رغم أن الأعمال الفنية التي اختارها الفنان مصطفى السنوسي للعرض، في معرضه المقام حاليا بقاعة باب الرواح بالرباط، منجزة قبل 2010 في مجملها، إلا أنه مع ذلك، اختار كعنوان لهذا المعرض اسم «الربيع العربي»، وهي تسمية يصعب إسقاطها على اللوحات الفنية المعروضة مهما طغى اللون الأخضر والأحمر والأسود والأصفر على جلها. والحقيقة أن أعمال هذا المعرض لا يمكن أن تقرأ إلا كصيرورة لأعمال الفنان مصطفى السنوسي السابقة، ولنتذكر أن الفنان التشكيلي سبق له أن اشتغل على الحروف، لكن ليس كخطاط كاليغرافي، وليس على الحروفية كما نوَّعها الفنان مهدي قطبي أو عبد الله الحريري، وإنما الحرف، إذ يصير شكلا مغايرا لشكله الأصل، ومجرد مفردة مجردة، لدرجة نكاد نقول إن الفنان السنوسي وهو يجرد (من التجريد) الحرف، فإنه يجزئه ويشتغل بأشكال أجزائه، لذلك فإن لوحات معرضه الأخير تذهب بعيدا في تجريد الحرف بحيث تطغى مفردة «الهلال» على جل الأعمال، على اعتبار أن شكل الهلال، أو الجزء من الدائرة، يكاد يدخل كمكون وشكل أساسي، في جل الحروف العربية واللاتينية أيضا، مع العلم أن الحروف هنا - مع كل هذا التجريد - لا تبقى منتمية إلى أية لغة، باستثناء لغة التشكيل، لذلك، فكما تكون للموسيقى حروفها وأشكال حروفها الخاصة، فكذلك يسعى مصطفى السنوسي إلى أن تكون للتشكيل حروفه وأبجديته الخاصة بأشكالها الخاصة أيضا. ولأن أعمال الفنان السنوسي تقوم دائما على التكثيف والتداخل والامتلاء الذي يلتهم في الغالب خلفية اللوحة بالكامل - مع استثناء لوحات قليلة - فإنه يصعب على المرء أن يحصى عدد أشكال ومفردات اللوحة، لكثافتها وتشابكها وامتدادها سطحا وعمقا، مثلما يَعْسُر عليه أن يحصي عدد أغصان شجرة كثيفة بالعين المجردة وحدها. إننا إزاء أعمال الفنان مصطفى السنوسي نكون أمام لوحة دغل، تتراكب مفرداتها وتتداخل، لكن ألوانها الصارخة المتعددة تجعل منها حديقة طافحة بالجمال أو لنقل موسم ربيع بألوان مغربية، يوظفها عادة الصناع التقليديون الذين يشتغلون على زخرفة الزجاج التقليدي الفسيفسائي أو أولئك الذين يشتغلون على صباغة الخشب الذي يدخل في صناعة الأبواب أو الرفوف وبعض التجهيزات المنزلية من طاولات وغيرها، لذلك تكون الألوان هنا حاملة ثقافة، إذ تكفي أن تنظر إلى ألوان اللوحة، بعيدا عن أشكالها، لتقول إن هذه اللوحة مغربية مغربية.