بين عاصمتين، الدارالبيضاء الاقتصادية والرباط الادارية, بين ثلاث جهات تشكل ثقل المغرب سكانيا وإقتصاديا وفلاحيا... هي بوزنيقة ،المدينة التي تتربع على مرمى حجر من الشاطئ الاطلسي .توجد على رصيفي أقدم طريق وطنية بالمغرب والتي تحمل رقم 1 .وحين شقها الاستعمار الفرنسي قبل 100 سنة بالضبط ،كانت بوزنيقة مجرد دور متناثرة أغلب ساكنيها جاؤوا من عمق المغرب ,من أقصى الجنوب الشرقي للبلاد. في بوابة بوزنيقةالجنوبية ،نظم الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية مساء أول أمس مهرجانا شعبيا شرح فيه موقفه من مشروع الدستور الذي سيصوت عليه المغاربة يومه الجمعة.إختارت قيادة الحزب أن يكون وفدها متنوعا يضم أعضاء من المكتب السياسي والمجلس الوطني ومن شباب ونساء ومثقفين وحقوقيين ...في المنصة التي لفت بألوان العلم الوطني كان هناك فلاحون جاؤوا من عمق تخوم الدائرة التي تمتد من تنارة إلى بن سليمان والمحمدية.ووسط هذه «الفسيقساء »السوسيومهنية, جلس الكاتب الاول للحزب عبد الواحد الراضي والنائب البرلماني رئيس الفريق الاشتراكي أحمد الزيدي . قبل محطة شرح مضامين مشروع الدستور ، عاش المهرجان 100 دقيقة مع «أعبيدات الرمى» بأهازيجهم وأغانيهم التي تتميز بها المنطقة, شأنها شأن مناطق الشاوية وجوارها .ولتقديم كلمات المتدخلين اختار المنظمون طفلة في نصف عقدها الثاني لترسم مساراتهم النضالية وتلخص عطاءاتهم في حزب القوات الشعبية الذي أسسه قائد وطني ينتمي للمنطقة .إنه عريس الشهداء المهدي بنبركة الذي استنشق في اللحظات الاولى من حياته هواء الزيايدة وبالضبط دوار بركة . كان ذلك سنة 1920وفي البوابة الشمالية للمدينة قرب واد الشراط تعرض لمحاولة إغتيال سنة 1962وهي واحدة من عدة محاولات استهدفته قبل أن يختطف ويغتال بباريس في 29 أكتوبر 1965. لبوزنيقة حضور قوي في الذاكرة الاتحادية ، كان لابد من استحضار بعض جونبها في هذا المهرجان ,فالمدينة تعد عاصمة لدائرة انتخابية انتفضت ضد الفساد الانتخابي وناهضت مرشحي الدائرة التي كان يقودها وزير ارتبط إسمه بأقصى وأقسى درجات تزوير الاستحقاقات,إنه إدريس البصري الذي ترك بصماته السوداء على ثمانية انتخابات جماعية وتشريعية, حيث أنتج النظام مؤسسات بلامصداقية عاكست إرادة الشعب المغربي. في الاقتراع العام المباشر ليونيو 1993نزلت «أم الوزارات» بكل ثقلها كي تسلب مقعد الاتحاد الاشتراكي بمجلس النواب عن دائرة بوزنيقة ، وتهديه لأحد مرشحيها . لكن أبناء المدينة وجماعاتها استطاعوا بفعل انتفاضتهم إلغاء الهدية وفرض إعادة الانتخابات التشريعية , ولنتذكر ذلك العنوان الذي صدر وقتها بجريدة الاتحاد الاستراكي :«في بوزنيقة اغتالت السلطة إرادة الناخبين - السكان يتوجهون إلى القصر الملكي بالصخيرات للتنديد بعمليات التزوير- عشرات الجرحى والمعتقلين بسبب هجوم قوات الامن». لذلك هي قلعة النضال التي تحدى فيها سكانها السلطة ، في وقت كان مجرد التعبير عن الرأي مغامرة كبرى تقود إلى المحاكمة وإلى السجن .وقد أدى العشرات من شباب بوزنيقة هذه الضربية .ولم يفت كاتب الفرع عضو الكتابة الاقليمية عبد الرحمان المالكي الاشارة إلى ذلك. في كلمته اختار عبد الواحد الراضي أن يتحدث عن 10 قضايا تفسر موقف الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية من مشروع الدستور. مشيرا في البداية إلى أنه «لو كان الشهيد المهدي بنبركة على قيد الحياة لكان معنا اليوم يترأس هذا المهرجان ...