عندما اقتحمت قوات الثوار باب العزيزية لم يعثروا على أثر للقذافي، والبحث عن الديكتاتور الليبي أخذهم إلى رحلة تحت الأرض، حسب وكالة «أسوشييتد برس». ولكن ما يبرر تحركهم تحت الأرض هو التصريح الذي وجهه القذافي قبل ثلاثة أشهر عندما قال في أحد خطاباته: «أنا أعيش في مكان لا يمكنهم الوصول له ولا يمكن لكم فيه قتلي». ودخل الثوار باب العزيزية بعد يوم من المواجهات الساخنة بينهم وبين أنصار القذافي. وقد سمع الليبيون الكثير عن الأنفاق المجهزة بوسائل التكييف منذ السبعينات، والتي علموا أنه تم تدعيمها على أثر القصف الأميركي للقذافي في 1986 لتوفير مهرب آمن، حسب ما قال كريم مزران، وهو لاجئ ليبي يعيش في المهجر وأستاذ جامعي بجامعة جون هوبكينز بإيطاليا، وأضاف: «لم يزر هاته الأنفاق أحد، لكن المعلومات التي لدينا هي أن للقذافي أنفاقا تربط بين باب العزيزية وأماكن أخرى مثل مطار طرابلس وساحة الشهداء (التي كانت تسمى في السابق «الساحة الخضراء» وغالبا ما كان يتجمع فيها أنصار القذافي)». كما أكد إبراهيم الدباشي نائب السفير الليبي السابق لدى الأممالمتحدة الذي انضم لاحقا للمعارضة متوجها للثوار: «توقعوا أن تكون له مساكن تحت الأرض». وبعدما أعلن الثوار عن نصرهم الكامل، قال عبد الحفيظ غوقة نائب رئيس المجلس الانتقالي في حوار صحافي، إن القذافي ليس في باب العزيزية وإن الثوار سيبحثون في كل الأماكن المحتملة ويتوقعون وجود قنوات وأنفاق تحت الأرض. ويقوم الثوار في مصراتة بدعم زملائهم في طرابلس بعمليات بحث تحت الأرض أيضا. وقد أعطى القبو الذي اكتشفه الثوار تحت مدينة البيضا فكرة للثوار وتصورا عن الشكل الذي يمكن أن تكون عليه الأنفاق. وتحتوي شبكة الأنفاق تحت باب العزيزية على عدة مداخل؛ منها واحد يستعمله سيف الإسلام للدخول أو المغادرة. كما أنه يحتمل وجود نفق يربط بين باب العزيزية وفندق «ريكسوس» حيث كان يقيم الصحافيون الأجانب الذين يقومون بتغطية الوضع الليبي. وعمد حكام ديكتاتوريون آخرون إلى اتخاذ بطن الأرض ملجأ لهم مثل هتلر، والزعيم السوفياتي السابق ستالين، والديكتاتور الروماني نيكولاي سيوسيسو الذي أمضى وقتا كبيرا من فترة حكمه في بناء الأنفاق التي تربط بين كل أنحاء بوخارست ليتمكن من الهروب إلى ضواحي بوخارست في حالة الثورات الشعبية، لكنه لم يستعملها أبدا، لكن ومن المبنى الرئيسي للحزب الشيوعي قبل أعياد الميلاد سنة 1990 هرب مستعملا طائرة مروحية ولكن تم القبض عليه عندما نفد وقود الطائرة واضطرت للهبوط في أحد الحقول. وقد كان الوزير الأول الليبي السابق عبد السلام جلود قد أعلن في تصريح للقناة الإيطالية «رايتري» الأحد الماضي أن القذافي سيحارب حتى النهاية، ولن يقتل نفسه كما فعل هتلر، أو الرئيس الشيلي سلفادور ألندي الذي انتحر بإطلاق الرصاص على نفسه سنة 1973. وقال جلود: «أرى القذافي أقرب لصدام حسين منه لألندي». وقد كان القذافي قد أعلن أمس أنه تجول متخفيا في شوارع طرابلس ليشهد الأمور بعينه، ودعا مناصريه لتطهير المدينة من «الجرذان»، في إشارة إلى الثوار الليبيين. القذافي وعائلته وكبار رجاله فروا ن مقر إقامتهم بقصر العزيزية عبر نفق ويستعد للثوار بالكيماوي زعمت مصادر أمنية مقربة من الاستخبارات الإسرائيلية أن القذافي وعائلته وكبار رجاله فروا من طرابلس صباح يوم