موكوينا: سيطرنا على "مباراة الديربي"    موتسيبي: كأس أمم إفريقيا للسيدات المغرب 2024 ستكون الأفضل والأنجح على الإطلاق    الصويرة تستضيف اليوم الوطني السادس لفائدة النزيلات    ضمنهم موظفين.. اعتقال 22 شخصاً متورطين في شبكة تزوير وثائق تعشير سيارات مسروقة    مهرجان "أجيال" بالدوحة يقرب الجمهور من أجواء أفلام "صنع في المغرب"    طقس حار من السبت إلى الاثنين وهبات رياح قوية مع تطاير الغبار الأحد بعدد من مناطق المغرب        صادرات الصناعة التقليدية تتجاوز 922 مليون درهم وأمريكا تزيح أوروبا من الصدارة    الرئيس الصيني يضع المغرب على قائمة الشركاء الاستراتيجيين    افتتاح أول مصنع لمجموعة MP Industry في طنجة المتوسط    وهبي: أزماتُ المحاماة تقوّي المهنة    خبراء: التعاون الأمني المغربي الإسباني يصد التهديد الإرهابي بضفتي المتوسط    الإكوادور تغلق "ممثلية البوليساريو".. وتطالب الانفصاليين بمغادرة البلاد    المغرب التطواني يُخصص منحة مالية للاعبيه للفوز على اتحاد طنجة    حكيمي لن يغادر حديقة الأمراء    المحكمة توزع 12 سنة سجنا على المتهمين في قضية التحرش بفتاة في طنجة    ابن يحيى تشارك في افتتاح أشغال المنتدى البرلماني السنوي الأول للمساواة والمناصفة    بوريطة: المقاربة الملكية لحقوق الإنسان أطرت الأوراش الإصلاحية والمبادرات الرائدة التي باشرها المغرب في هذا المجال    من العاصمة .. إخفاقات الحكومة وخطاياها    مجلس المنافسة يفرض غرامة ثقيلة على شركة الأدوية الأميركية العملاقة "فياتريس"        "أطاك": اعتقال مناهضي التطبيع يجسد خنقا لحرية التعبير وتضييقا للأصوات المعارضة    لتعزيز الخدمات الصحية للقرب لفائدة ساكنة المناطق المعرضة لآثار موجات البرد: انطلاق عملية 'رعاية 2024-2025'    هذا ما قررته المحكمة في قضية رئيس جهة الشرق بعيوي    مندوبية التخطيط :انخفاض الاسعار بالحسيمة خلال شهر اكتوبر الماضي    فاطمة الزهراء العروسي تكشف ل"القناة" تفاصيل عودتها للتمثيل    مجلس الحكومة يصادق على تعيين إطار ينحدر من الجديدة مديرا للمكتب الوطني المغربي للسياحة    المحكمة الجنائية الدولية تنتصر للفلسطينيين وتصدر أوامر اعتقال ضد نتنياهو ووزير حربه السابق    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    قانون حماية التراث الثقافي المغربي يواجه محاولات الاستيلاء وتشويه المعالم    توقعات أحوال الطقس غدا السبت    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    ما صفات المترجِم الناجح؟    خليل حاوي : انتحار بِطَعْمِ الشعر    الغربة والتغريب..    كينونة البشر ووجود الأشياء    الخطوط الملكية المغربية وشركة الطيران "GOL Linhas Aéreas" تبرمان اتفاقية لتقاسم الرموز    المجر "تتحدى" مذكرة توقيف نتانياهو    رابطة السلة تحدد موعد انطلاق الدوري الأفريقي بالرباط    بنما تقرر تعليق علاقاتها الدبلوماسية مع "الجمهورية الصحراوية" الوهمية    مفتش شرطة بمكناس يستخدم سلاحه بشكل احترازي لتوقيف جانح    القانون المالي لا يحل جميع المشاكل المطروحة بالمغرب    "سيمو بلدي" يطرح عمله الجديد "جايا ندمانة" -فيديو-    بتعليمات ملكية.. ولي العهد يستقبل رئيس الصين بالدار البيضاء    العربي القطري يستهدف ضم حكيم زياش في الانتقالات الشتوية    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    تجدد الغارات الإسرائيلية على ضاحية بيروت الجنوبية عقب إنذارات للسكان بالإخلاء        تفكيك خلية إرهابية لتنظيم "داعش" بالساحل في عملية مشتركة بين المغرب وإسبانيا    الولايات المتحدة.. ترامب يعين بام بوندي وزيرة للعدل بعد انسحاب مات غيتز    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كتابات طالع السعود الأطلسي وأزمة خطاب اليسار
