نستكمل اليوم الدراسة والتصويت على الترسانة القانونية التي ستؤطر مسلسلا انتخابيا يعتبر مفصليا في تفعيل مقتضيات دستور يوليوز 2011 . فبعد اللوائح الانتخابية والقوانين التنظيمية لمجلسي البرلمان والأحزاب السياسية، نناقش اليوم مشروع القانون المتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية المحلية والإقليمية والجهوية. ونود في هذه المناسبة، أن ندلي بجملة من الملاحظات بشأن ممارسة الانتداب في الشأن المحلي والإقليمي والجهوي. الملاحظة الأولى: إن التجربة المغربية في مجال الديموقراطية المحلية وتدبير الشأن الجماعي، منذ انطلاق المسلسل الديموقراطي في 1976 راكمت الكثير، حيث يسرت مشاركة القوى السياسية الحية في تدبير الشأن المحلي كما ساهمت في إطلاق العديد من الديناميات الإنمائية في المدن الكبرى والمتوسطة على الخصوص، وفي إشاعة ثقافة اللامركزية. وقد كانت هذه التجربة واعدة في بدايتها خاصة في فرز نخب محلية كفأة وذات مصداقية. الملاحظة الثانية: وهي نقيض السابقة، أو على الأقل مفارقة لها وتتمثل في تراجع دور الوساطة المؤسساتية، الذي من المفترض أن تقوم به الجماعات الترابية سياسيا وعلى مستوى ثقافة التدبير الرشيد والمشاركة والحكامة الجيدة. ومرد ذلك في نظرنا إلى اعتبارين: * يتمثل الأول في «انسحاب» النخب من المشاركة في تدبير الشأن العام إما بناء على قناعات أو لأنها لم تجد نفسها وسط هذا الصنف الجديد من المنتخبين المحليين. * ويتمثل الثاني في إغراق السياسة والمجال العمومي في الفساد وإسناد شأن تدبيره إلى غير المؤهلين ، مما جعل ذوي القناعات والكفاءات ينفرون من تدبير الشأن العام. الملاحظة الثالثة: تتمثل في أننا في ظل الدستور الجديد وفي أفق الجهوية الموسعة بما تجسده من تعميق للممارسة الديموقراطية وإصلاح لهياكل وبنيات الدولة، يتعين أن تكون الجماعات الترابية إطارات حقيقية للوساطة المؤسساتية والتعبئة والتحفيز على المشاركة، ذلك أن الامتداد المجالي للدولة وقوتها، سيكون رهينا في نجاعته، بنجاعة هذه المؤسسات. ويترتب على ذلك ضرورة مشاركة نخب كفأة، متعددة ومتنوعة التكوين ونزيهة، وهذا يقتضي: 1- انتخابات نزيهة وشفافة؛ 2 - إبعاد كل المتورطين في العبث بالمال العام والاختلالات التدبيرية التي شابت تسيير الجماعات الترابية؛ 3 - على الأحزاب أن ترشح الكفاءات والخبرات المحلية والإقليمية والجهوية النزيهة القادرة على قيادة وتوطين المشاريع الإنمائية والسهر على سياسات تعميرية تحترم المستقبل وتحترم البيئة والنمط المعماري إلخ... إن العرض الحزبي مطالب مرة أخرى بالتحسن ، ذلك أن الجماعات الترابية كمختبر لصقل النخب وتدريبها، يجب أن تقدم النموذج في المواطنة للمواطنين والناخبين في النزاهة والكفاءة. الملاحظة الرابعة: الجماعات الترابية مطالبة بأن تكون في صدارة من يضطلع بمهمة تدبير المرفق العمومي في مجالات الخدمات الاجتماعية: النقل والتجهيزات الأساسية الجماعية وخدمات القرب والبنية التحتية، وأن تكون محركا للتنمية وحاضنة للمشاريع الإنمائية خاصة في المناطق النائية، مما يعني ضرورة رصد الاعتمادات الضرورية للجماعات الكائنة في هذه المناطق. ويوفر الميثاق الجماعي ، في هذا الصدد، العديد من الإمكانيات: خلق الوكالات والشركات المحلية والدخول في شراكات مع القطاعين العمومي والخاص والاستفادة من الدعم الدولي من أجل التنمية إلخ... الملاحظة الخامسة: ضرورة إعمال مبادئ المحاسبة التي ينص عليها الدستور الجديد، وعدم الإفلات من العقاب في حق كل