صدر أول ظهير حول النقابات المهنية في 24دجنبر 1936 م، غير أن هذا الظهير أعطى حق ممارسة العمل النقابي للمأجورين الأوروبيين فقط، وعلى مراحل، انخرط العمال المغاربة في العمل النقابي رغم هذا المنع. وبتاريخ 20 يونيو 1950م، تم تعديل هذا الظهير؛ وفي 20 مارس 1955م، تم تأسيس الاتحاد المغربي للشغل، حيث تم تعديل ميزان القوى لصالح الطبقة العاملة، مما أفضى إلى صدور ظهير 12 شتنبر 1955م، والذي نص بشكل صريح على مشروعية العمال المغاربة في ممارسة الحق النقابي. وبعد الاستقلال، صدر ظهير 16 يوليوز 1957م، وعقب ذلك صدر ظهير 29 أكتوبر 1962م، حول مناديب العمال، حيث أصبح هذا القانون يستعمل من طرف العديد من أرباب العمل للتضييق على العمل النقابي. وطوال هذه الفترة إلى حين صدور مدونة الشغل، ظلت النقابات تواجه عدة عراقيل لممارسة هذا الحق من طرف أرباب العمل الذين لا يرغبون بوجود النقابات بمقاولتهم، حيث كانوا يدعون بان القانون لا ينص على حق ممارسة العمل النقابي من داخل المقاولة أو المؤسسة، إذ يمكن في نظرهم ممارسة هذا الحق بعد خروج العمال من العمل وهو رأي مجانب للصواب. إذ لا داعي لممارسة هذا الحق إذا لم يسمح بممارسته داخل المقاولة أو المؤسسة، كما أن أرباب العمل ظلوا يفضلون التعامل مع مناديب العمال غير المنقبين، من خلال تنظيم انتخابات مزورة عن طريق التعيين وبتوقيع المحاضر من طرف مكاتب التصويت (التي تتكون من العامل أكبر سنا والأصغر سنا والأقدم في العمل ومدير الشركة) بالإكراه، وهي عملية يمكن القيام بها، إذا لم تكن النقابة موجودة بالمقاولة أو المؤسسة. ومن خلال هذه الممارسة الطويلة، تمكنت النقابات في الكثير من الأحيان من استغلال هذه الواجهة. حيث أصبحت تدفع بالمكاتب النقابية لكي تترشح لكسب صفة مندوب العمال، واستعمال الإمكانيات التي يوفرها هذا الظهير؛ ومنها منح ممثل العمال خمسة عشرة ساعة في الشهر قصد الدفاع عن حقوق العمال والسبورة النقابية والاجتماع مرة في الشهر مع إدارة المقاولة المعنية كلما دعت الضرورة لذلك، وتوفير مكتب لمزاولة المهام المتعلقة بقضايا العمال بالإضافة إلى الحصانة التي يوفرها هذا الظهير لمناديب العمال و أثناء مناقشة مشاريع مدونة الشغل. إلا أنه تم التوافق عليها، اخذ هذا الموضوع فترات طويلة من النقاش، حيث حاولت النقابات سد الثغرات التي كان يستغلها أرباب العمل للتضييق على حق الانتماء النقابي داخل المقاولات أو المؤسسات. وبعد المصادقة على المدونة، تم ادخال عدة تعديلات لحماية هذا الحق، ومنها : - ما جاءت به المادة 398، حيث نصت على ممارسة هذا الحق بشكل صريح والتي جاء فيها، (يمكن تأسيس النقابات المهنية بكل حرية، بغض النظر عن عدد الأجراء المشتغلين بالمقاولة آو بالمؤسسة، من طرف أشخاص يتعاطون مهنة أو حرفة واحدة، أو مهنا أو حرفا يشبه بعضها بعضا، أو مرتبطة بعضها ببعض، ومعدة لصنع منتوجات آو تقديم خدمات معينة، وفق الشروط المنصوص عليها في هذا القانون. كما يمكن للمشغلين والأجراء أن ينخرطوا بحرية في النقابة المهنية التي وقع عليها اختيارهم). - إعطاء السلطة للنقابة على مناديب العمال بإقالتهم ، إذا ما انحرفوا عن المهام المخولة