال لنا الملك: ستكونون مستشارين لي بالديوان الملكي, ودعوني أشرح لكم شروط اختيار المستشار والمؤهلات التي يجب أن تتوفر له ليشغل عن جدارة هذا المنصب الكبير, أنا لا أختار مستشارا لي إلا من تقلب في وظائف وزارية كبرى ونجح فيها، وإلا من يتوفر على التكوين السياسي لرجل الدولة , والمستشارون هم خُلصائي وجلسائي المقرَّبون إليَّ، فلا أختارهم إلا من بين الذين يعرفونني ويعرفون توجهاتي وممن لا يضايقني أن أستقبلهم ولو في غرفة نومي وحتى من دون أن أكون قد غادرت الفراش. وأفاض الملك في شرح المهمات التي تنتظرنا, وبعد أن انتهى من كلامه، سأله اكديرة: نحن يا جلالة الملك مستشارون لكم أم مستشارون في الديوان الملكي؟? فكان جواب الملك: الأمر عندي سيّان, فعلق اكديرة قائلا: لا يا جلالة الملك، إذا كنا مستشارين في الديوان الملكي، فإننا لا نعرف العمل الذي سنقوم به، لأن بالديوان الملكي موظفين سامين يقومون بمهامه، بل يوجد به حتى من هم في رتبة وزراء, فحسم الملك وقطع حديث اكديرة قائلا: أقصد مستشار الملك. الملك الحسن الثاني، حين يتحدث في مجلسه الخاص، لم يكن يقول عن نفسه جلالة الملك، بل يقتصر على كلمة مستشار الملك, وأذكر مرة أنني نعيت إليه بالهاتف صديقي المرحوم علي الكتاني يوم وفاته - وهو رجل أعمال بالدار البيضاء ولي معه علاقة مصاهرة - فقلت لجلالته: إني أخبر جلالتكم بوفاته لما أعلمه من قرب الراحل منكم وتعلقه بكم, ولما قدمه للبلاد من خدمات من موقعه كرجل أعمال, فقال الملك: أحسنت في ما فعلت, وسألني: متى سيدفن؟ فقلت له: اليوم عند صلاة الظهر فقال: سأبعث لكم ولي العهد ليحضر الجنازة، وصلوا على الراحل في المسجد الاعظم, قلت له: يا جلالة الملك، ماذا تعنون بالمسجد الأعظم؟? فقال: يا أستاذ! أتنتظر مني أن أقول لك مسجد الحسن الثاني, إن المساجد لله, لقد كان الملك يتجنب الحديث عن نفسه باسم جلالة الملك ,وفي هذه المرة تجنب أن يقول عن المسجد العظيم الذي بناه تحفة رائعة : إنه مسجد الحسن الثانى, وأعود للحديث عن وظيفة المستشار لأقول إن الملك عندما أعلن للمراسم (التشريفات) الملكية عن تسميتنا، أكد على أننا مستشارو جلالته، لا مستشارون بالديوان الملكي, والظهائر (المراسم) الملكية التي توصل بها كل واحد منا جاء فيها وصفنا بمستشار جلالتنا (رعيا للتقاليد المخزنية) وماهي الاختصاصات التي أنيطت بكل واحد من المستشارين. عندما عيننا جلالته مستشارين، عقد جلسة عمل معنا لتحديد اختصاص كل واحد منا، وقال :مهمتكم أن تتابعوا الوزراء وتكونوا واسطة بيني وبينهم في ما يبعثونه إلى الديوان الملكي، وتقدموه إلي مع ملاحظاتكم عليه، وتقترحون علي افكارهم بشأنه لأتخذ القرار على ضوء ذلك وأردف قائلا: وليس معنى هذا أنكم ستكونون حجابا فاصلا بيني وبين الوزراء,وأرجوكم أن تجتمعوا فيما بينكم وتستعرضوا الوزارات التي مر كل واحد منكم بها، فيتخصص كل منكم في الوزارات التي كان على رأسها وهكذا كان اكديرة يشرف على وزارتي الخارجية والداخلية، وإدريس السلاوي على وزارات المالية والاقتصاد والتجارة والصناعة، وأحمد بن سودة على وزارتي الشبيبة والرياضة، والأوقاف والشؤون الإسلامية، وعبد الهادي بوطالب على وزارات العدل والإعلام