ربما كان الحل المفضل للولايات المتحدة في مواجهة أي حشد فلسطيني للمجتمع الدولي لصالح قضاياه هو استخدام حق النقض «الفيتو» في مجلس الأمن الدولي، غير أن استخدام أمريكا هذا الحق الآن تحديداً ليس ككل المرات السابقة. الولاياتالمتحدة التي لا تخفي تأييدها لثورات الربيع العربي، بل وتنسب إلى نفسها الفضل في إنجاح عدد منها، تجد نفسها الخاسر الأكبر وربما الوحيد من استخدام حق النقض «الفيتو» ضد طلب فلسطين نيل العضوية الكاملة في الأممالمتحدة. ويقول محللون أمريكيون: إن استخدام «الفيتو» من شأنه أن يخسر الولاياتالمتحدة الكثيرين في العالم العربي الذين ما زالوا يرون بالقضية الفلسطينية قضيتهم الأولى على الرغم من انشغالهم بقضاياهم الداخلية. وإلى ذلك، فإن التقديرات هي أن الولاياتالمتحدة ستعمل على جعل هذا الحق هو خيارها الأخير ولن تستخدمه إلا مضطرة، وستسعى بدلاً من ذلك إلى تجاوز هذه «الورطة» بخلق وضع في مجلس الأمن الدولي يمكنها من إحباط القرار الفلسطيني دون استخدامها «الفيتو». وثمة طريقان قد تلجأ إليهما الولاياتالمتحدة لتحقيق ذلك، الأول وهو تأجيل التصويت على الطلب الفلسطيني لأطول فترة ممكنة، أما الثاني، وهو ما شرعت به الولاياتالمتحدة فعلاً، فهو حرمان الفلسطينيين من ميزة التأييد الدولي الواسع في مجلس الأمن نفسه. وفي هذا الصدد، فقد بدت ملاحظات قيام وزيرة الخارجية الأمريكية باستقبال ممثلي الغابون ونيجيريا على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة علماً أن صوتي هاتين الدولتين ملح لضمان حصول فلسطين على التأييد المطلوب في مجلس الأمن. فطبقاً للقواعد الداخلية في الأممالمتحدة، فإن تمرير أي طلب عضوية في مجلس الأمن يتطلب الحصول على أصوات 9 دول مؤيدة في مجلس الأمن وعدم استخدام أي من الدول دائمة العضوية في المجلس حق النقض «الفيتو» توطئة لنقله إلى الجمعية العامة للمصادقة عليه في حال حصوله على ثلثي أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة. ويقول مسؤولون فلسطينيون: إن ثمة 7 أصوات مضمونة بشكل واضح في مجلس الأمن وإن العمل جار لرفع هذا العدد ليس فقط إلى 9 دول وإنما إلى 11 دولة وإنهم على ثقة من أن الطلب سيمرر، علماً أن الولاياتالمتحدة تمارس الضغوط على هذه الدول لحثها على عدم التصويت. ومع ذلك، فإن أسماء دول الغابون ونيجيريا والبوسنة من الأسماء الأكثر تردداً بين المسؤولين الفلسطينيين للحاجة إليهم لتمرير الطلب الفلسطيني. ولا يستبعد مسؤولون آخرون إمكانية تصويت فرنسا وبريطانيا لصالح الطلب الفلسطيني في حال اتضح أن إسرائيل تضع العراقيل أمام المبادرة الفرنسية التي أعلن عنها الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة علماً أنها المبادرة الفرنسية الثالثة في غضون عام، حيث رفضت إسرائيل المبادرتين السابقتين. ويتضح من نقاش الخبراء الأمريكيين في محطات التلفزة الأمريكية أن الولاياتالمتحدة قلقة ولا تتمنى أن تستخدم حق النقض الفيتو. وكان الطلب الفلسطيني في الأممالمتحدة تحول إلى واحدة من قضايا الانتخابات الأمريكية، عندما هاجم قادة من الحزب الجمهوري الأمريكي الرئيس باراك أوباما لما قالوا إنه «مرونته مع الفلسطينيين» معتبرين أن «أوباما ألقى بإسرائيل أسفل الحافلة». ولكن خطاب أوباما أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة والذي دافع فيه عن إسرائيل وتجاهل معاناة الشعب الفلسطيني اضطر مسؤولين إسرائيليين ومن بينهم نائب وزير الخارجية الإسرائيلي داني أيالون للدفاع، مضطراً ومكرهاً، عن أوباما في وسائل الإعلام الإسرائيلية. وعكست هذه التطورات نفسها على اجتماع الرئيس عباس مع الرئيس أوباما ، الذي جاء بناء على طلب من الأخير، حيث وصف نبيل أبو ردينة، الناطق باسم الرئاسة، اللقاء بأنه صريح. وقال: «استعرض الرئيس أبو مازن موقفه من موضوع الذهاب إلى مجلس الأمن وكذلك من بيان اللجنة الرباعية وموقفنا منه حيث لم يلب الشروط المطلوبة، كما تم استعراض الجهود المبذولة من المجتمع الدولي». وأضاف: «أكد الرئيس الأمريكي التزامه بحل الدولتين وقيام دولة فلسطينية وأكد معارضته الذهاب إلى الأممالمتحدة وضرورة العودة إلى المفاوضات المباشرة». ويبدو واضحاً أن القيادة الفلسطينية ليست معنية بمواجهة تصل حد القطيعة مع الولاياتالمتحدة، فصحيح أن الإدارة الأمريكية عارضت وتعمل على إحباط التوجه الفلسطيني إلى الأممالمتحدة، إلا أن الجانب الفلسطيني وعلى الرغم من استيائه من خطاب الرئيس الأمريكي أمام الجمعية العامة فإنه لم يسارع إلى انتقاده علناً مكتفياً بالتأكيد أنه لم يأت على ذكر إنهاء الاحتلال ومعاناة الشعب الفلسطيني. من جهة ثانية، وبعد دعوات واسعة في الكونغرس الأمريكي لقطع المساعدات عن الفلسطينيين في حال التوجه إلى الأممالمتحدة، يبدو أن الولاياتالمتحدة تحسب خياراتها بدقة دون مؤشرات أكيدة على اللجوء إلى قطع المساعدات. ويتضح من نقاشات الخبراء الأمريكيين أن الولاياتالمتحدة تدرك أن قطع المساعدات عن الفلسطينيين سيعني الإضرار بالأمن الفلسطيني في حين ليس بإمكان الولاياتالمتحدة قطع المساعدات مثلاً عن مشاريع البنى التحتية وأن تبقيها لقطاعات أخرى، ولذلك فإن تحليلات الخبراء الأمريكيين تشير إلى أن قطع المساعدات سيكون صعباً. إن تطورات الأيام الأخيرة تشير إلى أن الولاياتالمتحدة في أزمة، في حين أن إسرائيل في الأممالمتحدة في ورطة، أما التأييد فهو موجه إلى الفلسطينيين حيث الأممالمتحدة هي الساحة المفضلة.