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 16 - 06 - 2011

دون الدخول في تفاصيل تهجرها الملائكة والروح فيما كتبه الأستاذ طالع السعود الأطلسي في مختلف حلقات «فواصل الأيام» بجريدة الاتحاد الاشتراكي، وبصرف النظر عن موقفه من حركة 20 فبراير الشبابية، بما هي حصيلة تراكم نضالي، ومحصلة تفاعل عوامل كثيرة، وبالتالي لم تولد بالفعل «في أنابيب الفايسبوك وأرحامه الافتراضية»، لكن ذلك لا يبرر ممارسة التخويف والتهويل من الحركة بحجة بعبع جماعة العدل والإحسان، ورفاق الأمس القريب من النهج الديمقراطي، والتركيز على الهامشي في مقابل المركزي، والثانوي على حساب الأساسي، والتفصيلي عوض الجوهري
ادريس جبري
- باحث في بلاغة الخطاب -
[email protected]
... من عاش تجربة جريدة أنوال المجيدة، بهذا القدر أو ذاك، ومن أي موقع من مواقع فوران الطلبة المحسوبين على اليسار والتقدمية، والملتمسين لطريق التغيير الحالم من مرجعية الماركسية- اللينينية، بتلاوينها وقتذاك، يدرك كم كانت رائعة وصادقة تلك التجربة، ورائعون من صنعوها وقادوها ونظروا لها في أجواء صعبة وحارقة، جنبا إلى جنب مع باقي قوى اليسار الأخرى في تناغم وتكامل كان لها ما بعدها مما يعتمل اليوم في المجتمع من حراك مبارك نريده ديمقراطيا وحداثيا...
ومناسبة هذه الالتفاتة السريعة والعابرة لتجربة رائدة راجع إلى حصيلة قراءة مواظبة لمقالات أحد صانعي تجربة أنوال، ورفيق من رفاقها العتاة الذين خطوا طريقها، ب «مداد دافيء» سيال، وعمقوا مجراها بصدق وإصرار، ومن موقع الواجهة والمسؤولية. إنه الرفيق وقتذاك، والأخ اليوم: طالع السعود الأطلسي، رئيس تحرير جريدة أنوال، وواحد ممن صنعوا أفق انتظارات جيل، السياسية والثقافية، وأنا واحد منهم، وكانوا موقنين أن +النظام المخزني الرجعي»، لا محالة زائل في أفق منظور، مع من يسنده ويرعاه، مما كنا حينها «نتشدق» بوصفهم، بفخر وصدق، «الإمبريالية الأمريكية وربيبتها الصهيونية،« وإن كنا وقتها لا نستوعب تلك المفاهيم ولا مرجعيتها إلا بشكل ضبابي وهلامي...
غير أن هذه الصورة المشرقة والعفيفة لتجربة أنوال التي صنعتها فئة وطنية رائدة، شكلت أفقها النضالي، وعلى رأسها المناضل الوطني الكبير: سعيد أيت إيدير، وثلة من رفاقه ما يزالوا لعهد التجربة أوفياء، وما بدلوا تبديلا؛ بدأت تتعرض لبعض الخدش و»الاهتزاز»، من بعض رموز صناع هذه التجربة نفسها، في لحظات معينة، سواء من خلال فئة شابة متحمسة ومندفعة، على هامش الأحزاب السياسية، وفي لُجة الحِراك الطلابي، وأوج الحرب الباردة بين المعسكر الرأسمالي والاشتراكي، فدفعت ضريبة هذا الحماس والاندفاع بالاعتقال ومآسيه، وقضت فيه ما قضت، فندمت على ما صدر منها واعتذرت، وحسن اعتذارها فانخرطت في «الحضرة المخزنية» (العمري، ص27، منطق رجال المخزن) انخراط استغراق، وسَهُل عليها النسيان...
