تحضيرا للتأمل في النسخة الرمضانية المغربية البلجيكية وتوضيح مختلف أبعادها، وحتى نبتعد عن صور رمضانية تقليدية أو فولكلورية تتوقف عندها مختلف وسائل الإعلام ، لا بد من وضع خطوط صورة شمولية لوجود المسلمين في بلجيكا. فظاهرة انتشار موائد «إفطار الصائم» في الأماكن العمومية بل وفي محطات القطار في بروكسيل مثلاً، لم تنزل من السماء، وليس واقعة عادية أو عرضية .إنها مرحلة تطور تدريجي بطيئ يمكن بدء تأريخه بقيام بلجيكا سنة 1974 بالاعتراف بالإسلام ديناً يتم التعامل معه كسائر أديان ومعتقدات كل الفئات التي تعيش في ظل رعاية ودعم الدولة البلجيكية.... بمعنى أنه للإلمام بالموضوع ولو على سبيل الاستئناس،لا بد أولاً من وضع رمضان في صورة سيرورة الهجرة على العموم والإسلام البلجيكي على الخصوص، مما يستوجب تسليط الضوء على بعض العناصر المتحكمة في الموضوع، بحياد وموضوعية. لا يخلو أي حديث عن الهجرة المغربية وأوضاع جاليتنا في الخارج من استحضار خلفية جاهزة يتحكم فيها أساساً ثالوث الغربة والعنصرية والعملة الصعبة، قبل يضاف له ركن رابع يطلق عليه اسم الاهتمام بجاليتنا في الخارج وهو ترجمة لما يدعى في الاستراتيجية الرسمية تأطيراً لمغاربة الخارج، مع كل ما يثيره ذلك من جدل حول مفهوم الاهتمام والتأطير وأبعاده ومردوديته. هناك مناسبتان أساسيتان تستحضران الجالية المغربية بالخارج ككيان شامل، إلى جانب مناسبات يستحضر فيها فقط بعض أفراد هذه الجالية كشهود لهذا المنظور، مما من شأنه تسليط الضوء على معنى ومدى ارتباط الوطن بالهجرة. ففي فصل الصيف تتدفق قوافل الجالية المتوجهة إلى الوطن، ويتم تنظيم عمليات العبور ومرحبا بكم وأنتم في بلادكم.. وتعطى التعليمات لتسهيل مختلف الإجراءات الإدارية، وتعقد الندوات والمجالس في إطار يوم المهاجر وخارجه، وتنشط مختلف أجهزة الإعلام لتغطية كل هذا...امتناناً وكسباً لود أبناء الوطن هؤلاء، رغم وجود مظاهر سلبية لا تنكر، تواكب تواجد هؤلاء المغتربين في أوساط مواطنيهم في الداخل. ومع حلول شهر رمضان، يتم استنفار وزارة الأوقاف والداخلية وغيرهما، لمواكبة الجالية في صيامها وتراويحها ، وذلك في إطار تكريس ارتباط الجالية بالوطن وقيمه وثقافته وتقاليده.. إلى آخره، مع ما يرافق ذلك من تناقل إعلامي لصورة أولئك المغتربين في حياتهم الرمضانية ، لا يكاد يقتصر إلا على الصور الإيجابية التي تناسب «الأصالة المغربية». حلول شهر رمضان، خاصة هذا العام، وهو موضوع اليوم، يجعلنا نتوقف لطرح أسئلة عاجلة وأخرى آجلة، يمكن الإجابة عن بعضها بينما تطرح أخرى للتمعن ليس غير. فكيف يعيش مغاربة بلجيكا رمضانهم؟ فهل مغاربة أوربا مرتبطون بالوطن أم ببلد الإقامة؟ وماذا يتوفر لهم داخليا وخارجيا ليرتبطوا بهذا أو ذاك، أو ينفصلوا عنه، في رمضان وفي غيره من أشهر السنة ؟ الإعلام المغربي يجيب عن مختلف هذه الأسئلة المرتبطة ، بإعطاء صورة عن مهاجريه المقيمين ببلجيكا إما كمترددين على الجوامع المكتظة في شهر رمضان بأجوائها الخاصة، و متحلقين حول مائدة رمضانية حافلة بأواني «الحريرة» وأنواع الحلويات وما جاورها. ويأتي ذلك من خلال روبورطاجات جامدة تثيرالشفقة أحياناً، أو تتناول الموضوع من زاوية محددة معينة ذات مدلول وهدف مسبق، في صور تشير إلى أن مغاربة بلجيكا وأوربا عموماً، متمسكون بدينهم الحنيف خاصة في رمضان وبتقاليدهم الأصيلة، وبغيرتهم على الوطن. بل ويصل نقل بعض تفاصيل الصورة وتأويلاتها إلى تأكيد قدسية ولائهم وخضوعهم المذهبي المالكي الحنفي...وسط عواصف الوهابية والشيعية ومختلف الأصوليات. أماالإذاعة العربية التي اعترفت بها السلطات البلجيكية كإذاعة محلية موحدة مخصصة للجاليات العربية ببروكسيل، فقد نجحت في التمغرب لحد كبير مريح ومزعج. فهذه الإذاعة تساهم كخلفية موسيقية أساسية في إسدال رداء رمضان على أذن المستمع عبر الأثير، وذلك من الإعلان عن رؤية هلال رمضان إلى بث أذان لمغرب إلى الفوازير والحزازير والأحاديث والفتاوي، في إنتاج نسخة من «الإذاعة الوطنية» مع تعديل نسبي، مما يعتبره البعض مكسباً مهماً، بينما يرى فيه البعض الآخر مجرد تقليد عقيم يستحق المراجعة. ففي حين لا يرى الأولون في برامجها إلا العمل على استمرار ارتباط المهاجرين بالوطن والتقاليد و..رمضان، في إطار «الحفاظ على الهوية « وإغناء لثقافتهم العربية الإسلامية، يعتبرها الآخرون عنصراً يؤدي إلى تهميش المعنيين ووضعهم عرضة للتبعية الخارجية، ومنتوجاً إعلامياً ضعيفاً وتفقيرياً يحول بينهم وبين الاهتمام بما تقدمه وسائل الإعلام الأخرى من ثقافات ومعارف وقيم متفتحة متطورة تشجع إبداعية الأفراد والمجموعات.. والواقع أن رمضان المغربي البلجيكي يكشف عن مختلف عناصر الازدواجيات التي تواجه المهاجر المغربي على الخصوص، في رمضان وفي غير رمضان، من الأصول إلى الاستلاب، من الاندماج إلى التدجين، من المواطنة إلى التبعية. كما أنه يستحضر حتى في طقوسه، تداعيات التحولات التي تعرفها المنطقة، واضعاً تحت المجهر تعرض المغاربة من ذوي أحادية الرؤية، لمختلف التيارات الدينية والفكرية واكتشافهم لتنوع الثقافات والعادات، مما سيدفع بهؤلاء وأولئك لمراجعى حساباتهم. أليس رمضان شهر تأمل؟ من زاوية أخرى، يمكن اعتبار رمضان المغربي في بلجيكا، أمراً لا يعدو كونه تمكن مغاربة بلجيكا من ممارسة شعائرهم الدينية من صلاة وصيام في بلاد المهجر حسب مكتسبات موروثة وأخرى مستحدثة، باعتبارهم مقيمين على تراب دولة غير إسلامية لكنها تؤمن بأن لا إكراه للدين ، تسمح بكل المعتقدات والمذاهب كما تحترم اختلاف المآكل والمشارب، ولو في ظل يمين متطرف وعنصرية تهدف لإشاعة الخوف من الإسلام..ورغم مسلمين ينشرون مقولة أن أوربا أرض الكفار...