بعد موجة من الغضب الشعبي الجارف بسبب عمليات القرصنة الواسعة للهواتف النقالة قرر روبرت مردوخ التخلص من صحيفة «نيوز أوف ذي وورلد» الشهيرة في محاولة منه لحماية إمبراطوريته الإعلامية. لكن الخطوة الدراماتيكية التي أقدم عليها قد لا تكون كافية لاحتواء تداعيات الفضيحة المتفاقمة، أو تأمين مساعيه لتوسيع حضوره الكثيف أصلا في المشهد الإعلامي البريطاني. ويجاهد مردوخ حالياً لضمان عدم وصول مفاعيل الفضيحة إلى أذرع أخرى من مؤسسة «نيوز كور» التي يترأسها وتملك وسائل إعلام في آسيا والولايات المتحدة، بما فيها صحف مرموقة مثل «وول ستريت جورنال» ومحطة «فوكس نيوز» الإخبارية. ومن الذين أصيبوا بشظايا الفضيحة الإعلامية أندي كولسون، رئيس التحرير السابق للصحيفة الذي أصبح فيما بعد مساعداً بارزاً لرئيس الوزراء ديفيد كاميرون، مع ما يمثله ذلك من إحراج كبير لكاميرون، لاسيما أن اعتقلت الشرطة البريطانية يوم الجمعة الماضي رئيس التحرير المشتبه في دفعه أموالاً لضباط الشرطة مقابل الحصول على معلومات خلال فترة إدارته للصحيفة. وكان كولسون قد استقال في وقت سابق من منصبه كمساعد لرئيس الوزراء في شؤون التواصل، ولتجنب التداعيات السياسية على مسيرته، دعا كاميرون إلى فتح تحقيقات عامة للنظر في الفضيحة التي أطاحت بأكثر الصحف البريطانية توزيعاً وأوسعها انتشاراً. بيد أن الرهان الأكبر الذي يسعى مردوخ إلى كسبه في بريطانيا هو عدم تضييع فرصة شراء أكبر مؤسسة للبث متمثلة في «بي سكاي بي»، إذ يندرج قراره يوم الخميس الماضي بإغلاق «نيوز أوف ذي وورلد»، التي يمتد تاريخ صدورها إلى 168 عاماً، في سياق الحد من الضرر المحتمل على مساعيه المثيرة لشراء مؤسسة البث التي مازالت حالياً قيد المراجعة الحكومية. غير أن هذه الخطوة انتقدها كثير من المراقبين الذين اعتبروها «مناورة بلا ضمير» ستكلف فقدان 200 صحفي لوظائفهم، دون أن تؤثر على باقي أذرع الإمبراطورية الإعلامية وكبار مسؤوليها بمن فيهم نجل مردوخ (جيمس) وريبيكا بروكس المقربة من العائلة والمسؤولة الأولى عن «نيوز إنترناشونال» التي تدير الصحف والمحطات التابعة لمردوخ في بريطانيا. والأهم من ذلك أن هذه الخطوة على جسامتها قد لا تفيد كثيراً في التخفيف من استياء الرأي العام، لاسيما بعد ظهور أهداف جديدة كانوا ضحايا التنصت على هواتفهم النقالة مثل ضحايا جرائم القتل، والجنود الذين سقطوا في الحرب... هذا الغضب العام وسط المواطنين دفع السياسيين الذين كانوا يتوددون في السابق إلى روبرت مردوخ ويتجنبون إزعاجه، إلى التنديد به علانية في البرلمان. والمشكلة أن تداعيات الفضيحة لا تقتصر على الوسط الإعلامي في علاقته بالرأي العام، بل تمتد إلى جهاز الشرطة نفسه بعد التحقيقات الجارية حالياً بشأن تورط بعض الضباط في تلقي أموال مقابل تسريب معلومات. ومع ذلك جاء قرار مردوخ بإغلاق الصحيفة الأكثر مبيعاً في بريطانيا، مفاجئاً للجميع بمن فيهم موظفوها الذين شبه أحدهم النبأ ب«القنبلة النووية». وفي تعليق له على القرار قال مردوخ «إن الصحيفة التي كان من مهامها محاسبة المسؤولين وكشف تجاوزاتهم، فشلت في محاسبة نفسها»، محيلا إلى فضيحة سماح الصحيفة بقرصنة هواتف نقالة تخص مشاهير المجتمع والسياسيين وعائلة فتاة تعرضت للقتل، فضلا عن الجنود الذين سقطوا في أفغانستان، وكل ذلك جرياً وراء السبق الصحفي. وفيما كانت البوادر الأولى للفضيحة قد ظهرت منذ عام فإن خروجها إلى العلن واكتشاف خيوطها لم يأت إلا في الأسبوع الجاري بعد بروز تقارير إخبارية تتحدث عن استخدام «نيوز أو ذي وورلد» لمحقق خاص للتنصت على العلبة الصوتية لفتاة تبلغ من العمر 13 سنة وحذف بعض الرسائل، ما اعتبر تدخلا في تحقيق الشرطة التي كانت تبحث عنها، حيث عثر على جثتها في وقت لاحق ملقاة بإحدى الغابات. ومباشرة بعد اندلاع الفضيحة وتأكد تورط الصحيفة في التنصت على الفتاة القتيلة، سارعت مجموعة من الشركات إلى سحب إعلاناتها من الصحيفة احتجاجاً على ممارساتها، كما أن المشرعين من الأحزاب الثلاثة الرئيسية في بريطانيا تدخلوا لمطالبة الحكومة بإجراء تحقيقات ورفض محاولات مردوخ امتلاك «بي سكاي بي». هذا، ولن تؤثر كثيراً خسارة الصحيفة التي تستقطب ما قيمته 61 مليون دولار من الإعلانات سنوياً، مقارنة بمداخيل المؤسسة التي يرأسها «مردوخ» بأذرعها المنتشرة في جميع أنحاء العالم والتي تصل إلى 32 مليار دولار سنوياً. ويتوقع العديد من المراقبين أن يطلق مردوخ صحيفة أخرى بدلا من تلك التي أعلن عن إغلاقها، مرجحين أن تكون نسخة الأحد من صحيفة «الصن» التابعة له، وهو ما يؤكده جون بريسكوت، نائب رئيس الوزراء السابق قائلاً «إنها لعبة في الإدارة يتقنها مردوخ، فهو يضحي بالصحيفة لإنقاذ الإدارة العليا». وتتصاعد الضغوط على مردوخ لإقالة «ريبيكا بروكس» التي كانت رئيسة تحرير الصحيفة عندما قامت بالتنصت على هاتف الفتاة المختطفة في عام 2002، لكنها رقيت لتصبح المديرة التنفيذية لمؤسسة «نيوز إنترناشونال»، وظلت إحدى المقربات من عائلته. ومن الذين دعوا إلى إقالتها «إيد مليباند»، زعيم «حزب العمال» المعارض، قائلا: «لا أعتقد أنه بإمكان نيوز إنترناشونال» الانطلاق مجدداً، فيما بروكس على رأسها». عضوا هيئة تحرير صحيفة «لوس أنجلوس تايمز»