وفئة ثانية كذلك من الشباب، انخرطت في الحراك الجامعي، وانتمت إلى حزب يساري معين، أو انخرطت في إحدى فصائله، بهذا القدر أو ذاك، واعتقلت لسبب أو لآخر، فيئست واستسلمت وقررت، في وقت مبكر، أن تستدرك ما ضاع منها في أيام من عَدس وغبن، دون التفريط في الانتساب لإرث اليسار، وظلت تترقب وتنتظر وترسل الإشارات تلوَى الأخرى، وبل وتكثر «من الإحالات على السياسة الرشيدة» (العمري، منطق رجالات المخزن، ص 108) ...
ثم فئة ثالثة محسوبة هذه المرة على المثقفين، وقريبة من دائرتهم، وفي الوقت نفسه لها انتماء حزبي فعلي، وقناعة سياسية ومذهبية تدافع عنها، قدمت من أجلها ضريبة اعتقال ثقيلة، واعتبرت «العهد الجديد» مناسبة تاريخية، إما للتكفير عن مرحلة كانت تراها «طائشة»، وما يشترطه ذلك من استدراك ما ينبغي استدراكه، وإما فرصة لمقايضة التاريخ النضالي والكفاءة الثقافية والفكرية ببناء «حلم» سابق، أصبحت تربته، في نظرها، مهيأة تماما بعد انخراط اليسار المعارض في تدبير الشأن العام تحت عنوان «التناوب التوافقي» أو «الانتقال الديمقراطي».
(..) لقد شعرت بأن خدش تلك الصورة «الطاهرة» قد بلغ مبلغه في مقال نشرته جريدة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، في صفحتها الأولى، وفي ركن فواصل الأيام، يوم السبت 07 ماي 2011، حمل عنوان:»في الذكرى الأولى لوفاة الأستاذ عبد العزيز بلفقيه»، بتوقيع الأخ: طالع السعود الأطلسي.
لقد بدأ الهَرَمُ يتسلل بالفعل إلى ُحرمة شبابنا الجسدي، وفَعَل الزمن فعله في تضاريسه، وتهيأت أسباب تغيير عقارب الساعة، مع تغير حراك التاريخ الكوني والمحلي، ومعه تغيرت رؤانا للراهن السياسي والإيديولوجي، ولأفق مستقبل وطن ما عرفنا سواه، وهذا من سيرورة الحياة؛ لكن، مع كل تلك التغيرات المطلوبة، ومنطقها الطبيعي، ظلت معالم الخريطة بارزة، وحدود التحرك ثابتة، وثقل التجربة قائم؛ وظل الأفق أفقا ما بدلنا فيه تبديلا، وما ينبغي.
بهذه القناعة البسيطة والواضحة كنا «نلتهم» كل ما كان يكتبه الأخ الرفيق السعود الأطلسي، وب»مداده الدافئ»( إحالة على عموده في جريدة أنوال، وكان عمودا مميزا) في زمن الفرز الأكبر، وبنفس الدفء والحماس كنا نتابع ما يكتب في مرحلة أخرى ومن خلالها نقيس درجة «شباب الفكر»، وثبات الموقف، ووضوح الأفق الموعود، ونتبعها بالسؤال تلوى السؤال: هل ما يزال مداد الأخ الرفيق «دافئا» يتحرك في أفق الخط السياسي والمبدئي لجريدة أنوال أم حصل انحراف في المسار، ووجب تغيير الموازين، وإعادة النظر في النظر؟؟
- 2 -
... دون الدخول في تفاصيل تهجرها الملائكة والروح فيما كتبه الأستاذ طالع السعود الأطلسي في مختلف حلقات «فواصل الأيام» بجريدة الاتحاد الاشتراكي، وبصرف النظر عن موقفه من حركة 20 فبراير الشبابية، بما هي حصيلة تراكم نضالي، ومحصلة تفاعل عوامل كثيرة، وبالتالي لم تولد بالفعل «في أنابيب الفايسبوك وأرحامه الافتراضية»، لكن ذلك لا يبرر ممارسة التخويف والتهويل من الحركة بحجة بعبع جماعة العدل والإحسان، ورفاق الأمس القريب من النهج الديمقراطي، والتركيز على الهامشي في مقابل المركزي، والثانوي على حساب الأساسي، والتفصيلي عوض الجوهري. فالحركة، ليست بعبارة الأستاذ الأشعري، بداية للتاريخ، ولا حتى نهاية له، ولكن حركة شبابية انتقالية شبيهة ب»الكتلة التاريخية» التي نظر لها الراحل الجابري (طليمات: في ذكرى رحيل الجابري...) ما تزال في طور النشوء والتبلور، مع ما يقتضي ذلك من مباركة الفكرة ودعمها، وانتظار فعل الفرز التاريخي... دون وصاية ونصح...
