رسالة تهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي بمناسبة يوم الاستقلال: تأكيد على عمق العلاقات الأخوية بين المغرب وليبيا    مجلس الأمن.. بلينكن يشيد بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    جرسيف .. نجاح كبير للنسخة الرابعة للألعاب الوطنية للمجندين    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    زاكورة تحتضن الدورة الثامنة لملتقى درعة للمسرح    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك        بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    روسيا تمنع دخول شحنة طماطم مغربية بسبب "أمراض فيروسية خطيرة"    نادي المغرب التطواني يقيل المدرب عزيز العامري من مهامه    اتهامات "بالتحرش باللاعبات".. صن داونز يعلن بدء التحقيق مع مدربه    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    دشنه أخنوش قبل سنة.. أكبر مرآب للسيارات في أكادير كلف 9 ملايير سنتيم لا يشتغل ومتروك للإهمال    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    "التقدم والاشتراكية": الحكومة تسعى لترسيخ التطبيع مع تضارب المصالح والفضاء الانتخابي خاضع لسلطة المال    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    تثمينا لروح اتفاق الصخيرات الذي رعته المملكة قبل تسع سنوات    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    قضايا المغرب الكبير وأفريقيا: المغرب بين البناء والتقدم.. والجزائر حبيسة سياسات عدائية عقيمة    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    دورية جزائرية تدخل الأراضي الموريتانية دون إشعار السلطات ومنقبون ينددون    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    تبييض الأموال في مشاريع عقارية جامدة يستنفر الهيئة الوطنية للمعلومات المالية    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    ترامب يهدد باستعادة السيطرة على قناة بنما على خلفية النفوذ الاقتصادي المتنامي للصين    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    الأمن في طنجة يواجه خروقات الدراجات النارية بحملات صارمة    السعودية .. ضبط 20 ألفا و159 مخالفا لأنظمة الإقامة والعمل خلال أسبوع    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    إسرائيل تتهم البابا فرنسيس ب"ازدواجية المعايير" على خلفية انتقاده ضرباتها في غزة    المغرب أتلتيك تطوان يتخذ قرارات هامة عقب سلسلة النتائج السلبية    أمسية فنية وتربوية لأبناء الأساتذة تنتصر لجدوى الموسيقى في التعليم    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    سابينتو يكشف سبب مغادرة الرجاء    الممثل القدير محمد الخلفي في ذمة الله    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025        مؤتمر "الترجمة والذكاء الاصطناعي"    كودار ينتقد تمركز القرار بيد الوزارات    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«حدث هذا في مثل هذا اليوم»


نحتفل يومه الجمعة 18 /11/11 بعيد الاستقلال.
كان المغاربة فيما مضى يحتفلون كل سنة في مثل هذا اليوم بعيد العرش. لكن في1961 توفي أبو الامة محمد الخامس فاختار خلفه الحسن الثاني أن ُيخصص يوم 18 نونبر من كل سنة للاحتفال بعيد الاستقلال بدلا من الاحتفال بعيد العرش. وسبب ذلك يعود الى كون محمد الخامس قال في 18/11/55 بعد يومين من عودته الى عرشه «إنها بشرى أزفها لك شعبي العزيز بشرى إنتهاء عهد الحجر والحماية وبزوغ عهد الاستقلال».
كان الملك بعد يومين من عودته المظفرة يخاطب الجماهير الغفيرة التي جاءت الى الرباط من مختلف مناطق المغرب للتأكد من عودته من منفاه ثم الاستماع الى خطاب العرش.
قبل ذلك بأربع سنوات أي عامين قبل التنفيذ الفعلي للمؤامرة ضد العرش كان الملك رحمه الله في مثل هذا اليوم منذ ستين عاما يشرح للمغاربة ومن خلالهم يشرحللرأي العام الدولي الصورة التي ستكون عليها بلادنا بعدما تسترجع سيادتها:
«إن أفضل حكم ينبغي أن تعيش فيه بلاد تتمتع بسيادتها وتمارس شؤنها بنفسها هو الحكم الديمقراطي».
