كلما تطرقنا لملف خادمات البيوت إلا وانحصر النقاش ومحور البحث في الجانب الحقوقي المتعلق باستغلال الطفولة وحرمان الفتاة من التعليم. هذا مع العلم أن الجانب الاقتصادي للملف يمثل محورا أساسيا نتيجة مساهمة هذه الفئة من المجتمع في الناتج الداخلي الخام للبلاد رغم تهميشها أو نسيانها في التصنيف الاقتصادي النظري المنحصر في «الدولة المقاولة الأجراء». بتشخيصنا للواقع اليومي لمعظم العائلات المغربية، نفاجأ أن نسبة كبيرة منها معتمدة في الحصول على قوتها اليومي على أطفالها ولو أنهم لم يصلوا السن القانوني للتشغيل (16 سنة) وأكثرهم فتيات يشتغلن في البيوت كخادمات بأسعار تتفاوت حسب السن ونوعية العمل. فمن الجانب الاقتصادي، فإن هؤلاء الفتيات يساهمن بشكل فعلي ومباشر في الناتج الداخلي الخام للبلاد وفي التنمية الاقتصادية والاجتماعية؛ وذلك نتيجة إنتاجهن ومردوديتهن في فائض القيمة التي يمكن أن نصنفها فيما يلي: القيام بأشغال البيت الذي تشتغل فيه الخادمة حيث أن معظم رباته «الزوجات» يشتغلن خارج البيت كأجيرات أو في مهن حرة. حصولهن على أجر ولو أنه غير مقنن وغير خاضع للشروط القانونية، إذ في غالب الأحيان يكون أقل من الحد الأدنى للأجور (SMIG). أجر تساهم به خادمات البيوت في التحملات العائلية من مصاريف الاستهلاك اليومي، التطبيب واللباس? بعبارة أخرى يساهمن في الحركة الاقتصادية وفي دورة الكتلة النقدية التي تساهم في نمو الإنتاج وخلق مناصب شغل جديدة. رغم هذا التشخيص الذي يوضح مدى مساهمة خادمات البيوت في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، فإن النظريات الاقتصادية لم تعمل على تصنيفهن كفاعلات اقتصاديات، مما يخلق نوعا من التهميش والتقصير في حقهن بالموازاة مع استغلالهن وعدم منحهن حقوقهن المنصوص عليها في مدونة الشغل، كانخراطهن في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، حقهن في التطبيب وضمان مستقبلهن بعد سن التقاعد القانوني. هذا التهميش جعلنا نطرح عدة تساؤلات عن تقنين وهيكلة مهنة خادمات البيوت ما دامت تعتبر فئة مهمة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد. هذا مع العلم أن هذه المهنة غير المقننة يتحكم فيها سماسرة بدون أي حق ولا سند قانوني فعوض أن نترك هذه الفئة من المجتمع التي تعمل كأيادي عاملة غير معترف بها، يتحكم فيها السماسرة الذين يشتغلون كوسطاء يتقاضون عمولة تتراوح ما بين 50 درهما و200 درهم مستغلين حاجة ربات البيوت الموظفات والظروف الاجتماعية المزرية لفتيات لا حول ولا قوة لها إلا الاشتغال كخادمات في البيوت، لا بد أن يفكر كل المهتمين بهذا الملف من حقوقيين وجمعيات نسائية وفاعلين اقتصاديين في إيجاد حل جذري لتقنين وهيكلة مهنة «خادمات البيوت»؛ وذلك عن طريق إحداث وكالات قانونية تعمل كوسيط، وتحديد أسعار معقولة كأجر للخادمات يضمن مستقبلهن وحقوقهن الاقتصادية والإنسانية. هذا الطرح يجعلنا نستأنس بما هو معمول به في الدول الأوربية حيث القانون يمنح لخادمات البيوت كل حقوقهن القانونية من ضمان اجتماعي، تطبيب عطلة أسبوعية وسنوية ثم تقاعد. وذلك إيمانا من هذه الدول بمدى مساهمة الخادمات البيوت في النمو الاقتصادي والاجتماعي وفي خلق ثروة البلاد.