الثلاثاء من مقر إقامتهم بقصر العزيزية عبر نفق أسفل القصر إلى منطقة آمنة جنوب البلاد في الوقت الذي استخدم فيه فيديو ظهور سيف الإسلام للتمويه مساء أمس ليزيد الموقف غموضاً وضبابية. وقال موقع “ديبكا ” القريب من الاستخبارات الإسرائيلية إن مصادر أمنية تتوقع لجوئه إلى قبائل موالية له في الجنوب تقدر أعدادهم ب 100 ألف شخص يجندها بعد ذلك في الهجوم على طرابلس من خلال حرب قبائل وعصابات باستخدام أسلحة كيماوية وبيولوجية ممنوعة تم تخزينها تحت الأرض بمنطقة “سبها” لدى أفراد قبيلته. وأضافت ” لاتوجد معلومات كافية عن مكان اختفائه وهروبه مع أعداد غفيرة من كتائبه، وما ورد بتحليلات أجهزة مخابرات شرق أوسطية يفيد بعدم وجود معلومات كافية حول اختفاء كتائب القذافي وانسحابها من العاصمة إلى مناطق غيرمعلومة ولم يسلم منهم السلاح إلا أعداد قليلة”. عبد الحكيم بلحاج قائد الهجوم على باب العزيزية.. مقاتل سابق في أفغانستان عبد الحكيم بلحاج عبد الحكيم بلحاج، قائد المجلس العسكري للثوار في طرابلس، الذي ظهر كقائد لعملية تحرير العاصمة الليبية في موقعة باب العزيزية قبل يومين، كان أميرا للجماعة الإسلامية المقاتلة، التي كانت توصف بأنها متطرفة. والجماعة الليبية المقاتلة تأسست في ليبيا في عقد التسعينات من القرن الماضي، وهي تنظيم جهادي أسسته عناصر ليبية بعد عودتها من القتال في أفغانستان. وكان يقود الجماعة الإسلامية المقاتلة من آسيا الوسطى أبو الليث الليبي أحد أبرز مساعدي أسامة بن لادن. وبلحاج من مواليد عام 1966، وهو خريج هندسة مدنية. ومتزوج من اثنتين؛ مغربية وسودانية. وهاجر إلى أفغانستان عام 1988 مشاركا في الجهاد الأفغاني في ذلك الوقت. وبعدها طاف في عدد من البلدان الإسلامية منها باكستان، وتركيا، والسودان. وكان بلحاج اعتقل في أفغانستان وماليزيا سنة 2004، وحققت معه الاستخبارات الأميركية في تايلاند قبل أن تسلمه لليبيا في العام نفسه، ثم أطلق سراحه في ليبيا سنة 2008. وأعلن بلحاج عن نبذه العنف في 2009. ويعرف بلحاج في أوساط التيارات الإسلامية باسم «أبي عبد الله الصادق». وتحول من رجل مطارد في الجماعة الإسلامية المقاتلة الليبية إلى بطل حمله الثوار لواء تحرير طرابلس. وتعد «الجماعة الإسلامية المقاتلة» من مكونات الثورة على حكم القذافي. ويشارك قرابة 800 من أعضائها في القتال ضمن قوات الثوار، تحت قيادة عبد الحكيم بلحاج. وتعرض الإسلاميون الليبيون، خاصة خلال العقدين الماضيين، لعمليات قمع كبيرة وتم سحق تمرد «الجماعة المقاتلة» في بنغازي عام 1995، وتم سجن 1800 من أفراد الجماعة، ولم يطلق سراحهم إلا بعد المراجعات الفكرية للجماعة سنة 2008، والتي أشرف عليها سيف الإسلام القذافي. وكان نظام القذافي قد أفرج عن 10 من قادة الجماعة الليبية المقاتلة (ضمن الإفراج عن 214 من المحسوبين على التيار الإسلامي) في 23 مارس (آذار) 2010. وكان من بين المفرج عنهم في تلك الدفعة، بلحاج نفسه بصفته أميرا للجماعة الليبية المقاتلة، وآخرون مثل أبو المنذر الساعدي، المنظر الفكري والعقائدي للجماعة سابقا، وخالد الشريف المسؤول الأمني والعسكري للجماعة. عبد الباري عطوان : القذافي المعزول اكثر خطورة من المؤكد ان حكم العقيد معمر القذافي قد انتهى وربما الى غير رجعة، بعد اكثر من اربعين عاما من الطغيان، ولكن