من ثبت تورطه في اختلاس أموال عمومية أو من أساء تدبير الشأن المحلي أو وظفه لأغراض حزبية، أو أخل بالتعمير، هذه المعضلة التي يتحمل العديد من رؤساء الجماعات المسؤولية في نتائجها التي نعاني منها اليوم وسنعاني منها غدا أكثر، حيث إننا أمام مدن معاقة تعميريا وإنمائيا وجماعات مشلولة إنمائيا. إن المآزق التي توجد عليها العديد من مجالس المدن اليوم، والاختلالات التدبيرية وعرقلة مشاريع التنمية المحلية، راجعة بالأساس إلى غياب المحاسبة والعقاب. ويتطلب ذلك تعزيز سلطات الرقابة والتفتيش المالي والتدبيري. وفي هذا الصدد نثمن الدور الذي يقوم به المجلس الأعلى والمجالس الجهوية للحسابات التي نجدد مطالبتنا بتفعيل نتائج أعمالها وإحالة ما يتعين أن يحال منها على العدالة لتقول كلمتها فيها. كما نثمن عمليات التفتيش التي تقوم بها وزارة الداخلية لضمان السير العادي للمجالس ولتدبير ميزانياتها في إطار الحكامة الجيدة والشفافية التي نص عليها الدستور. الملاحظة السادسة: وتتمثل في ضرورة تعميق استقلالية تدبير الجماعات الترابية على أرض الواقع من الانتخاب إلى تشكيل المكاتب والأغلبيات المنسجمة المسيرة إلى توطين المشاريع، على أن تواكب ذلك الرقابة وعلى أن تليه المحاسبة والتقييم. ويتعين في هذا الصدد أن تتوفر الجماعات الترابية على مخططات شاملة للتنمية والتعمير وإعداد التراب توضع على أساس دراسات وتأخذ بعين الاعتبار تراتبية الحاجيات ومستقبل النمو الديموغرافي والتطور العمراني. الملاحظة السابعة : وتتعلق بمسألة النوع الاجتماعي واستحضاره في الشأن المحلي، ترشيحا وانتخابا وفي المشاريع وفي الأنشطة الثقافية والتربوية، ذلك انه إذا كان المشرع قد يسر حضور نسبة معينة من النساء في الجماعات المحلية فإن ذلك يجب أن يمتد إلى تولي مسؤوليات التدبير بما فيها الرئاسة. وقبل ذلك فإن الأحزاب مطالبة بترشيح النساء إلى المجالس الجماعية وفي مراكز متقدمة بالنسبة للجماعات التي يجري الانتخاب فيها باللوائح إلى جانب اللوائح الإضافية. لأن من شأن ذلك أن يرفع من نسبة مشاركة المرأة في تدبير الشأن العام وتحرير طاقات كبرى كامنة في المجتمع، ويعطي صورة أخرى عن المغرب الذي اختار المناصفة كمبدأ دستوري ثابت . وبهذا يتعين استحضار مسألة النوع في وضع المشاريع وفي الأنشطة التي سترعاها الجماعات الترابية. الملاحظة الثامنة: وتتمثل في ضرورة إشراك المجتمع المدني في إعداد ووضع المشاريع، وأخذ رأيه ، على سبيل الإستشارة ، في تصورها والتخطيط لها. وفي المقابل ينبغي للجماعات دعم المنظمات المدنية المحلية وفق معايير شفافة وديمقراطية وعلى أساس الحضور والمبادرة والاقتراح إلخ. ولا أعتقد أن في الأمر حرجا إذا نحن كرسنا تقليد أن نجعل من المجتمع المدني شريكا مسائلا ومراقبا على عمل الجماعات الترابية، إذ أن من شأن ذلك تطوير عمل هذه الأخيرة والرقي بها في إطار تشاركي. هذه بعض الملاحظات التي رأينا من المهم بسطها في سياق مناقشة هذا القانون، علما بأن الرهان سيظل هو انتخاب مجالس تحظى بالثقة وبالمصداقية ودور المحرك للتنمية المحلية. وفي المجمل فقد تعاملنا إيجابا مع هذا المشروع لكونه يجيب عن تساؤلات المرحلة السياسية الراهنة ويجيب عن حاجيات المواطن والناخب المغربي وما آمن و نؤمن به كحزب اشتراكي ديمقراطي، وما استحضره الدستور المتقدم الذي عزز دور الجماعات الترابية وأعطاها المكانة التي تستحقها في إطار هذا القانون التنظيمي تدعيما للامركزية وعدم التمركز والتنمية وإصلاح بنيوي لهياكل الدولة.