ودون الوقوف المفصل عند حالات تزيين وجوه رموز المخزن الجديد ، من خلالالدفاع عن شخص وزير النقل كريم غلاب ومؤازرته له وهو «وحيد معزول وأعزل في مواجهة عصيان لا يبرره منطق معقول»، ودفاعه اللامشروط عن مدونة سير عدت على عجل...
وحتى إن تجاوزنا استعداء الأستاذ طالع السعود للصحفي الشاب أبو بكر الجامعي على خلفية مقال نشره هذا الأخير في الأسبوعية الفرنسة: Le Nouvel Observateur، يعبر فيه عن وجهة نظره الخاصة حول ما يجري في تونس ومصر من حراك ثوري، مقارنة مع المغرب؛ وهو ما رفضه الكاتب طالع، واعتبره قراءته سطحية وشاردة، (الاتحاد الاشتراكي، 31/01/2011) .
وحتى إن تفهمنا بعض دواعي دفاع الأستاذ طالع السعود عن السياسة ممن يُنَفّرون منها، وعلى رأسهم، في تقديره، البرلماني مصطفى الرميد ونقد موقفه لما هدد بالاستقالة من البرلمان بدعوى «تأجيل إعذار أطفال وعدم رد مسؤول على رنين هاتف النائب بالرلماني»؛ فيصعب، على كل حال، فهم خطاب التهليل والتبجيل والتفخيم الذي تحدث به عن «مسيرة الدار البيضاء ...
وكذا تفاؤل الأخ الرفيق غير المؤسس باللجنة الملكية للإصلاحات الدستورية التي «يرأسها الأستاذ عبد اللطيف المنوني، الفقيه الدستوري و»خريج جامعة» حزب الاتحاد الاشتراكي، مع أن عددا من خريجي هذه «الجامعة» وبعض الملتحقين بها والزائرين لها سرعان ما يتنكرون لقيمها في أول امتحان متاح، فينقطعون عن الحزب نهائيا، ناهيك عن توجهه واختياره (العمري، منطق رجالات المخزن، ص108/109)، بل قد يستبدلونه بسهولة، على غرار بعض «خريجي الجامعة الاتحادية»....
ناهيك عن تنبؤاته الجامحة، وهو يعتبر خطاب الملك ليوم 09 مارس 2011، «خطاب قائد ثورة هادئة مستمرة منذ عقد من الزمن، بل و»ثورة عابرة للتاريخ، ومشتعلة في الجغرافيا»، بل ويراه، بعباراته خطابا «يسن للمغرب «مدونة سير في التاريخ» جديدة تراعي «التشوير» الكوني للديمقراطية»، دون تحفظ في العبارة والموقف، ودون حفظ حق الرجوع؛ وهو الكاتب المثقف، والسياسي اليساري المكتوي بنار سياسات المخزن ورجالاته، والخبير بتقلباته في التاريخ والجغرافيا... فأحرق بذلك سفنا ليست له وحده، وأصبح مطوقا بذلك وحده، بمصير ما ستؤول إليه تلك «الثورة الهادئة العابرة للتاريخ» إذا انحرفت أو انتكست، لا قدر الله...