بعد ظهر ذلك اليوم كانت جماهير غفيرة من المواطنين الذين توافدوا على الرباط من مخلتف أنحاء المغرب على موعد مع خطاب تاريخي للشهيد المهدي بنبركة.
قال رحمه الله أمام جموع غفيرة داقت بها رحاب ساحة الاوداية :
»لقد إنتهى الزمن الذي كان فيه الشعب المغربي مكونا من سادة وعبيد إذ أصبح كل المغاربة الآن سادة أنفسهم واثقين من تحرير بلادهم في عهد جديد نريد أن ندشنه تحت قيادة محمد الخامس محررنا الأول نصره الله، إننا نحتفل اليوم بعيد ملك عاد من منفاه ليتربع على عرش المستقبل، عاد حاملا الى بلاده وثيقة الوعد بالاستقلال ليقود شعبه نحو الاستقلال والعدالة«.
كانت هذه أجواء الايام المجيدة لعودة الملك الى عرشه.
لنعد الى 1951 السنة التي أبعد فيها المهدي بن بركة في أخر أيام فبراير الى تافلالت وهي السنة التي تميزت بإستفحال مرحلة سياسة تعرف في المغرب «بأزمة جوان».
«ألفونس جوان» جنرال فرنسي كان من 1947 الى صيف 1951 مقيما عاما لفرنسا بالمغرب أي المنصب الذي يحتله عادة أي سفير بلد لدى بلد أخر. لكن أوضاع المغرب في 1950 كانت إمتداد ا للوضعية التي فرضتها علينا معاهدة فاس، عقد الحماية الذي أمضاه سنة 1912 السلطان عبد الحفيظ، وهذا المساس بالسيادة المغربية كان مازال قائما في 1951 و«سفير» فرنسا بالمغرب هو المتحكم العسكري والمدني وكان متحكما كذلك في تدبير كل الشؤون المغربية.
تعيين جوان مقيما عاما للمغرب كان عقابا إستعماريا لملكنا ونقراء في مذكرات جوان:
«قررت الحكومة الفرنسية تسميتي مقيما عاما بالمغرب حيث لاحظت كيف تحولت أفكار السلطان بن يوسف الذي كنت عرفته في ما قبل رجلا متعقلا لكنه بدأ يعارض بعناد جل مشاريع الإصلاح المعروضة عليه للدراسة.
كان تعيين الجنرال جوان بالمغرب موقفا عدوانيا من حكومة راماديي ضد المغرب وعلى وجه الخصوص ضد الملك على اعتبار أن محمد بن يوسف خرج عن دائرة «الطاعة»، طاعة سلطة الحماية عندما ألقى خطابه التاريخي في أبريل 1947 بطنجة ويقول جوان: «شعر السلطان في طنجة بفرحة عارمة وهو يتلقى الهتافات الحارة التي قوبل بها وانساق في نشوة مع موجة الحماس الشعبي الذي كان بمثابة عشق روحاني. ومن لم يرى الحشود المسلمة في حالة هيجان، لا يستطيع أن يفهم كيف أن انسانا سيضع مكانته جانبا ويتخد مواقف تتعارض مع طبعه وتفكيره.
استغل السلطان وجوده في طنجة لإلقاء خطاب لا حديث فيه إلا عن المشرق العربي الذي اصبحت تتجه إليه أنظاره بصفة كلية أما عن فرنسا وما قدمت للمغرب من أعمال جليلة فلا ذكر لذلك».
عن هذه المرحلة يقول عبد الوهاب بن منصور:
«عندما احتدت »أزمة جوان« وصل الامر الى حد تجريد الحرس الملكي من السلاح وقطع علاقات الاقامة العامة مع القصر الملكي وأعدت طيارة خصوصية لنقل السلطان الى جهة مجهولة».
