بتاريخ 20 غشت 1953، أبعدت فرنسا سلطان المغرب. وبعد المرور من كورسيكا، تم نفي محمد الخامس إلى مدغشقر شهر يناير 1954. وظل في أنتسيرابي إلى حدود أكتوبر 1955. وفي ذلك التاريخ، سمحت له السلطات الفرنسية، التي كانت مجبرة على التفاوض معه من أجل تسوية الأزمة المغربي، بدخول فرنسا. وبعد بضعة أسابيع على ذلك، كانت عودته إلى المغرب لتدشن مسارا جديدا نحو استقلال البلد. وفي هذا المقال الذي أنجزه الباحث فريدريك غاران، الأستاذ الباحث بجامعة «لاريينيون»، نجد متابعة لتفاصيل رحلة النفي إلى مدغشقر، وقبلها إلى كورسيكا، ونبشا في ذاكرة فترة بارزة من تاريخ مغرب ما قبل الاستقلال. أجرت بعثة الحزب الديمقراطي للاستقلال أولى محادثاتها مع السلطان السابق. وخلالها، وإلى حدود مغادرة السلطان بشكل نهائي يوم 30 أكتوبر 1955، لم يصدر أي مقال للحديث عن حياة محمد الخامس في أنتسيرابي. وخلال الأيام الأخيرة، تأخرت وسائل الإعلام في الحديث عن المحاولات الأخيرة التي قام بها باشا مراكش من أجل فرض الإبقاء على بن عرفة (جاء في صحيفة «فرنسا ? مدغشقر» عدد 15 شتنبر 1955 على لسان الكلاوي: «لا أعرف إلا سلطانا واحدا: سيدي محمد بن مولاي عرفة»). في الرابع والعشرين من شتنبر، ظهر في صفحة داخلية من جريدة «فرنسا ? مدغشقر» مقال ينتقد السياسة الفرنسية في المغرب، حيث كتب جون كلود بوسترا: «المأساة المغربية»، وهناك أدرك القراء في مدغشقر ما كان مخفيا عنهم: «أن يكون السلطان الحالي [بن عرفة] مفتقدا للشعبية، أن يكون غير معروف وسط الشعب، فهذا أمر واقع... لكن ربما الحدث الأكثر أهمية هو الشعبية التي لا تُتصور للعاهل المبعد إلى أنتسيرابي، والذي يمكنه أن يعيد الهدوء والاستقرار إلى مملكته القديمة، بدلا من الارتماء في دوامة حرب أهلية متوحشة...» وكان يتعين الانتظار إلى حدود يوم 16 نونبر 1955 لنقرأ على صفحات نفس الصحيفة مقالا بتوقيع نوربير زافيماهوفا (مستشار بمدغشقر من 1948 إلى 1958) وبعنوان: «من شمال إفريقيا إلى مدغشقر»، حيث قارن بين الجانبين (رغم أنه ركز أكثر على الحالة التونسية). كان طرحه واضحا: ينبغي تجنب تكرار أخطاء شمال إفريقيا في مدغشقر: «ليس ثمة ما يضمن اليوم استمرار الهدوء الذي تتمتع به إفريقيا السمراء ومدغشقر إلى ما لا نهاية ما لم نقم بشيء في اتجاه تحقيق التطور... ورغم ذلك، فإنه يتعين على التاريخ الاستعماري خلال السنوات الأخيرة أن يدرك أن شعوب الأوتوشتون أصبحوا واعين بوجودهم ولا يمكن حرمانهم من الحلول العادلة التي انتظروها. ومدغشقر توجد في هذه المرحلة... [...] إصلاحات لا ينبغي التأخر في تطبيقها [...] هذا موقف ينبغي فيه التوافق مع الماضي، وهذه رغبة جميع الملغاشيين الذين ينبذون الكراهية والتقسيم [...]». يتعين على مدغشقر تفادي الفخ الشمال إفريقي. إنها المرارة التي كشفت على امتداد سنتين توجه الإعلام الاستعماري تجاه الأحداث في المغرب. وفي نفس الآن، لم يكن هذا الإعلام قادرا على طرح مواضيع أمنية، سيما أنها كانت مهووسة بذكرى سنة 1947، الأمر الذي جعلها، بتأييد من قرائها، تنساق دون تفكير وراء موقف الحكومة الفرنسية. كما أنها كانت تتفادى الحديث عن شخصية محمد الخامس رغم وجوده في أنتسيرابي. وفي المقابل، كانت الصحافة الوطنية في مدغشقر تتعامل بشكل مختلف. ولقد اشتغلنا على الصحف التالية: «أنتسوني نوسي» (أسبوعية ولا تتوفر فيها حاليا سوى أعداد يناير وفبراير 1954)، صحيفة «ني أنتسيكا» (سنة 1954 كان ينشط فيها فيليبير تسيرانانا، الذي سيتولى في ما بعد رئاسة مدغشقر)، صحيفة «إيمونغو فاوفاو» (أسبوعية قريبة من الحزب الشيوعي. وكان 13 عددا منها والصادرة ما بين يونيو ونونبر 1955 تتناول القضية المغربية)، صحيفة «فوراموهيري» (صحيفة حزبية نتوفر على بعض من أعدادها المتعلقة بالفترة التي تهمنا)، صحيفة «فاندروسوام بوافاو» (أسبوعية وطنية معتدلة ومعادية للشيوعية. تناول 26 عددا منها سنة 1955 المغرب).