عندما داهم الثوار باب العزيزية ، لم يكن هدفهم فقط بسط السيطرة على ما كان يرمز لنظام حكم العقيد القذافي ، ولكن أيضا العثور على الدكتاتور . فتشوا المنزل غرفة غرفة ، قاموا بتمشيط المنطقة بالكامل ، دون جدوى . لقد فر العقيد ، لكن إلى أين؟ ويبدو من خلال تصريحات العديد من مسؤولي المجلس الوطني الانتقالي ، ومتخصصين في الشأن الليبي ، أن الدكتاتور لا يزال في ليبيا ، لذلك تم إطلاق عملية بحث غير مسبوقة عنه ، بل وتم رصد مكافأة مغرية لمن يأتي به « حيا أو ميتا» ،كما أن طائرات الحلف الأطلسي تقوم بمراقبة مستمرة على مدار الساعة لرصد أي تحرك مشبوه ، من شأنه أن يقود للهارب ،غير أن العديد من المراقبين يرون أن هذه العمليات قد تكون بلا جدوى ، لأن القذافي ، كما تؤكد العديد من المعطيات ، يتوفر على مخابئ سرية كثيرة تحت الأرض ، وبالتالي ، فعوض مراقبة الأجواء أو البحث فوق الأرض ، يجب النزول إلى الأعماق للعثور عليه. فما هي قصة هذه الأنفاق ، من بناها ، متى وبأية وسائل ؟ أنفاق العقيد السرية قضى العقيد القذافي ، المهووس بأمنه الشخصي ، حوالي 30 سنة من حكمه الدكتاتوري ، لتجهيز أنفاق وممرات سرية تساعده على الهروب، الأهم من نوعها في التاريخ . منذ الثمانينات ، عمل القذافي ، المنشغل آنذاك بعداء الغرب المتزايد ضده ، على إعطاء الإنطلاقة ، لبناء مئات الآلاف من الكيلومترات ، التي كانت رسميا « قنوات للري » ، تحت اسم النهر العظيم ، لكن يمكن استخدامها ، لأغراض أخرى. احتمال أن يكون العقيد مختبئا تحت الأرض ، تقوى كثيرا في الأيام الأخيرة ، بعد سيطرة الثوار على باب العزيزية ، حيث يحتمل وجود شبكة من الأنفاق تشكل مخابئ مبعثرة عبر الجغرافيا الليبية ، والتي يمكن أن تشكل عرينا للدكتاتور ، وهو احتمال وضعته المخابرات الأمريكية نصب أعينها منذ مدة طويلة ، حيث أن تقنيين وآليات أوربية وكورية جنوبية قد تكون عملت في إنجاز هذا المشروع الهندسي الضخم ، الذي يتكون من جدارات خرسانية تزن 76 طنا على عمق 182 مترا ، ومن شأنها تسهيل عملية فرار العقيد. المشروع الذي حمل اسم « النهر العظيم» بلغت تكلفته 17 مليار أورو ، وقد كان متوقعا أن يشكل قناة لنقل المياه الجوفية من الصحراء إلى المدن الكبرى مثل طرابلس وبنغازي .وقد أيد هذا الاحتمال الصحافيون الذين كانوا يقيمون في فندق ريكسوس ، عندما ظهر العقيد في ماي الماضي في الطابق السفلي للفندق ، حيث لم يشاهده أي واحد منهم وهو يدخل من الباب ، وبالتالي فإن وجوده بداخل الفندق يحمل تفسيرا واحدا ، وهو عبوره أحد هذه الأنفاق مباشرة إلى داخل الفندق . وحيث أن هذه المشاريع صممت وبنيت من طرف شركات غربية ، من المحتمل أن تكون بحوزة هيئة الأممالمتحدة خرائط وتصاميم لهذه الممرات الأرضية. وفي هذا الإطار ذكرت جريدة ««الدايلي تلغراف» «البريطانية ، أنه من المحتمل أن هذه الممرات السرية ، تربط بين بعض المدن الليبية الكبرى والصحراء الليبية جنوبا ، مضيفة أن هذه الأنفاق التي بنيت في منتصف الثمانينيات كجزء