أنذاك أقدمت الإقامة العامة على ترويج إشاعات للزيادة في التهويل وأشرف لوكونت المكلف في الاقامة العامة بمواضيع الحرب النفسية على طبع مناشير كتبوا فيها بأن المغرب أنذاك في نهاية 1950 وبداية 1951 على أبواب حرب أهلية «لأن البربر سكان الجبال على أهبة الهجوم على المدن للفتك بسكانها العرب».
كان ذلك قبل مجيء التلفزة الى المغرب بأكثر من عشر سنوات وكانت الأخبار المصورة تتغير من أسبوع الى أسبوع يشاهدها فقط من يذهبون الى السينما .
في بداية عرض أي شريط كانت القاعات السنمائية تقدم ربورتاجات مسجلة فقط بشأن الأخبار التي تريد السلطات الإستعمارية أن يشاهدها الجمهور من باب التخدير والمغالطة والتضليل.
كان المواطنون يشاهدون هذه الأخبار المصورة فقط في السينما.
وطوال أسبوع شاهد الناس صورا لتحرك الفرسان ممن جندهم باشوات وقواد ليأتوا بخيولهم إلى العاصمة بعدما شحنوا بإشاعات خبيثة مفادها »سكان الرباط وفاس ضد السلطان«.
ويوم 25 فبراير 1951 طلبت الاقامة العامة من الملك أن يختار بين المنفى أو البقاء على العرش شريطة التوقيع على »البرتكول« وهو وثيقة تتضمن تصريحا ملكيا لاستنكار حزب الاستقلال.
المسيو »كلوزيل« المكلف في الاقامة العامة بمهمة »مستشار المخزن« جاء لهذه الغاية الى القصر الملكي مصحوبا بضباط مسلحين لممارسة المزيد من الضغط على السلطان لكي يسلم سيدي محمد بن يوسف «البرتوكول» بعد ما يكون قد وضع عليه خاتمه. لكنه رحمه الله اردف الى امضاءه عبارة تبطل مفعول الوثية من الناحية القانونية والمعنوية بأن أضاف عبارة »هذا التوقيع تم تحت الإكراه«.
انتهت الأزمة - مؤقتا - بفك الحصار المضروب على الرباط وفاس وعاد فرسان القبائل من حيث أتوا - كما يقول مؤرخ المملكة الراحل عبد الوهاب بن منصور - وهم لا يعرفون لماذا جيء بهم أولا، ثم لماذا طلب منهم الإنصراف أخيرا.
»حدث هذا في مثل هذا اليوم«كان عنوانا لأحاديث تاريخية كان الصديق العزيز محمد العربي المساري يتحفنا بها على أمواج الأثير عندما حل بالرباط في نهاية الخمسينات والتحق بصديقه الكاتب الكبير محمد برادة والاثنان كانا في فجر الاستقلال من الاعمدة الاساسية للاذاعة الوطنية واستسمح الاخ المساري كوني اقتبس منه هذا العنوان.
كان خطاب العرش في عهد الاستعمار على أمواج إذاعة »راديو ماروك« المناسبة التي يحق فيها للمغاربة أن يستعموا مباشرة ومرة واحدة في السنة، الى صوت ملكهم وكأنه يقدم تقريرا سنويا عن »القضية المغربية».
كيف عبر الملك سنة 1951 عن الضغوط التي كان يتعرض لها من طرف الاقامة العامة؟ في خطاب 18 نوفمبر 1951حكى الملك ما عاناه وقارن محنته إبان «أزمة جوان« بما تعرض له الأنبياء والصديقين »ليبلوهم أيهم أحسن عملا».
وأضاف الملك: «وكفى بسيرة الرسول عليه الصلاة والسلام برهانا ساطعا ونبراسا لامعا» وهنا وصل رحمه الله الى الحديث عن معاناة رسول الله «لقد أوذي صلي الله عليه وسلم فما وهنت عزيمته ولا ضعفت حجته ولا استكانت في الحق صرامته». لان سيدنا محمد قال في أحرج المواقف حين عرض عليه عمه المال والجاه ليتخلى عن تبليغ الدعوة:
«والله يا عم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر أو أهلك دونه. ما تركته».
