تواجه التجارة الخارجية المغربية مفارقة غريبة، فبينما ينفق المشرفون على «مغرب التصدير» بسخاء على تنظيم السفريات لمختلف أنحاء العالم تحت ذريعة إنعاش الصادرات المغربية تأبى الوقائع والمعطيات الرسمية إلا أن تؤكد أن الفوارق بين قيم الصادرات والواردات تتفاقم وتنذر بتدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية إلى مستويات يصعب التكهن بمخاطرها. أولى هذه المعطيات تضمنتها تقارير بنك المغرب التي حملت تراجع الموجودات الخارجية ما بين 16 و 22 يونيو 2011 بمعدل 1.2 % مقارنة مع نهاية دجنبر 2010، أما جاري هذه الموجوات البالغ 171.3 مليار درهم فسجل تراجعا بمعدل8.7 % ، وإلى حدود نهاية أبريل 2011 كانت الموجودات الاحتياطية لبنك المغرب قد تراجعت إلى ما يعادل تغطية كلفة 6 أشهر فقط من واردات المنافع والخدمات. أما قيمة صرف الدرهم ما بين 16 و 22 يونيو 2011 فتراجعت ب 0.13 % مقارنة مع الأورو وتحسنت ب 0.63 % مقارنة مع الدولار. ثاني هذه المعطيات صارت تتكرر باستمرار في التقارير الشهرية لمكتب الصرف، ويتمثل في تراجع معدل تغطية الصادرات للواردات، علما بأن المغرب شرع منذ أكثر من عشر سنوات في تنفيذ خيار التقليص من تبعية معدل النمو للتقلبات المناخية، وعلما بأن التساقطات المطرية المسجلة خلال السنوات الثلاث الأخيرة ساهمت بشكل كبير في رفع حجم وقيمة الصادرات الفلاحية، كما قلصت من مستوى واردات هذا القطاع. المعطى الجديد هو أن تكثيف الزيارات لمختلف العواصم الإدارية والاقتصادية العالمية رافقه ضياع لأحد الأسواق التقليدية الأساسية، ويتعلق الأمر بروسيا التي تعتبر من كبار مستوردي الحوامض المغربية، في حين أن تصدير الحوامض يساعد على تصدير خضر وفواكه أخرى لنفس السوق، ولو بكميات أقل. المعطى الثالث الجديد سيكون له كبير الأثر على المعطيين الأولين في التقارير المقبلة، ذلك أن المغرب الذي قطع أشواطا بعيدة في تنفيذ تكثيف الإنتاج الفلاحي الموجه للتصدير، وفق مقتضيات مخطط المغرب الأخضر، سيشرع عمليا في مضاعفة حجم إنتاجه الفلاحي الموجه للتصدير ابتداء من سنة 2013، فما لم تتم مراجعة سياسة إنعاش الصادرات رأسا على عقب، فإن الخطر الذي سيواجهه المغرب هو صعوبة تسويق الإنتاج الوفير بالشكل الذي يؤمن الاستمرارية في الإنتاج ويحول دون الاضطرار إلى مراجعة الأسس التي يقوم عليها مخطط المغرب الأخضر. لقد وعى مهنيو القطاع الفلاحي بمخاطر التسويق على مستقبلهم، ولذلك فإنهم بادروا إلى تأسيس فيدرالية القطاع الفلاحي كخطوة مساعدة على تبليغ آرائهم ومواقفهم للسلطات المغربية المعنية بالشأن الفلاحي، وهم يسعون بذلك إلى تأمين حضورهم، كصوت يعكس رأي القطاع، في جميع المفاوضات التي ستجري على الصعيد الدولي حول القطاع الفلاحي. لقد تخلى المغرب منذ سنين عن إخضاع نظام التصدير لاحتكار مكتب التسويق والتصدير، وبدل أن يكون التحرير محفزا على الرفع من حجم وقيمة الصادرات، فإنه تحول إلى سلاح يشهره المغاربة ضد بعضهم البعض في الأسواق الدولية ويجر الأسعار إلى أدنى المستويات. وإذا كانت بعض المجموعات الإنتاجية الكبرى قد وعت بالدور «الفولكلوري والتقليدي» ل «مغرب التصدير» وأسست هياكل خاصة بها لتأمين تصريف منتجاتها في بعض الأسواق الأوربية والأمريكية، فإن السواد الأعظم من الفلاحين الذين يعتمدون على التصدير لم يعودوا يطيقوا تعدد وتشعب الجوانب التي تحولت فيها مواكبة الإنتاج العصري إلى مجرد خطوة أولى لا تمثل إلا نسبة ضئيلة من مجموع الخطوات التي تفصل بين الإنتاج والبيع عند الاستهلاك. الخسائر التي يرتقب أن يتحملها مخطط المغرب الأخضر بفعل ضياع حصص من الأسواق الدولية التقليدية كالسوق الروسية، مرشحة للارتفاع نظرا للأزمة الاقتصادية التي تجتازها أوربا، ونظرا كذلك للجفاف الذي قلص إنتاج فرنسا المرتقب من الحبوب بحوالي 12 %، فما لم يتم إخضاع الصادرات المغربية لسياسة وطنية موحدة، يخضع فيها إنفاق المال العام لمعايير موضوعية تزاوج بين تكثيف وعصرنة الإنتاج الفلاحي وبين الصناعة التحويلية وبين مختلف خدمات التسويق بما في ذلك النقل واللوجيستيك والوساطة والخبرة القانونية، فبعد أن تأكدت محدودية التركيز على المشاركة في أكبر عدد من المعارض الدولية صار من الضروري طرح التساؤل عن حصيلة المرحلة التي صار المغرب يتوفر فيها على وزارة قائمة الذات متخصصة في التجارة الخارجية، ثم عن حصيلة «مغرب التصدير» الذي دامت عدة سنوات وكلفت خزينة الدولة ملايين الدراهم بالعملة الصعبة، فإذا كان رد الفلاحين على صعوبة الوضع التجاري قد تمثل في المبادرة إلى تأسيس فيدرالية توحد صفهم وتعمل على أن تكون المشارك الوحيد في جميع المفاوضات الدولية، فإن المنطق يقتضي من الوزارات المعنية أن تدعم هذا القرار بإجراءات تقوي القدرة التفاوضية للمغرب وترفع من مردودية الميزانية التي ترصد لإنعاش الصادرات، فبعد أن تحول ميناء الدارالبيضاء من جديد إلى فضاء واسع تستحوذ فيه الحاويات الفارغة على مساحات شاسعة، لم يعد من المستبعد أن تتراجع الموجودات الاحتياطية لمكتب الصرف إلى ما يقلص قيمة تغطية الواردات إلى ما دون 6 أشهر بالرغم من ارتفاع المديونية الخارجية، ومواجهة هذه المخاطر لن تتحقق بإخفائها وإنما بالتعجيل في مواجهتها عبر الاستعانة بكافة الخبرات والكفاءات الوطنية.