معمر القذافي كشخص وظاهرة وخطر لم ينته، ولذلك من السابق لأوانه الاغراق في الاحتفالات، او المبالغة فيها، لانه من الصعب التكهن بما يمكن ان تحمله الايام والاشهر المقبلة من مفاجآت سارة او مزعجة، فلا بد من التريث، ولا بد من الحذر في الوقت نفسه. لم يتوقع احد ان ينهار حكم الرئيس المصري حسني مبارك بعد 19 يوما من اندلاع شرارة الثورة، ولم يخطر في بال احد ان الرئيس التونسي زين العابدين بن علي سيهرب الى المملكة العربية السعودية، بعد اربعة اسابيع من استشهاد محمد البوعزيزي. بالعودة الى الشأن الليبي، وفي السياق نفسه، نقول ان الحرب في ليبيا طالت اكثر من المتوقع (ستة اشهر)، وسقوط مدينة طرابلس العاصمة جاء اقصر واسرع مما حلم به الكثيرون، سواء في غرف عمليات حلف الناتو العسكرية، او في اوساط رئيس واعضاء المجلس الوطني الانتقالي الليبي في بنغازي. ليبيا تشهد الآن عملية تبادل سريع ومفاجئ للأدوار. المعارضة اصبحت السلطة، والسلطة اخذت مقاعد المعارضة، بمعنى آخر يتحول معمر القذافي وانصاره الى ثوار يحاربون الناتو وحلفاءه، مثلما اعلن يوم امس في بيان اذاعي بثته محطة تلفزة مغمورة، والثوار تحولوا الى اصحاب سلطة بات عليهم الدفاع عنها، والحفاظ عليها وتحمل تبعات مسؤولياتها. ‘ ‘ ‘ العقيد القذافي بات اخطر في نظرنا مما كان عليه قبل ايام معدودة، وبالتحديد قبل سقوط واجتياح منزله في قاعدة باب العزيزية، ويمكن ان يهدم المعبد الليبي فوق رأسه ورؤوس الآخرين اذا كتبت له الحياة لفترة اطول، او لم يتم القبض عليه بسرعة، فالرجل ليس مجنونا مثلما يحلو لبعض المحللين والخبراء العرب وصفه، والا لما حكم ليبيا وشعبها الطيب اكثر من 42 عاما. وكان طوالها لاعبا رئيسيا على الساحة الدولية. انه ثعلب عجوز، ماكر وداهية في استخدام ما لديه من اوراق. اولا: العقيد الليبي تحلل كليا من كل اعباء الدولة، ولم يعد يملك مقرات او قواعد او منازل تشكل اهدافا لطائرات حلف الناتو وصواريخه، مثلما كان عليه الحال في السابق. اي انه حيّد اكبر خطر عجّل بسقوطه ونظامه، ولم يعد تدخل هذا الحلف فاعلاً، بل قد يتحول الى لعنة على الدول التي تقف خلفه، وعلى الحكم الجديد . ثانيا: العقيد القذافي يجلس على جبل من العملات الصعبة، استطاع تخزين المليارات منها نقدا، تحت ‘مخدته' في مكان ما في ليبيا، وهذه المليارات لن تصرف على دفع رواتب موظفين بيروقراطيين، او جيش مترهل او لشراء ادوية ومعدات طبية، وانما على عمليات التخريب الداخلي والخارجي التي قد ينخرط في تنفيذها. ثالثا: هذا الرجل يملك خبرة عريقة في الارهاب وشبكاته العربية والدولية، مثلما يملك مخزونا ضخما من الحقد والكراهية لخصومه، وعلينا ان نتذكر انه احتضن منظمة ‘ابو نضال' واستخدمها بفاعلية في تصفية خصومه او ‘الكلاب الضالة'، مثلما كان يطلق عليهم، وموّل الجيش الجمهوري الايرلندي وسلحه، والقائمة تطول، وافضل لقب له هو ‘ملك الارهاب' وليس ملك الملوك، فهو فاشل في البناء، ومتفوق في الهدم! رابعاً: هناك مؤشرات واضحة على اعداده خطة محكمة لمرحلة ما بعد سقوط نظامه وانهيار قواته، واختفاء حرسه فجأة، وذوبان انصاره في غابة طرابلس الاسمنتية، وكذلك اطلاق محطات تلفزية واذاعية فور السيطرة على محطاته الرسمية من قبل قوات المعارضة، وما محطة ‘العروبة' التلفزيونية او ‘الرأي' التي