- 3 -
.... ويبقى ما ورد في المقال المذكور أعلاه، للأخ الرفيق طالع السعود:»في الذكرى الأولى لوفاة الأستاذ عبد العزيز بلفقيه»، تتويجا رسميا لخطاب «مديح الظل العالي»، ومؤشرا على أزمة خطاب اليسار، مما يستوجب التأمل، والتعجيل بتشخيص أعطاب خطاب اليسار المغربي، ومعالجة عاهاته ب»المداد الحار» الصاخب، إن اقتضى الحال ذلك...
بالتأكيد من حق الأستاذ طالع السعود أن يسعد بصداقة شخص من قامة ونفوذ المستشار الملكي الرحيل مزيان بلفقيه، ومن حقه أيضا أن يتباهى بمعرفته الحميمة «للعميد» كما يُتُداول في كواليس الديوان الملكي، كما من حقه الطبيعي أيضا كشخص أن يتقاسم معه ما يشاء من «لحظات الترفيه الإنساني»، وطرق الاستمتاع بها.
ولا نرى سببا للاعتراض إذا سرَّ له الراحل بلفقيه نفسه رغبته الكبيرة في تولي «مسؤولية وزارة التعليم»، باعتبارها «قضية سكنت شغاف قلبه»، ولا مبررا للتشكيك في حضور الراحل في قلبه، وقلب كل «محبيه ومعزيه وموقريه»، ولا يعنينا في شيء أن يقاسمه الرفيق طالع جدية «لعب الورق»، أو أن يواظب «الحضور معه على صباحات الكولف»، ولا حتى أن يعرف مقدار بره بوالدته، ودرجة سعادته بمكالماتها الهاتفية، وجدية حبه لبلدته «تاوريرت التي يفضلها عن سواها من مدن الإقامة والعمل»... كل ذلك، وغيره مما يدخل في صميم الشخصي والحميمي ويستحسن البوح به في سيرة ذاتية، لها مجالها ولها متطلباتها.
ولا يضرنا في شيء كقراء أن نتفق مع الأخ طالع السعود أو نختلف معه شأن كل المتتبعين لسؤال الإصلاح في التعليم، عن حصيلة الراحل في الموضوع، وما آلت إليه منظومة التعليم، باعتراف الخطاب الرسمي نفسه، من اختناق مستحكم ، أو عن خلفيات إشرافه على تقرير الخمسينية، الذي صار «مرجعا» مؤسسا لحزب وافد ، لكن، عندما يتعلق الأمر بموقع المسؤولية الحزبية والثقافية والرمزية والتاريخية، فمن حق قارئ تشكلت خريطته الثقافية في أجواء خطاب اليسار، وتكونت شبكته القرائية من مرجعية النقد والمساءلة، أن يستنفر خطاطاته الثقافية والفكرية والمذهبية لفهم ما يجري من حوله..
هل هناك مبرر لخطاب الإطراء والمديح؟ ولماذا أصبح يساريون، يمعنون في إنتاج خطابات إقماعية لأصوات مبحوحة مقموعة لزمن طويل؟ ولماذا يتفننون، في تدبيج خطاباتهم في مديح «الظل العالي»، ومن مواقع مختلفة، ولماذا تحولوا من نقاد سياسية المخزن ومأزميها، وقد اكتووا بنارها إلى «مداحي السياسة الرشيدة»(العمري، منطق رجالات المخزن، ص 11)؟
... لم يكن الأستاذ الراحل بلفقيه، منتميا إلى حزب الاتحاد الاشتراكي، وما ينبغي له، ولا كان مناضلا في حزب يساري، أو حتى متعاطفا معه، وما يستقيم له، ولا قرأنا عنه في صفحات تاريخ المقاومة وجيش التحرير، ولا كان مع القوات الشعبية في لحظات الفرز التاريخية...؛ حتى نحي ذكراه في جريدة القوات الشعبية، وبأقلام الاتحاد الاشتراكي، وعلى صفحات الجريدة ولسان حزب المهدي وعمر، ولكنه كان رجلا من رجالات المخزن النافذين، في التعيينات التي همت الإدارة المركزية والترابية لوزارة الداخلية ، وله دور بارز وحاسم في تعيين عدد من وزراء وهو ما سكت عنه الرفيق «المهدي الأنوالي» ( الاسم الحركي لطالع السعود أيام تجربة أنوال، وما يحملانه من دلالات تاريخية ونضالية عميقة)...