محمد الخامس سيصبح »الملك الشرعي« بعدما أبعده الفرنسيون الى جزيرة كورسيكا.
أصبح «ملكا شرعيا» لان ضعفاء النفوس من المغاربة كالباشوات والقواد والشرفاء وجل خدام المخزن من الاعيان نصبتهم سلطات الحماية الفرنسية بالمغرب »ممثلين شرعيين للشعب المغربي».
هذا هو جوهر المؤامرة التي نفذها الجنرال أوغيستان كيون الذى حل محل الجنرال جوان في صيف 1951.
«الملك الشرعي» كان بعيدا عن المغرب لما حلت الذكرى الرابعة والعشرين لعيد الجلوس. وأتذكر الآن كيف كنا أطفالا وشبابا نستعد لذكرى عيد الجلوس. كنا جماعات من التلاميذ نكتب المناشير هكذا:
«أيها المغاربة الأحرار إن الايام قد كشفت لنا فيما مضى عن نيات الاستعمار الغشيم. فإن كان لنا أمل فيما مضى فإنه أمل راحل. فإين محمد الخامس؟ إنه في كورسيكا. وأين هم رجال الوطن الاحرار؟ إنهم في غياهيب السجون وأين تضحياتنا؟ إنها هي التي ستكون يوم 18 نومبر المقبل؟ يوم حزن وإضراب شامل».
عبد الجبار أخي أكبر مني أتاح لي فرصة لاكون الى جانبه في جماعة التلاميذ الذين كانوا يتدربون على تحرير المناشير مثلما لو كنا نتمرن على إنجاز موضوع في الانشاء.
وعندما عدت في اليوم الموالي الى المدرسة وبدون إخباره أخذت على عاتقي مبادرة إضافية ولهذا سرعان ما أصبحت مثل أخي أكتب المناشير.
طرحت على بعض التلاميذ أثناء الاستراحة، لماذا لا نخرج يوم عيد العرش من المدرسة في مظاهرة؟
كان مجرد سؤال ولكنه سيتحول الى استدعاء من طرف خليفة الباشا عبد الواحد غنام والمراقب المدني المسيو »موزو« والسبب هو أن واحدا ممن تحدث اليهم في ساحة المدرسة أخبر والده بذلك وكان والده مقدما.
خليفة الباشا والمراقب المدني فاجأهم أن تكون لشاب في الرابعة عشر هذه الجرأة ولهذه قالوا لي سنطلق سراحك إن أخبرتنا بمن أمرك بما قمت به والا فإن رجال البوليس سيتكلفون بالتحقيق معك.
في تلك اللحظة تمنيت بكل سداجة لو أن أحدا كان فعلا أمرني لفعل هذا الامر حتى أتخلص من هذه الحالة، حالة الخوف التي كنت عليها،
ومن يمكن أن نتلقى منهم أوامر هم الحاج عثمان جوريو ،الهاشمي بناني وعبد الكريم الفلوس رحمهم الله وكانوا مع باقي الرجال الاحرار في السجن أو المنفى،
ربما أن خليفة الباشا والمراقب تقبلا كوني أتخذت وحدي »مبادرة حرة« فأطلقا سراحي شريطة أن أحرص بنفسي وأنا في الرابعة عشر على أن لا يحدث في الرباط يوم 18 نوفمبر 1953 »ما من شأنه« أن يكون مساسا بالامن والنظام في العاصمة.
ومن حسن الحظ أو بالاحرى لسوء الحظ لم يحدث في الرباط »ما من شأنه«،
لكن المشكلة الحقيقية التى واجهتها هي أن مدير المدرسة قال لي «إن عودتك الى القسم تتوقف على أن يحضر معك والدك»، وهذا شىء عادي إلا أن المشكلة هي أنني أتوفر على أبوين الاول هو والدي المرحوم بوبكر بن عبد السلام جبرو والثاني هو من كنت أخاطبه «با» وفقط عندما بدأت أكبر أنمو وأترعرع أقتنعت بأنه أبي بالتبني واسمه محمد بن الحسين الناصري مات رحمه الله عام 1985 وله علاقة بالشيخ المكي الناصري في إطار ما يسميه الرباطيون »دارت العمومية».