و التعليم وشؤون البرلمان, وكان أول اجتماع عقده الملك بمحضرنا عندما استقبل الدكتور عزالدين العراقي وزير التربية الوطنية وجاء إليه ببرنامج طموح عن تجهيز مرافق التعليم بوسائل التكنولوجيا الحديثة, فأصدرت باسم القصر الملكي أول بيان يتعلق بهذا الموضوع, وأصبحت أكتب البيانات عن نشاطات الملك وألقيها أحيانا في الإذاعة والتلفزيون, كما أصبحت هذه البيانات تتضمن خلاصة ما راج في الاستقبالات الملكية ولا تقتصر على خبر الاستقبال وأسماء الحاضرين, بقي أن أقول إن أول مستشار حُصرت مهمته في قطاع واحد كان هو أندريه أزولاي الذي سماه جلالته مستشارا مكلفا بالشوؤن الاقتصادية, وبعد ذلك أصبح الملك يتجه إلى إحداث رتبة وظيفية باسم مستشار في الديوان الملكي، لكن لم يخرج ذلك إلى حيز الوجود, إلا أنه عندما كان يطلب حضور المستشارين إليه كان يقول للتشريفات: نادوا على المستشارين في الديوان حتى لا يقول نادوا على مستشاري جلالة الملك. ماذا يعني مستشار الملك بالضبط؟ لقد سئلت مرة في برنامج تلفزيوني بالمغرب: ما معنى المستشار؟ فكان جوابي: لا يعني المستشار الملكي أن الملك في حاجة الى أن يستفسر المستشار في كل ما يتخذه من قرارات وتدابير، وأن يطلب منه أن يقول رأيه في الشاذة والفاذة، أو أن يعمل برأيه في كل شيء. المستشار وظيفة لها معنى لغوي وآخر اصطلاحي. المعنى اللغوي يفهم منه طلب المشورة. أما المعنى الاصطلاحي فهو يعني رجل دولة تتوفر فيه كفاءات وتكون خلفه تجارب واسعة ويستعمله الملك حين يشاء في المهمة التي يراها بتقديره الخاص, وكان جوابي يهدف إلى تصويب ما أشيع - وخاصة في عهد حكومة عصمان الثانية - من أن المستشارين الأربعة أصبحوا يؤلفون الحكومة الأرفع قدرا والأكثر اختصاصا، والتي تعلو على الحكومة, كان الوزراء يحضرون إلى مكتب المستشار المختص بوزارتهم ليتناقشوا معه من دون أن يخاطبوا الملك مباشرة? ولكن لم يكن هناك ما يمنعهم من الاتصال بالملك? وكان الملك يطرح مواضيع للنقاش مع المستشارين ويستمع لكل واحد منهم, وكان يأخذ برأي واحد منهم تارة او يوفق بين الآراء تارة أخرى، واحيانا كان يبتدع قرارا آخر لا ارتباط له بآراء المستشارين, لذا كنا نقول - نحن المستشارين الأربعة - اننا لا نمارس الحكم، لأننا لا نمتلك سلطة القرار التي يملكها الوزراء الذين يمضون على القرارات او بالعطف على المراسم، كنا بجانب أعلى سلطة في الحكم, وكما كان يقول ادريس المحمدي رحمه الله: أفضل ان أكون مديرا للديوان الملكي حتى أتكلم في أذن الحكم. يقال في العالم العربي: إن المستشار لا ُيستشار، واذا استشير فإن رأيه لا يؤخذ بالاعتبار? إلى أي مدى ينطبق ذلك على تجربتكم مع الملك الحسن الثاني؟ هذه القاعدة لو دخلتها النسبية لكانت صالحة بالنسبة لمستشاري الملك: القول إن المستشارين لا ُُُيستشارون غير صحيح، والقول إنهم اذا استشيروا لا يعمل برأيهم، غير صحيح كذلك? لأن الملك كان يعمل احيانا برأيهم، ولكن لم يكن المستشارون يستشارون دائما ولا كان يعمل برأيهم دائما, وهو ما يخالف القاعدة او المقولة التي قلتها. هذه المقولة ربما كانت صالحة في نظم سياسية استبدادية دكتاتورية، علما بأن سلطات الاستبداد لا تضع بقربها مستشارين.