لكن نقول لعريس الشهداء : نم مطمئنا ،فالمغرب اليوم يسير في الطريق الذي ناضلت من أجله...». توقف الراضي عند محطات تنظيمية إتحادية من أجل دستور يدمقرط المغرب . فهناك في جنوببوزنيقة انعقد بالدارالبيضاء المؤتمر الرابع للإتحاد الإشتراكي في 1984 الذي نص بيانه الختمامي على مطلب «مراجعة الدستور مراجعة شاملة تستهدف تحويل نظام الحكم في بلادنا من ملكية رئاسية مخزنية (...) إلي ملكية برلمانية دستورية ديمقراطية تتحمل فيها الحكومة وكافة أجهزة التسيير والتنفيذ مسؤوليتها كاملة أمام ممثلي الشعب الحقيقيين ويتولى فيها الملك رئاسة الدولة كحكم فوز الاحزاب والطبقات». .وفي قلب بوزنيقة إنعقد سنة 2008 المؤتمرالثامن الذي طالب ببناء ملكية برلمانية . وفي شمال المدينة بالرباط صادق المجلس الوطني للحزب على مذكرة من أجل التعديلات الدستورية والاصلاحات السياسية قدمها الكاتب الاول عبد الواحد الراضي إلى جلالة الملك في 8 ماي 2009. توالت كلمات المتدخلين، تحدثت بإسم النساء الاتحاديات عضو الكتابة الوطنية فتيحة سداس ،والشبيبة الاتحادية عضو مكتبها الوطني كمال هشومي . توج أحمد الزايدي المهرجان بكلمة استحضرت بعضا من تفاصيل معارك الديمقراطية بالدائرة .وكيف أن آلة التزوير وبنية الفساد عبثت بإرادة أبناء وبنات بوزنيقة وجماعاتها .لكن إصرارهم كان أقوى وعزيمتهم كانت أصلب.وفي كل إستحقاق تصطدم إرادتان :إرادة الصف الديمقراطي ممثلة في الاتحاد الاشتراكي، وإرادة «الشناقة»(وهنا في بوزنيقة تم إبداع هذا المصطلح ) الذين تعددت لبوسهم وسط الادارة وتجار الانتخابات. حين تتجول في المدينة تقف على نتائج هذا الفساد الذي انتهجه تحالف المال المشبوه وأطراف من السلطة.تبدو بوزنيقة تائهة في توسعها العمراني ،هشة في بنياتها التحتية ،ضحلة في مرافقها الاجتماعية .فالبرغم من أنها عرفت أول تصميم حضري سنة 1952،إلا أنها عاشت طيلة نصف قرن تحت رحمة جشع مضاربين عقاريين وعشوائية مخططات رسمية.تارة تخطو مسرعة عبر تجزئات تحادي الطريق المتجهة إلى بنسليمان، وتارة تتثاقل في خطوها وهي تتسع على رصيف الطريق الوطنية رقم 1. بوزنيقة تبدو كذلك كمتاهة ،يصعب عليك العبور من شريان إلى شريان .أزقة بلا مخارج أو امتدادات متربة ،أحياء سكنية بلا إنسجام مجالي أوفضاءات تكسر كتل الإسمنت . ويخال إليك أن مقترفي هذه الجرائم العمرانية زوروا إسم المدينة ليصبح «بوخنيقة» بدل بوزنيقة بهول هذا النسيج المتباين . لقد سعت السلطة إلى تسييج التجربة المضيئة بالدائرة والمتمثلة في تسيير الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية لجماعة الشراط المجاورة لبلدية بوزنيقة منذ أكثر من ربع قرن . ونصبت في المجالس السابقة للمدينة مكاتب أنتجت فضائح وإختلاسات ومحاكمات عند كل ولاية من الولايات الجماعية السابقة والحالية ، وكأن بوزنيقة لاتستحق مجلسا جماعيا في مستوى سكانها يهتم أساسا بتطلعاتهم في مدينة تتوفر على مقومات المدينة. ...في كلمات وفد الاتحاد الاشتراكي للمهرجان [الذي كان الحضور فيه حاشدا] كانت هناك نقطة مشتركة شددت عليها تلك الطفلة التي قدمتهم للحاضرين :الامل في المستقبل. وسكان بوزنيقة تشبثوا دائما بالأمل ...وحولوه إلى حقيقة . ولن يخيب أملهم في أن يخرجوا مدينتهم من المتاهة.