في ذلك اليوم اتفق »الابوان« ليقولا : «هل نحن في مستوى المواجهة مع المخزن؟».
ولكنهما اختلفا في شأن من له الاحقية أو بالاحرى من يجب عليه أن يذهب عند مدير المدرسة وفي النهاية تحمل مشقة هذه امهمة الوالد ابو بكر جبرو الذي سيتوفى في 26 يوليوز 1965. ثلاثة شهور قبل اختطاف الشهيد المهدي بن بركة.
بعد عشر سنوات سأسمع منهما نفس الكلام : بعد تناول الغذاء يوم السبت 14 مارس 1964 خرجت من سجن لعلو في الصباح الباكر لذلك اليوم مع مجموعة من الاخوان يتقدمهم المجاهد عبد الرحمن اليوسفي ممن كانوا »ضيوفا« عند أوفقير والدليمي في دار المقرى منذ يوليوز 1963 في إطار المؤامرة التي دبرها مدير الامن أوفقير بهدف رفع مقامة في الدولة حيث سيصبح تدريجيا الرجل الثاني وأتذكر أن »الابوين« أخذاني على انفراد ليقولا لي : »واش احنا قد هذا الكلب ؟«والكلب ما هو الا أوفقير الذي بدأت أحكي للضيوف عن البعض من جرائمه لانه كان حسب ما حكى في دار المقرى واحدا من الجنود كان معتقلا معنا سبق له ان شارك في حرب الريف يقال من كنا نسميه في دار المقرى »العربي العسكري« بأن السفاح أوفقير كان يذبح المواطنيين والمتمردين وعلانية بيده في يناير 1959.
كنت في لقاء مع الزعيم الكبير »بوشعيب« واسمه الحقيقي محمد اليزيدي وتحدثت له عن »ذكرياتي « حول ما وقع في يناير 1944 أي الاحداث التى تولد عنها اعتقاله هو والحاج احمد بلافريج فسألني كم كان عمرك ؟
ولما أجبته خمس سنوات قال أعرف كثيرا من الشباب المغاربة كانوا بمثابة الفاكهة التي يتم جنيها من الشجرة قبل أوان نضجها ولكن لم أكن أتصور أن الامر يصل الى هذا الحد.
أستسمح القراء إن كنت أطلت في إثارة هذا الجانب الشخصي من ذكرياتي وأعود الى الموضوع أي الحالة التي كانت عليها مدينة الرباط يوم 18 نوفمبر 1953 فى الذكرى السادسة والعشرين لعيد الجلوس ذكرى تربع الملك «الشرعي» على العرش.
ولأعود الى حالة الخوف التي كان عليها المغاربة وأقول أن يكون الاستجابة لنداء تنا نحن الشباب والاطفال لم تتعد كون العديد من العائلات »أضربت« عن الطعام فتحول عيد العرش الى عيد للصيام.
الاستعماريون خلعوا الملك الوطني ليحل محله واحد من العائلة الملكية اسمه محمد بن عرفة العلوي وأبوه كان أخا للسلطان العظيم الحسن الأول.
كان بن عرفة نكرة وسيطلب ليلة 16 غشت 1955 كما أخبرني بذلك الاستاذ محمد الشرقاوي، سيطلب بن عرفة من المقيم العام بأن يمنحه مبلغ ثلاثين مليون برسم» مغادرة طوعية «وأتوفر على نسخة لمجلة» باري ماتش« نشرت ما أعتبرته انذاك »استجوابا« أجرئه المجلة مع »ابن عرفة« أو الملك المزور انجزه جنرال فرنسي متقاعد مع أن الكل يعلم أن بن عرفة مجرد إنسان جاهل وأمي.
