ضيقت قوات المعارضة الليبية الخناق على سرت، مسقط رأس العقيد معمر القذافي ، وتعهدت بالسيطرة عليها بالقوة في حالة فشل المفاوضات. واستبعد الزعماء أية محادثات مع الزعيم المخلوع إلا إذا كان التفاوض على شروط استسلامه. وتقدمت قوات المعارضة نحو سرت التي تقع بين شرق الطريق الساحلي وغربه، لكن قائدا للمقاتلين قال إن تحرير المدينة سيستغرق أكثر من عشرة أيام. وساد الهدوء شوارع طرابلس بعد نيران متقطعة الليلة قبل الماضية وانفجارات في العاصمة التي سادت بها مشاعر الصدمة نتيجة القتل خارج نطاق القضاء الذي حدث خلال معارك الاسبوع الماضي لإخراج القذافي. لكن بعض السكان قرروا الخروج بحثا عن الامدادات الشحيحة للماء والغذاء والوقود. وفي ساحة الشهداء التي كانت تعرف باسم الساحة الخضراء، إبان عهد القذافي ظهرت شرطة المرور مرة أخرى لتوجيه السيارات وسط بحر من أظرف الطلقات الفارغة. وقال الشرطي محمود المجبري (49 عاما« )» عدت للعمل يوم الجمعة. بدأت الحياة تعود لطبيعتها». » وعندما سئل عما اذا كان مقاتلو المعارضة يلتزمون بقواعد المرور أجاب «ليس بعد.. نصل لهذه النتيجة ببطء. نحن موجودون هناك أساسا لنطمئن الناس أنهم في أمان.» وقال أحمد باني المتحدث باسم المعارضة الليبية المسلحة في مؤتمر صحفي ان المعارضة الليبية تسيطر على طريق بين طرابلس وسبها، وهي معقل دعم للقذافي في الصحراء الجنوبية. وتعتزم المعارضة التقدم صوب سبها بعد السيطرة على بلدة سرت الساحلية مسقط رأس القذافي، حيث يحاول المعارضون الآن التفاوض مع أنصار القذافي على الاستسلام. وقال باني إنه في حالة رفضهم، فإن المعارضة ستسيطر على سرت بالقوة ولكنه لم يحدد إطارا زمنيا للمفاوضات. وربما يظل الليبيون خائفين ما دام الرجل الذي ظل يحكمهم لأكثر من 40 عاما هاربا. وتجنب القذافي 69 عاما حتى الان الاعتقال، وربما كان يهدف الى قيادة تمرد ضد معارضيه الذين ينضوون تحت لواء المجلس الوطني الانتقالي. وقال علي الترهوني المسؤول عن الشؤون النفطية والمالية في المجلس الوطني الانتقالي إنه لا تجري مفاوضات مع القذافي، مضيفا أنه اذا أراد أن يستسلم، فستتفاوض معه المعارضة وستعتقله. وكانت وكالة أسوشييتد برس ذكرت في وقت سابق أن موسى ابراهيم المتحدث باسم القذافي صرح بأن القذافي عرض التفاوض من أجل تشكيل حكومة انتقالية مع المعارضة، وأشار الى أن القذافي ما زال في ليبيا. ويقول المجلس الوطني الانتقالي إن الحرب ستستمر حتى يقتل القذافي أو يعتقل ويصر على ضرورة محاكمته هو وابنه سيف الاسلام ورئيس المخابرات في ليبيا، وهم مطلوب القبض عليهم من المحكمة الجنائية الدولية لارتكابهم جرائم ضد الانسانية. وتقع سرت على بعد450 كيلومترا الى الشرق من طرابلس، وهي غنيمة قيمة لقوات المعارضة التي تهاجم المدينة من الشرق والغرب. وهم يقولون إنهم يفضلون استسلامها عبر التفاوض لكنهم سيخوضون معركة إذا اقتضى الامر. وقال العقيد سالم مفتاح الرفادي أحد قادة المعارضة لرويترز خلال زيارة لمدينة بنغازي في شرق البلاد« «احنا مش هدفنا دماء. احنا هدفنا تحرير». » وأضاف « «لا نريد مزيدا من الدماء». وذكر ان قوات المعارضة على بعد100 كيلومتر من سرت من الشرق وانها تقترب من مصراتة الى الغرب. وتابع ««ليس هناك فرصة للعودة.. ليس هناك فرصة للرجوع... مش