بث عبرهما خطابه فجر امس الا احد الادلة، هذه محطات ليست سورية كما يزعم، لان النظام في سورية اذكى من ان يتبنى نظاماً منهاراً يلفظ انفاسه الاخيرة. نجاح العقيد القذافي في افساد احتفالات الشعب الليبي بانهيار نظامه، وتحويل طرابلس الى نموذج للفوضى وانعدام الامن، ولو لفترة محدودة، خطوة مدروسة من قبله وانصاره، ويمكن ان تمتد الى مدن اخرى اذا لم يلجأ الطرف الآخر الى تطويقها واحباطها فوراً وفي اسرع وقت ممكن. لا نستغرب ان يكون هدف الزعيم الليبي (سابقاً) هو جرّ حلف الناتو ودوله الى مصيدة اخرى، ربما تكون اكثر خطورة اي ارسال قوات جيش لحفظ الامن في المدن الليبية لوضع حد لحالة الفوضى هذه، وتمكين الحكم الجديد من ترسيخ سيطرته، والبدء في بناء ليبيا الجديدة. العقيد القذافي يراهن على افراد قبيلته والقبائل الاخرى المتحالفة معها، مثلما يراهن على القادة والشعوب الافريقية التي اعلن انتماءه اليها بعد ان خذله نظراؤه العرب اثناء الحصار، ولا نستطيع ان نحكم بمدى صحة هذا الرهان من عدمها، ولكن ما نراه ان معظم الدول الافريقية رفضت حتى الآن الاعتراف بالمجلس الانتقالي. ويظل الرهان الاكبر للعقيد هو اتساع شرخ الانقسامات في صفوف المعارضة لنظامه، وتحول ليبيا الى دولة فاشلة، وضخامة الثمن الذي يمكن ان يطالب به حلف الناتو وفرنسا وبريطانيا بالذات، مقابل دعم مخططات اطاحة نظامه. ‘ ‘ ‘ السوابق في العراق وافغانستان قد تكون مغرية بالنسبة الى العقيد القذافي، فأخطاء المحتل الامريكي في العراق مثل حل الجيش العراقي واجتثاث حزب البعث، وتكريس حكم طائفي في بغداد ادت الى نشوء مقاومة مسلحة شرسة، وتأسيس قاعدة راسخة لتنظيم القاعدة. العراقيون كانوا سعداء، وربما ما زالوا، لسقوط صدام حسين ونظامه، ولكنهم وجدوا بلدهم مدمراً بالكامل ومقطع الاوصال، ومحكوماً بنظام يحتل المرتبة الاعلى على سلم الفساد في العالم. اما في افغانستان فأعداء طالبان وبدعم امريكي، حققوا نصراً عسكرياً سريعاً، واطاحوا بحكمها، ولكنهم وجدوا حلفاءهم الامريكان والبريطانيين يتفاوضون علناً وسراً، لإعادة طالبان الى الحكم بعد عشر سنوات تكبدوا خلالها مئات المليارات من الدولارات كخسائر مادية. لا نقول ان هذه السوابق ممكن ان تتكرر في ليبيا، بل لا يجب ان تتكرر، لان في ليبيا ثورة شعب اطاحت بنظام ديكتاتوري فاسد، ولكن عدم تكرار هذه السوابق مرهون بأداء المجلس الانتقالي الليبي الممثل الابرز للمعارضة، ومدى قدرته على قيادة البلاد الى بر الامان، وبناء الدولة الجديدة على اسس الديمقراطية والعدالة. نعترف ان لدينا شكوكا كبيرة في هذا الصدد، وهي شكوك مشروعة وتأتي من منطلق الحرص على نجاح العهد الجديد الذي يطل برأسه وسط حقل من الالغام. وما يعزز هذه الشكوك ما قراناه بالأمس عن رصد المجلس الوطني الانتقالي ما يقرب من المليوني دولار لمن يقتل القذافي ويأتي برأسه مضرجاً بالدماء، وكذلك اصدار مرسوم بعدم ملاحقة كل من يقدم على هذه الخطوة قضائياً. هذه المكافأة تتناقض كلياً مع كل وعود المجلس الوطني الانتقالي وحلفائه الغربيين في فرنسا وبريطانيا باقامة نظام العدل والمساواة وحكم القانون في ليبيا الجديدة. مثلما تتناقض مع كل المواعظ لليبيين بالتخلي عن النزعات الانتقامية والثأرية التي كانت من ابرز اخلاقيات النظام الديكتاتوري السابق.