هذا ما سيعتبره رؤساء حكومات فرنسا »ورطة« أوفخا سقطت فيه باريس لان وزير الخارجية جورج بيدو تحمل مسوولية الفعلة أو »الورطة« التي ارتكبها في المغرب الجنرال غيوم.
في صيف 1953 كانت إذن المؤامرة ضد العرش لان الملك فضل أن »يهلك« على أن يقبل إغراءات استمرار الجلوس المريح على العرش كأن يكون ملكا بدون مشاكل ولا صداع الرأس وهذا ما قارنه رحمه الله في مثل هذا اليوم منذ ستين عاما بالحالة التي كان عليها الرسول لما عرض عليه عمه التراجع عن تبليغ رسالة الله الى عباده .
بعد إقدام الجنرال غيوم على إبعاد الملك عن عرشه استمع المغاربة الى نداء القاهرة. قال علال الفاسي من إذاعة صوت العرب : لقد »قضى الامر« وخلعت فرنسا ملكنا المحبوب وبذلك لم يبق على الشعب المغربي إلا أن يعرف كيف يرفع التحدي.
هكذا اندلعت حركة كان لابد أن يقوم بها »رجال احرار« أي أبطال المقاومة وكانت الخلية الاولى هي مجموعة من تلاميذ مدارس محمد الخامس بالرباط مباشرة بعد العملية البطولية للشهيد علال بن عبد الله يوم الجمعة 11 شتنبر 1953.
وسرعان ما اصبحت مدينة البيضاء عاصمة للمقاومة الى جانب ضفتها الاساسية أي العاصمة الاقتصادية.
كان شباب الخلية الاولى في الرباط لا تقل أعمارهم عن العشرين أما من تجاوزوا »سن الرشد« فقد حكم عليهم بالاعدام.
في غشت 1956 بعد سنة من عودة الملك الى عرشه، كان محمد الخامس في الوليدية الاقامة الملكية الصيفية المتواضعة. وهناك استقبل الاستاذ عبد الرحمن اليوسفي باسم قيادة المقاومة وجرى الحديث عن ظروف الاستعداد للاحتفال بالذكرى الثالثة لحدث 20 غشت وقبل الملك رحمه الله بحماس اقتراح اليوسفي بأن يكون الاحتفال تحت شعار «ثورة الملك والشعب».
لقاء الوليدية جرى في اجواء ودية لاستعراض بداية المؤامرة في فبراير 1951 يوم ادرك المقيم العام الجنرال جوان أن باريس لا تساير مشروعه بنفي الملك على اعتبار أنها عملية سياسية خطيرة وسابقة لاوانها.
لماذا كان جوان يحرص على إبعاد الملك ؟
بكل بساطة لان الملك ظل يرفض التوقيع على ظهائر أعدتها الاقامة واعتبر الملك الوطني أن فيها مساس بالسيادة الوطنية.
الجنرال جوان أقدم في متم ذلك الشهر على اعتقال ثلاثة زعماء وطنيين وهم الفقيه غازي، عبد الكريم بن جلون والمهدي بن بركة رحمهم الله.
وسرعان ما أطلقوا سراحهم محتفظين بالمهدي لان الجنرال جوان قرر أن يبعده الى تافيلات وهناك سيظل غائبا -جسديا- عن الساحة النضالية الى شهر اكتوبر 1954 ولتفسير قرار الابعلد صرح المقيم العام الجنرال جوان بأن السي »المهدي أخطر اعداء فرنسا بالمغرب«.
قبل مائة يوم من اعتقاله كان المهدي بجانب الملك لما كان يلقي خطاب العرش لعام 1950 مما يعطي فكرة عن الدور الحاسم الذي اضطلع به الشهيد رحمه الله إبان »أزمة جوان«.
في خطاب العرش لعام 1951 كان السي المهدي في »قصر السوق« الراشيدية حاليا . ويكون خطاب 18 نوفمبر 1951 مناسبة تحدث فيها الملك عن كيفية رعايته لما كان يعرف ب »القضية المغربية« قضية المواجهة مع السلطات الاستعمارية. وهي رعاية قال عنها الملك بأن »النجاح في هذه المساعي هو التباث على المبدأ والمتابرة والصبر.