من مشروع ضخم للري في ليبيا، أو ما سمي بالنهر العظيم ، يعتقد خبراء في الاستخبارات أنها استخدمت لنقل القوات والأسلحة في أنحاء ليبيا. ففي أبريل الماضي تم العثور على أنفاق مماثلة في مدينة البيضا ، وذلك في القصر الصيفي للعقيد ، عندما سيطر عليه الثوار ، ومن بينها مركب سكني يقع على عمق 9 أمتار ، يتوفر على غرف نوم ، مطابخ ، حمامات بالإضافة إلى غرفة سونا . قبو القذافي في البريقة يتوفر على استوديو تلفزيوني ولاقط هوائي أكد مهندس هولندي لجريدة « «إيل باييس»» الإسبانية ، طلب عدم الكشف عن هويته ، أنالقذافي قضى سنوات عديدة وهو يعد مخابئ ليلجأ إليها عند الحاجة . مضيفا أنه أشرف في الثمانينات على بناء قبو للعقيد في مدينة البريقة. وكانت البداية ، عندما عمل هذا المهندس ، عبر شركة « أنتربيطون» الهولندية ، على بناء قناطر وطرق بليبيا ، قبل أن يقترحوا عليه بناء منزل للضيافة « كان المشروع مغريا ، غير أنه سيتضح لي بعد ذلك أن دار الضيافة هذه ستشيد تحت الأرض» ،يقول. ويتعلق الأمر ، كما يوضح هذا المهندس ، بقبو قادر على مقاومة هجوم نووي « مليئ بوسائل الاتصال والتنصت» ،وباذح بشكل كبير»،مضيفا أن القبو كان على مساحة 60 مترا من الطول و 20 من العرض ، ويتسع لعشرين شخصا. الاختباء من هجوم نووي لم يكن كافيا ، ذلك أن القذافي «كان بحاجة إلى الإعلان عن أنه مازال على قيد الحياة، وبالتالي تم تجهيز استوديو تلفزي » بالإضافة إلى هوائي مخفي ، بعد الهجوم ، يبرز من خلال سقف يفتح اوتوماتيكيا، وذلك ليتمكن العقيد من الإعلان على الملأ « «انتم ، أنا مازلت حيا» «يشرح المهندس الهولندي. الحصول على المواد اللازمة لبناء القبو وتجهيزه بوسائل الاتصال ، لم يكن صعبا رغم أن القذافي كان في الثمانينات متهما بالمشاركة في أعمال إرهابية في أوروبا . بعض الدول كانت تتردد قليلا ، لكن ليبيا كان باستطاعتها الحصول على كل شئ شريطة أن لا تطلب آخر الموديلات ، يقول . لم تكن « «أنتر بيطون»» الشركة الغربية الوحيدة العاملة في ليبيا ، ففي إحدى القرى التابعة للبريقة كان هناك العديد من العمال الأجانب ، وهناك تحت الأرض يقع القبو المحصن. القبو بدأ بناؤه قبل مدة قليلة من حادث لوكربي الإرهابي ، 1988 ، وقد تم تصميمه في هولندا من طرف مهندسين هولنديين . الوضع عبارة عن حالة انفصام ، يقول ، فقد كان الجميع يعرف بأنه يتم بناء شئ ما ، وفي نفس الوقت كان هذا الأمر يجب أن يبقى طي الكتمان بالإضافة إلى أن « التصاميم لا تزال موجودة في هولندا.» المهندس الهولندي، يتذكر في هذا الإطار قصة بناة الأهرامات الذين تم دفنهم أحياء حتى يطويهم النسيان ، ولذلك لم يغامر بالعودة مرة أخرى إلى ليبيا. وعن سؤال حول احتمال اختباء القذافي في القبو الذي ساهم في بنائه ، قال المهندس الهولندي « يحتمل أن للدكتاتور مخابئ جديدة، » مضيفا « «لست خبيرا في التسليح، لكن من المؤكد أن هناك حاليا قنابل أقوى من تلك التي كانت موجودة في نهاية الثمانينات، وبالتالي فإن لديه تحصينات أقوى «.