دفع الناخبون المصريون الاسلاميين الى فوز كاسح يهمش الليبراليين وينذر بصراع مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي يدير شؤون مصر حاليا والحريص على الاحتفاظ بصلاحياته على الرغم من سقوط الرئيس السابق حسني مبارك. ولن تسير الامور على هوى الإسلاميين الذين ينقسمون الى فصيلين رئيسيين. واذا ضغطوا بقوة لتنفيذ أجندة دينية فإنهم يجازفون بتنفير الكثير من الناخبين الذين لم يحسموا أمرهم بعد والذين قرروا أن يعطوهم فرصة. كما أن رجال الجيش الذين حكموا مصر لستة عقود لن يتنازلوا عن سيطرتهم بسهولة. ربما لا تكون نتيجة الانتخابات محل ترحيب من الغرب او من الكثير من المحتجين الشبان الذين أطاحوا بمبارك الذي حكم مصر 30 عاما لكنها تؤكد اتجاها حدده فوز الإسلاميين بالانتخابات في تونس والمغرب في الشهرين الاخيرين. وقال شادي حامد مدير قسم الابحاث بمركز بروكنز الدوحة «هذا له تأثيراته على المصالح الامريكية والغربية في المنطقة. لن تسير الامور بطريقة طبيعية.» لكن القضية ليست قضية الإسلاميين تحديدا. العرب لا تعجبهم سياسة الولاياتالمتحدة, وبالتالي فإن الحكومات التي ينتخبونها لن تعجبها السياسة الامريكية. انه مجرد واقع جديد في المنطقة. واكتسبت جماعة الاخوان المسلمين والسلفيين شرعية شعبية من خلال اكثر الانتخابات حرية التي تشهدها مصر منذ أطاح الجيش بالملك فاروق عام 1952 ويبدو أنهما في طريقهما للهيمنة على البرلمان متى تنتهي مراحل الانتخابات الثلاث في يناير. وقال عادل سليمان مدير المركز الدولي للدراسات المستقبلية والاستراتيجية ان الناخبين المصريين كانت امامهم ثلاثة اختيارات اما فلول نظام مبارك او التيار الاسلامي الذي كان أقوى معارض له او الاحزاب الجديدة التي تأسست بعد الثورة. وأضاف أن المصريين رفضوا الاختيار الاول وأن الاحزاب الجديدة لم تتبلور بعد وبالتالي أصبح الاسلاميون خيارهم الوحيد. وقالت جماعة الاخوان التي باتت اقرب الى النفوذ السياسي من اي وقت مضى منذ تأسيسها عام 1928 لكل من يلزمون انفسهم بالديمقراطية ان عليهم احترام ارادة الشعب. لكن من غير المرجح أن تسارع حركة اكتسبت حنكة من جراء عقود من العمل الدؤوب بين صفوف القاعدة العريضة من الناس الى فرض قيود على الحياة الاجتماعية او تلغي معاهدة السلام بين مصر واسرائيل او تواجه واشنطن التي مازالت تقدم لها مساعدات عسكرية قيمتها 3ر1 مليار دولار سنويا. وقال حامد «نحن نتحدث عن ساسة براجماتيين. لا يريدون فجوة في العلاقات مع الولاياتالمتحدة او اوروبا. ولا يريدون عاصفة دبلوماسية» مشيرا الى اتصالات غير رسمية بين جماعة الاخوان ومسؤولين أمريكيين في الاشهر القليلة الماضية. لكن الانتخابات التي جرت في 28 و29 نونبر والاحتجاجات العنيفة ضد الحكم العسكري التي سبقتها هزت ما يصفه المحلل العسكري المصري صفوت الزيات بأنه اتفاق مستتر بين جماعة الاخوان والمجلس العسكري الذي يتصور نقل السلطة لمدنيين ربما في عام 2013 بمباركة أمريكية. وقال الزيات ان احتجاجات ميدان التحرير لعبت دورا محوريا في اجبار المجلس عن التراجع وتحديد موعد لنقل السلطة في أوائل يوليو في اشارة الى مظاهرات بميدان التحرير بوسط القاهرة