لهم. كما نصت على ذلك المادة 435، حيث جاء في الفقرة الثانية منها (يمكن إنهاء مهمة مندوب الإجراء بسحب الثقة مرة واحدة فقط بعد مرور نصف مدة الانتداب بقرار مصادق على صحة إمضائه يتخذه ثلثا الأجراء الناخبين). - اعطاء الحق للعامل بالدفاع عن نفسه بحضور مندوب العمال أو ممثل نقابي يختاره بمحض إرادته في حالة اتهامه بارتكاب خطئ، وهو ما نصت عليه المادة 62، بخصوص وجوب الاستماع إلى العامل قبل معاقبته، بحضور ممثل العمال أو الممثل النقابي. وإذا رفض أحد الطرفين إجراء أو إتمام المسطرة يتم اللجوء إلى مفتش الشغل. وتلعب هذه المادة دورا ايجابيا في ايجاد الحلول الناجعة لنزاعات الشغل الفردية. أما فيما يتعلق بتعدد اجتهادات القضاء حولها فهو لا ينقص من أهميتها. - حق الاستشارة وإبداء الرأي عند تخفيض عدد العمال أو إغلاق المقاولات وفق ما تنص عليه المادة 66 . - المشاركة في وضع النظام الداخلي كما تنص عليه المادة 138 . - حق الاستشارة وإبداء الرأي عند وضع برنامج التوزيع السنوي لساعات العمل وفق ما تنص عليه المادة 184 . - حق الاستشارة وإبداء الرأي عند تخفيض ساعات العمل المحددة في شهرين في السنة على ألا يقل الأجر في 50 في المائة وفق ما تنص عليه المادة 185 . - حق الاستشارة عند وضع برنامج الساعات الإضافية وفق ما تنص عليه المادة 196 من مدونة الشغل وما تنص عليه المادة الثانية من المرسوم التنظيمي رقم 570.2.04 . - حق الاستشارة عند وقف الراحة الاسبوعية قصد انجاز أشغال استعجالية وفق ما تنص عليه مواد المدونة 211و212و214 . وما تنص عليه المادة الاولى من المرسوم التنظيمي 2.04.513 . - حق الاستشارة عند تنظيم العطلة السنوية وفق ما تنص عليه المادة 245 . - إقرار لجنة السلامة وحفظ الصحة كما نصت على ذلك المادة 337 . - إقرار لجنة المقاولة في المقاولات أو المؤسسات التي تشغل أزيد من خمسين عاملا. وفق ما تنص عليه المادة 464 . - اعتماد الممثل النقابي في المقاولات أو المؤسسات التي تشغل أزيد من مائة عامل، كما نصت على ذلك المادة 470 . - ويمكن إضافة بعض الحقوق عند صياغة النظام الداخلي، وفق ما تنص عليه المواد من 138 إلى 142 . - كما يمكن إضافة حقوق أخرى من خلال المفاوضة الجماعية. إذ يمكن التنصيص عليها عند إبرام اتفاقية الشغل الجماعية وفق ما تتضمنه مواد المدونة في هذا الباب. وأثناء انعقاد بعض اللقاءات العلمية، طرحت عدة تساؤلات وتخوفات من بعض الأساتذة المختصين حول حجم المقاولات التي يتم فيها تكوين لجنة المقاولة آو تلك التي يتم فيها اعتماد الممثل النقابي، وهو ما استطاعت الأطراف أن تتوافق عليه. وحول إمكانية حدوث تناقض بين الهياكل النقابية فيما بينها أثناء مزاولة مهامها وفق الآليات التي جاءت بها المدونة. إلا أن الواقع، يؤكد أن هذه التخوفات لا وجود لها، وأن النقابات تدير أمورها بشكل طبيعي دون أن يقع أي تناقض بين هياكلها. كما يتبين، أن المقتضيات التي جاءت بها المدونة في هذا الجانب، أعطت إمكانية ممارسة هذا الحق النقابي داخل المقاولة أو المؤسسة بشكل أفضل بكثير عما كان عليه قبل صدورها. والمطلوب فقط أن يتم احترام هذه المقتضيات وتفعيلها بجميع المقاولات والمؤسسات.