ليس المقام مقام التفصيل في مقال تسكنه شياطين بألوان الطيف في مرثية أحد أعمدة دولة المخزن، وكبير مهندسي سياستها الكبرى، ( وزير تقنوقراطي لمرات عديدة، ومستشار تنفيذي فوق العادة) ؛ ولكن مقام استنفار لإعادة رسم حدود خريطة القيم والمواقف في خطابات مثقفي اليسار وكتابه ومناضليه، وطالع السعود الأنوالي واحد من كبارهم...
- 4 -
(...) قد يكون خطاب رفيقه في تجربة أنوال النظيفة، وتوأمه في تلك اللحظة العفيفة، وفي ركن فواصل الأيام نفسه بجريدة الاتحاد الاشتراكي الأخ الرفيق: عبد الجليل طليمات، خطابا غير الخطاب، وموقفا غير الموقف، ونموذجا غير النموذج...
فما يزال الأستاذ طليمات يحتفظ بحرارة تلك التجربة، وما يزال مداد قلمه دافئا نَقَّاداً، يكتب ولا يلتفت إلى الوراء، ولذلك جاء خطابه في مختلف المقالات التي وقّعَها باسمه خطاب تشريح وتفكيك وتأزيم ومشاكسة للنسق، ويكفي الاطلاع أولا على مقال له بعنوان:»المدرسة العمومية: فشل أم مؤامرة؟»، وهو يشرح راهن المدرسة المغربية، ويفكك الآليات التي كانت وراء اختناقها، ويرصد الخلفيات التي ساهمت في «اغتيالها»(انظر تفاصيل الاغتيال في مقال: محمد الناجي:»المدرسة المغتالة»)، بل الأكثر من هذا، وبلغة نقدية وعلمية، يحمل مسؤولية فشل المنظومة التربوية إلى الوزير الحالي و»لجوءه إلى منطق المؤامرة السهل لتجنب التقييم الموضوعي لسياسة وزارته»؛ ثم الاطلاع ثانيا على مقال آخر بعنوان: «محمد عابد الجابري... وربيع الثورات العربية «، وهو يحي الذكرى الأولى للمرحوم، محمد عابد الجابري، وعميد الفكر المغربي والعربي بحق، وأحد قادة الاتحاد الاشتراكي، ومنظريه، وأحد الأقلام العفيفة والنظيفة، في سياق ربيع الثورات العربية، وحراك الشباب العربي الراهن «ضد الفساد والديكتاتوريات وتخلف السياسات العمومية...»، مقارنة بشباب هزيمة 1967»...
ما يعيشه المغرب اليوم من حراك اجتماعي وسياسي ودستوري مناسبة مواتية للحسم في الاختيارات الكبرى للبلاد، بمفهومه عند العروي، (مفهوم العقل، ص 363) والقطع مع التردد في سياسة المخزن، فلا مجال للحلول الوسطى تحت أي مبرر كان، إذا قرر المغرب أن ينخرط في التاريخ الإنساني الفاعل، ويلج نادي الديمقراطية في بعدها الكوني، وهي مسؤولية النخب السياسية والثقافية، والأستاذ طالع السعود الأطلسي واحد منهم، التي ينبغي أن تدفع في هذا الاتجاه حتى لا نضيع من جديد هذه اللحظة التاريخية، ونصبح على ما اقترفت أقلامنا ، ومواقفنا نادمين. فلعبة «طاقية الإخفاء»، مقلوبة أو غير مقلوبة، لم تعد تنطلي على أحد، فوجب بذلك الاختيار والحسم فالقطع مع قيم «خطاب الديكتاتور العربي» وسياسته، كما أوردها الشاعر الخالد: محمود درويش، في قصيدته الصامدة بنفس العنوان، وبلسان الديكتاتور نفسه،»وبتكليف منه، ونيابة عنه، وباسمه»، لأن الظرف التاريخي، بلغة الأستاذ العروي،»يفرض علينا أن نغامر ونتقدم في الحقول الملغومة» (العروي:السنة والإصلاح، ص:163)، مع تحمل مسؤولية ما يمكن أن يترتب عن ذلك كله مما ليس أحسن مما نحن فيه./.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.