خمسة أيام من الاحتفال بالتراث الموسيقي المغربي عاشتها مراكش في إطار الدورة 46 للمهرجان الوطني للفنون الشعبية الذي نظمته مؤسسة مهرجانات مراكش من 29 إلى 3 يوليوز الجاري . جديد دورة هذه السنة تمثل في إقامة قرية للفنانين، راهن المنظمون عليها لتكون فضاء مفتوحا للتفاعل الفني والتشارك الثقافي باحتوائها على ثلاث خشبات للعروض. أتاحت للجمهور فرصة الالتقاء المباشر مع الفنانين والتواصل معهم ومشاركتهم في إبداع الفرجة بمنطق منفتح يكون تقاسم الفرح والمتعة قيمته الأساسية. وربح المهرجان في دورته الأخيرة، التي تنعقد بعد 51 سنة من الدورة التأسيسية ((1960 رهان الاستمرارية بعد تغيير الطاقم المسير للمؤسسة وحلول فريق جديد كان هاجسه الأكبر توسيع أفق هذه التظاهرة التي تعتبر أعرق مهرجان وطني والوصول بها إلى الدورة الخمسين، بما تحمله من رمزية تؤشر على احترام خاص للثقافة المغربية في منابعها الأصيلة الملتحمة بالحياة وبتنوعها وقوتها وخصوبتها. وشكل العرض المركزي الذي بنى تصوره الفني المخرج عبد الصمد دينيا بالفضاء التاريخي قصر البديع الذي أضحت رمزيته غير منفصلة عن روح المهرجان، منفذا نادرا للحصول على لوحة متكاملة لأشكال مختلفة من التعبير الفني والموسيقى ببلادنا المغروسة في تقاليد السكان وثقافتهم بالجبال والسفوح والصحاري من الشمال إلى الجنوب ومن الغرب إلى الشرق. وهو ما جعله لحظة ثقافية ذات قيمة كبرى ليس فقط بمقياس تعريف الأجانب بتنوع هذا الإرث الحي، وإنما لجعل المغاربة أنفسهم على صلة بذواتهم وعمقهم الروحي والثقافي الممجد للفرح بتلقائية والمقدس للحياة والحب والتسامح والجمال. في هذا العرض لا يستأنس الجمهور فقط بإيقاعات تؤدى وأهازيج تغنى، وإنما بجمالية خاصة في الرقص ورونق مبهر في الأناقة. ليكشف أن هذا التراث الحي هو في عمقه احتفاء جمالي بالحواس في مختلف أبعادها. فما كانت تهدف إليه هذه الدورة، كما قال مدير المهرجان محمد نايت مبارك، هو أكبر من النجاح والتفوق، وذلك بإشراك أفضل الفنانين الشعبيين في كل منطقة من مناطق المغرب، حيث كل الفرق المشاركة تتنافس كل ليلة لتقديم مواهبها الحقيقية المدهشة لعين الجمهور. وبموازاة مع العرض الرئيسي بقصر البديع منحت المؤسسة المنظمة الجمهور المراكشي عروضا متنوعة لفرق ذات شهرة وشعبية كبيرتين أمثال جيل جيلالة وتشنويت وعبد الرحيم الصنهاجي وأولاد البوعزاوي وروزيلوا فيجي والداودية وطبول بروندي وحميد القصري والستاتي وفرقة الغجر من الهند وسعيد مسكر ... أسدل الستار عن دورة أخرى من دورات المهرجان الوطني للفنون الشعبية بمراكش لتضيف إلى التراكم الذي حققه هذا الحدث الفني أحلاما بمذاق التحدي، ورهانات تستدعي المزيد من الإصرار من أجل صنع المتاح والمستحيل ..