وبخصوص الاصلاحات التي كان رحمه الله يطرحها على الفرنسيين كانت له رحمه الله فكرة نيرة تقول بان »نظام الحماية شبيه بقميص لبسه طفل صغير في صباه ومع توالي الزمن نما الطفل وترعرع بينما ظل القميص على حاله«.
وفعلا كان الاستعماريون الفرنسيون يتعاملون مع المغاربة في منتصف القرن الماضي كما لو كانوا على الحالة التى كانوا عليها في مطلع القرن العشرين .
وهذا في الواقع اعتراف أو بكل موضوعية ادعاء من طرف الاستعماريين بكون فرنسا لم تعمل على تطوير المغاربة.
كان الملك يتعامل مع عناد الاستعماريين بما كان يتحلى به من صبر مما جعله يقول في مثل هذا اليوم منذ ستين سنة : »بدون كد وبدون« اجتهاد لا يرجى صلاح ولا ينال فور ولا فلاح«.
لهذا يكون الملك قذوة حسنة لافراد شعبه وللمناضلين على الخصوص ممن تعلموا في عهد الحماية أو على امتداد المراحل السياسية لعهد الاستقلال وخاصة في سنوات الرصاص كيف يرفعون الرأس كلما كان عليهم إما أن يقبلوا الاغراءات أو يتعرضوا للاهانة والمضاقيات وهذه مراحل نضالية لابناء الشعب المغربي الشرفاء.
لقد كان خطاب العرش لحظة نضالية وكان بمثابة تقرير سنوي يقدمه الملك للشعب وهذا ما استحضرته مؤخرا مع الصديق حسن أوريد الذي تفضل مشكورا بزيارتي في منزلي ليطمئن على حالتي الصحية.
في خطاب العرش لعام 1951 تحدث الملك عن حصيلة عام سياسي بالمغرب فقال:
«قمنا خلال العام الماضي برحلة للديار الفرنسية كان المقصود الاكيد منها هو عرض القضية المغربية على رجال الحكومة الفرنسية والسعي معهم للوصول الى حل يرضي رغبتنا وطموحات شعبنا.
ونأمل أن تجرى مفاوضات في هذا الشأن ومازلنا ننتظر لحد الآن وإن النجاح منوط بمتابرة لا يعوقها كلل وصبر لايشوبه ملل«.
كان الملك وعمره أثنين وأربعين عاما على درجة كبيرة من الوعي السياسي والنضج ليتحدث عن أزمة خطيرة بما عرف عنه من هدوء ورزانة وتبصر كما يقول عنه الفقيد العزيز عبد الرحيم بوعبيد.
ولإقناع الرأي العام الفرنسي بأحقية المطالب المغربية بخصوص استراجاع السيادة أطلق محمد الخامس رحمه الله في مثل هذا اليوم صرخة مدوية :
«إن أفضل نظام حكم يجب أن تعيش في ظله بلاد تتمتع بسيادتها وتمارس شؤونها بنفسها، هو الحكم اديمقراطي»
ولا بد من الاشارة الى حدث كان يتلج صدر المغاربة في تلك المرحلة، حدث يتعلق بالامير مولاي الحسن الذي كان الاستعماريون لا يقبلون من جريدة العلم أيام »حدفته الرقابة« أن تنعت الامير بولي العهد وهذا ما كان الوطنييون يصرون على تأكيده من باب العناد.
عن الامير مولاي الحسن قال أبو الامة في خطاب العرش وهو يتكلم عن »حدث ادخل سرورا عظيما علينا وعلى افراد شعبنا الوفي الا وهو نجاح ولي عهدنا بالحصول على إجازة فرنسية في الحقوق.
وسيعمل أصلحه الله بوصيتنا وهي لا نهاية للفصيلة ولا حد للكمال ولا توقف للحصول على العلم والمعرفة».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.