وأماكن أخرى قتل خلالها 42 شخصا وأصيب ألفان. وأضاف الزيات أن الجيش استعاد قدرا من رصيده لإدارته انتخابات حرة لكن الانتخابات في حد ذاتها أضعفت فرصه للتدخل بوصفه صاحب القول الفصل في اي قضية. وقال الزيات ان السلطة العسكرية لن تستطيع تجاوز دورها الحالي او تكريس دورها في الدستور. وأضاف أن جماعة الاخوان اصبحت الآن أقوى من قبل لان لديها قوة التصويت والجيش لا يستطيع تحييدها الآن لأن لديها شرعية بالبرلمان والعلاقة تغيرت. وتظهر نتائج المرحلة الأولى من الانتخابات حصول حزب الحرية والعدالة المنبثق عن جماعة الإخوان على نحو 40 في المئة من الأصوات وكانت المفاجأة حصول حزب النور السلفي على 20 بالمئة وحصلت الكتلة المصرية الليبرالية على 20 في المئة. وأشار حزب الحرية والعدالة الى أنه لن يتحالف مع السلفيين مفضلا شركاء ليبراليين في التحالف ليشاركوه مهمة التعامل مع الازمة الاقتصادية الطاحنة التي تمر بها مصر ولطمأنة المصريين وغيرهم من القلقين من نوايا الاسلاميين. وقال سليمان ان حزب الحرية والعدالة ربما يضطر الى تبني اتجاه اكثر اعتدالا ويوسع من نطاق خطابه ولو من أجل المراحل المتبقية من الانتخابات. وأضاف أن حزب الحرية والعدالة سيضطر لتقديم نفسه كقوة مدنية تركز على الديمقراطية والحريات لأن من صوتوا لهم ليسوا من أتباع تيارهم وقد يتراجعون عن قرارهم. وفي الوقت الحالي لايزال المجلس العسكري هو المسؤول عن ادارة البلاد فيما يشكل رئيس الوزراء المكلف كمال الجنزوري الحكومة الجديدة. لكن البرلمان الجديد سيريد دورا كبيرا في وضع الدستور الجديد الذي يفترض أن توضع مسودته ويطرح للاستفتاء قبل الموعد المقرر لانتخابات الرئاسة في يونيو . وكانت الحكومة التي عينها الجيش قد اقترحت وثيقة للمباديء فوق الدستورية قبل الانتخابات وكانت ستعزل الجيش عن سيطرة الحكومة المدنية وتعطيه دورا قويا في صياغة الدستور. ونتيجة لهذا نظم الاسلاميون احتجاجات ضد الحكم العسكري أشعلت بدورها المواجهات التي شهدتها الشوارع المحيطة بميدان التحرير الشهر الماضي. وقال حامد «سيكون هذا برلمانا قويا وحازما يتحدى سيطرة الجيش على السياسة» مضيفا أن أحدى النقاط المحتمل أن تثير خلافات ستكون رغبة الاخوان في تحويل نظام الحكم في مصر الى النظام البرلماني بدلا من النظام الرئاسي الذي يفضله الجيش وبعض الليبراليين. وأضاف «أحد المخاوف هي أن ينجذب الليبراليون للجيش بسبب الخوف المشترك من الإسلاميين. لن يكون هذا في مصلحة الديمقراطية في مصر وسيقوض المسوغات الديمقراطية لليبراليين في مصر.» وقال حامد ان على الليبراليين أن يمنحوا الاسلاميين فرصة ليحكموا خاصة وأنهم يعلمون أن المستقبل الاقتصادي السيء يعني أنهم «سيفشلون في تحقيق امال الناس لا محالة.» وقد تضع الازمة الاقتصادية الجيش تحت مزيد من الضغط ليفتح ميزانيته ومشاريعه التجارية للتدقيق العلني وهو ما سيرفضه القادة العسكريون بشدة. وربما تريد جماعة الاخوان البراجماتية أن تسمح للمجلس العسكري بلعب دور مهم من وراء الكواليس. وقال حامد «ستصل جماعة الاخوان الى تفاهم مع الجيش اذا كان هذا في مصلحتها. هل سيكون هذا كافيا بالنسبة للجيش ام انه سيطلب المزيد..»