ممكن بعد هذه الدماء نقول «خلاص تعالى يا معمر.. خلاص تعالى يا سيف الاسلام نجل القذافي ، احنا آسفين خذ ليبيا. خلاص اللعبة انتهت». » وفي طرابلس اصطف السكان في انتظار الحصول على الخبز أو كانوا يبحثون عن المواد الغذائية. وأبدى كثيرون صمودا في محنتهم. وقال سنوسي الدهان وهو محام ينتظر شراء الطعام ««هذه ضريبة ندفعها لحريتنا. لابد أن نتحمل في هذه المرحلة الانتقالية».» وقال عبد السلام العربي 56 عاما وهو موظف في بنك ان الاوضاع ستتحسن، مضيفا ««لا أعتقد أن هناك أزمة لكننا نواجه مشكلات في البنزين وهناك بعض النقص في المياه. ستعود ليبيا. لدينا خبراء.. يمكننا أن ننجح». » وكان ايمن محمد يملأ حاويات بلاستيكية بالمياه لتقديمها الى جيرانه. وقال ««هناك الكثير من الناس هنا ليس لديهم ماء ونحن نملأ الزجاجات من بئرنا.» لكن رائحة الجثث المتعفنة والقمامة المحترقة ما زالت منتشرة في المدينة. ويظهر المزيد والمزيد من الجثث بعضها لجنود القذافي وآخرون ضحايا للقتل خارج نطاق القضاء. وقال مراسل من رويترز عند معبر راس جدير الحدودي إن السلطات التونسية أعادت فتح المعبر الرئيسي مع ليبيا اليوم، مضيفا أن عشرات العربات تتدفق. وكان مقاتلو المعارضة سيطروا على الجانب الليبي من المعبر من جنود موالين للقذافي يوم الجمعة. والمعبر على طريق امدادات رئيسي من تونس الى طرابلس. وقالت محطة «سكاي نيوز» البريطانية يوم السبت إنه عثر على رفات محترقة تخص53 شخصا في مخزن بطرابلس كانوا في ما يبدو من المعارضين للقذافي المسجونين، والذين أعدموا عندما انهار حكمه. وعرضت صورا لكومة من الهياكل العظمية المحروقة التي كان الدخان يتصاعد منها داخل المخزن. وفي تاجوراء بالعاصمة، أعد السكان مقبرة جماعية لجثث22 افريقيا كانوا مجندين فيما يبدو للقتال في صفوف القوات الموالية للقذافي.وقال المقيم هيثم محمود ««طلب منهم المقاتلون الاستسلام لكنهم رفضوا».» وأفسدت أنباء عن القتل بدم بارد من الجانبين الاجواء في المدينة التي استقبل فيها كثيرون سقوط القذافي بالفرحة. وقالت منظمة هيومان رايتس ووتش المعنية بحقوق الانسان ان قوات القذافي ربما تكون أعدمت عشرات السجناء وقتلت المدنيين، بينما كانت قوات المعارضة تزحف نحو العاصمة الليبية في الاسبوع الماضي. وقالت سارة لي ويتسون مديرة شمال افريقيا في هيومان رايتس ووتش في بيان « «الادلة التي تمكننا من جمعها حتى الان تشير بقوة الى أن قوات القذافي انطلقت في موجة قتل عشوائية، بينما كانت طرابلس تسقط». » وفي مؤشر على غياب القانون الذي تعاني منه الآن اجزاء في العاصمة، نهبت إحدى فيلات القذافي وتناثرت صور للزعيم الهارب على الارض. ويحاول المجلس الوطني الانتقالي الذي طلب من مقاتليه عدم القيام بعمليات قتل انتقامية ترسيخ سلطته، وإعادة النظام الى طرابلس لكن كبار مسؤولي المجلس لم ينتقلوا بعد الى هناك من مقرهم في بنغازي. ويدرك المجلس الوطني الانتقالي والقوى الغربية التي دعمته بحملة قصف جوي مستمرة منذ خمسة أشهر، الحاجة الى منع انهيار ليبيا على غرار ما حدث في العراق بعد الغزو الذي قادته الولاياتالمتحدة عام2003 . ورفض وزير الخارجية البريطاني أي فكرة عن إشراك القذافي في أي تسليم للسلطة قائلا ان هذا غير مقبول للمجلس الوطني الانتقالي وحلفائه الاجانب.