بتاريخ 20 غشت 1953، أبعدت فرنسا سلطان المغرب. وبعد المرور من كورسيكا، تم نفي محمد الخامس إلى مدغشقر شهر يناير 1954. وظل في أنتسيرابي إلى حدود أكتوبر 1955. وفي ذلك التاريخ، سمحت له السلطات الفرنسية، التي كانت مجبرة على التفاوض معه من أجل تسوية الأزمة المغربي، بدخول فرنسا. وبعد بضعة أسابيع على ذلك، كانت عودته إلى المغرب لتدشن مسارا جديدا نحو استقلال البلد. وفي هذا المقال الذي أنجزه الباحث فريدريك غاران، الأستاذ الباحث بجامعة «لاريينيون»، نجد متابعة لتفاصيل رحلة النفي إلى مدغشقر، وقبلها إلى كورسيكا، ونبشا في ذاكرة فترة بارزة من تاريخ مغرب ما قبل الاستقلال. جاء في عدد 27 يناير 1954 من صحيفة ‹فرنسا ? مدغشقر›: «انتظار سلطان المغرب السابق في مدغشقر»، كما جاء في مقال آخر «ملايير السلطان». وكان وصول محمد الخامس حدثا جعلته الصحيفة انفرادا، حيث جاء في عدد 30 يناير 1954: «انفراد ‹فرنسا ? مدغشقر›: سلطان المغرب السابق في مدغشقر. كما توقعنا ذلك يوم الأربعاء، حل سيدي محمد بن يوسف صباح يوم أمس بأريفونيمامو...» منذ وصول محمد الخامس إلى مدغشقر، لم تبدِ وسائل الإعلام الاستعمارية اهتماما بالسلطان وبإقامته في أنتسيرابي، في حين أن الأزمة المغربية ظلت تحتل حيزا مهما في بعضها، مثل أسبوعية «تانا جورنال»، التي قالت في عددها ليوم 20 ماي 1955: «لقد أصبح بن يوسف عدونا». كان يستحيل على تلك الصحف ألا تشير إلى شخص السلطان في ما يتعلق ببعض المواضيع. وبمناسبة تقديم العريضة، التي وقعت عليها «124 شخصية مغربية»، إلى المقيم العام الجنرال فرانسي لاكوست، نقلت صحيفتا «تانا جورنال» و»فرنسا - مدغشقر» بتاريخ 28 يوليوز 1954 جزءا من الرسالة التي تؤكد على أن الحوار بين البلدين «لن يكون مثمرا إلا بمعالجة مباشرة للمشكل الذي يطرحه إبعاد صاحب الجلالة سيدي محمد بن يوسف.» ومع ذلك، فلم تشر أي من الصحيفتين إلى وجود محمد الخامس في أنتسيرابي. من يناير 1954 إلى شتنبر 1955، لم يستفد الإعلام الاستعماري من التفرد الذي يمكن أن يحصل عليه من وجود محمد الخامس في مدغشقر، وظل يعيد تكريس نفس الصورة المرسومة عن المغرب، والتي يتم إدماجها في السياق المغاربي العام، كما كانت تصر على الحديث عن الاعتداءات «الإرهابية»، والرسائل التطمينية التي تهدف إلى إعطاء الانطباع بأن الأوضاع توجد تحت السيطرة. ومثال ذلك ما جاء في صحيفة «فرنسا- مدغشقر» (عدد 27 فبراير 1954): «أمام ألفي فارس من القبائل، حل سلطان المغرب [المقصود هنا بن عرفة] بمراكش حيث استقبلته الجماهير المتحمسة»، وفي عدد 12 غشت 1954: «احتفالات كبيرة بعيد الأضحى في المغرب». وكان لبعض الأحداث صدى خاص: اغتيال السيد لوميغر دوبرويل (صحيفة «فرنسا ? مدغشقر» عدد 13 و16 يونيو 1955) وبالخصوص المجازر التي شهدها واد زم (صحيفة «فرنسا ? مدغشقر» عدد 22 و23 غشت 1955). فالسيد لوميغر دوبرويل صحافي وأحد مؤيدي التقارب بين الفرنسيين والمغاربة، ذهب ضحية «الإرهاب المضاد الذي يشوه سمعة فرنسا...» على حد قول بيير جولي، وزير الشؤون التونسية والمغربية (مقال بعنوان «أهوال الإرهاب المغربي» الصادر بتاريخ 13 يونيو 1955). وكان تعبير «الإرهاب المضاد» صادما إذ بدا وكأنه يضفي طابع الشرعية على استعمال العنف في مواجهة عنف آخر، هو الوحيد الذي يعتبر إرهابا. ولقد دشنت مجازر واد زم مرحلة الخوف الاستعماري،فبتاريخ 2 غشت، كان العنوان العريض يقول: «مقتل 50 أوروبيا في واد زم، بينهم العديد من النساء والأطفال والكثير من الجرحى». وجاء في تصريح لبيير جولي: «إن ما وقع يعتبر بكل بساطة عملا وحشيا». وفي اليوم الموالي جاء في رسالة: «الحصيلة الرسمية المحزنة لضحايا مجازر يومي 20 و21 [غشت] بلغت 95 قتيلا و20 جريحا أوروبيا». وفي هذا الإطار، فإن هذه المجزرة التي وقعت في الذكرى الثانية لنفي محمد الخامس لم تجعل الإعلام الاستعماري بمدغشقر إلى التعامل بنوع من الاعتدال هذا المنفي. وجاء في عدد 24 غشت 1955 من صحيفة «فرنسا ? مدغشقر: «لا يمكن ترقب عودة بن يوسف إلى العرش». ومع ذلك، فإن الأوضاع ستتطور بشكل متسارع.