تزامنا مع الذكرى الأولى لإنشاء مؤسسة «دوتشي» التابعة للمركز الدولي للحوار بين الثقافات «قصر النجوم» بفاس، أحيت جمعية بابل للثقافة والفن من خلال مجموعة رقص هنغارية سهرة فنية بإبداع مبتكر، بحيث رسمت فوق الماء بلغة الجسد لوحة فنية كتعبير رمزي دقيق يخضع إلى الإيقاع ويتبع بهارمونيا رقيقة بين نبل الخطوات وسمو الموسيقى، وبين انفصال الحساب الإيقاعي واتصال الهندسة الكوريغرافية، جعلت الحضور المغربي والأجنبي المتنوع يعيش أحلى اللحظات، وهي تستخدم الإشارة والرقص دلالة عن الحديث بالأسلوب الجمالي، حين عجز اللسان عن التعبير عما يجيش في الصدر، بدأت الأجساد تنطق لتعبر عما تريده، فأسكتت أساليب التعبير الأخرى، وانطلقت الأجساد حرة للرقص الإيقاعي، لتعبر عن رؤية العالم الداخلي للراقص، بكل تفصيلاته وانفعالاته، ورغباته، وهواجسه، وعلاقاته بالآخر الفرد والمجتمع، وما تريده الأجساد أن تفعله وتعبر عنه في أداء مختلف الحالات الشعورية والفكرية والنفسية كالفرح والغضب والخوف والترقب، بصيغ ودلالات متعددة، وتحول الجسد إلى مادة ثقافية لإنتاج صيغ حضارية جديدة، تتماشى مع الصيغ الحضارية الأخرى ضمن مفهوم المثاقفة. وقد أسدل الستار على فعاليات الدورة الخامسة لمهرجان الرقص التعبيري، التي تم تنظيمها بمركب الحرية خلال الفترة الممتدة ما بين 18 و22 أكتوبر2011، التي يهدف من خلالها مهتمو فن الكوريغرافيا بفاس، إلى أنشاء ذاكرة كوريغرافية وبنك معلومات خاصا بالرقصات المغربية، لتجميع كل الرقصات الحية والمهددة بالاندثار، وتوثيقها بالصورة المتحركة والثابتة، وأرشفة البحوث التي أنجزت حولها، وتيسير السبيل لكل الباحثين في هذا المجال، من المغاربة والأجانب، وحماية التراث الكوريغرافي المغربي من التبدد والانقراض، باعتباره بلد «الألف رقصة ورقصة». وقدمت فرق مختصة من فرنساوبلجيكا وهنغاريا وفنلندا والجزائر والمغرب، عروضا متميزة همت «مجرى حياة، مسار نساء» تقدمه فرقة «تيما دانس» الفرنسية، فيما يقدم محترف «كامي دانس» من المغرب، عرض «أميرة الماء»، على أن تؤدي مجموعة من الفنانين الشباب من المغرب والجزائر، عرضا بعنوان «مقاومات»، كما تقدم فرقة استوديو الرقص الحديث الهنغارية، عرض «صور» موازاة مع تنظيم محترفات للرقص يوميا بمركب الحرية ومعارض فنية تشكيلية وفوتوغرافية. وقد استمتع الجمهور الفاسي بعروض مشوقة لمحترفات للرقص، أبرزت قدرات الدول المشاركة في هذا اللون الفني، حيث شكلت «نزهات شرقية»، عنوان العرض الذي قدمته فرقة «رقص الروح» المشكلة من فنانين من بلجيكا وفنلندا والجزائر. وحسب الورقة التقديمية لهذه الندوة، أن هذا المهرجان الذي أنشأ سنة 2007، بهدف إتاحة الفرصة لهواة الرقص والمهتمين وعامة الناس كي يستمتعوا بأجمل الفرجات الكوريغرافية المحلية والعالمية، يشكل فضاء للتلاقي والتلاقح وتبادل المعارف والخبرات بين الفنانين الكوريغرافيين المغاربة والأجانب، وهو فرصة أيضا مواتية للتفكير في الوسائل الكفيلة بتطوير الرقصات التقليدية والتراثية والرقي بها من مستوى العفوية إلى مرتبة التعبير بالحركات والإشارات عن مكنونات الجسد بلغة كوريغرافية خاصة. ويضيف المتخصصون أن الجسد يجسد الفعل الدرامي حق تجسيد، لا فقط من خلال التقنية كالحركة والتنفس والتركيز وإنما أيضا من خلال الفكرة والمعنى.