{ تشهد بلادنا حراكا سياسيا غير مسبوق .. سواء على مستوى التداول أو على مستوى الفعل الاحتجاجي .. خطاب 9 مارس كان مدخلا أساسا لاستعادة نقاش سياسي كان نخبويا منذ سنوات بامتياز .. باعتبارك أحد الفاعلين السياسيين الذين خبروا دروب النضال وجربوا الاعتقال السياسي .. كيف توجزون وتعلقون على ما يقع اليوم..؟ ما يقع اليوم،وإن شكل عامل المناخ المحيط الشرط المساعد في إطلاق عقاله،هو ليس وليد اللحظة السياسية, بل وليد تراكمات بسلبياتها لجهة استفحال المعضلات وفشل حلولها التقنوية وسيطرة التردد والارتهان لابتزاز لوبيات لاتسوق غير وعود عرقوبية مقابل جني المغانم على حساب الدولة والمجتمع، وركوب الحلول السهلة أحيانا، لكنها ذات الانعكاسات الوخيمة على المديين المتوسط والبعيد، وصم الآذان عن القوى الميدانية لمصلحة التنظيرات والاستشارات المكتبية. وأخطر ملف بنظري في هذا الصدد هو الملف التعليمي/التكويني الذي أضعه من حيث الأولوية فوق قضية التشغيل بصورة معالجاتها الريعية الراهنة,لأن مواطنا مؤهلا بكفاءات عالية،يستطيع أن يوجد له فرصا حقيقية بل و آفاقا خارج وطنية في عالم معولم ،شرط اقتران تدبير الملف بصرامة الدولة في إنفاذ التزامات الشراكات التعاقدية . كما انه وليد تراكمات لجهتها الايجابية - وهذا ما يجب أن يفهمه شباب 20فبراير كما من يركب الخطاب الشعبوي البئيس لسلخ الذاكرة النضالية للشعب المغربي - فتاريخ المغاربة ،لمن يتخذ من التاريخ الوطني المتجذرعدوا،هو تاريخ انتفاضات مسلحة وغير مسلحة. ولنتأمل فقط تلك الحديثة منها الممتدة من انتفاضة الشاوية وانتفاضة الصحراء والأطلس المتوسط والريف إلى انتفاضة 1953 ثم انتفاضات مرحلة الاستقلال من 1956 ل 1965 و1981 و 1992 وسواء تعلق الأمر بالحقبة الاستعمارية أو ما بعدها، فحينما تصل السكين للعظم كما يقال ،كان المغاربة ينتفضون رفضا للضيم . غير أن لكل انتفاضة سياقها وخصوصياتها السوسيولوجية كما مطالبها المباشرة أو غير المباشرة، وكما قدم المغاربة تضحيات في نضالهم الوطني ضد الاستعمار قدموا أيضا شهداء وشهداء أحياء، وأرامل وأيتام وأمهات ثكالى لبناء المغرب الحديث. ومهما اختلفت المقاربات والوسائل, ومهما نضجت سبل إدارة الحراك الاجتماعي فلا يجب أن ننسى أن مساحة الحرية والتعبير والنضال العام والقطاعي وحتى الفردي أو الفئوي التي اتسع هامشها لمستوى رهان الكثيرين في لحظة ما على انتقال ديمقراطي حثيث وسريع،لم تكن منة ولا منحة من السماء ولا كانت ثمرة من يناصبون العداء للقوى الوطنية الديمقراطية الحداثية ممن همهم اليوم سلخ الذاكرة النضالية للشعب المغربي, كما لو كنا ننطلق من الصفر ولم نراكم غيره منطلقا. وهؤلاء هم صنفان : حينما كان يناضل شباب المغرب طيلة عقود كانوا يفضلون التموقعات المصلحية، ويمتهنون المشي بجانب الحائط مخافة أن يشتبه بهم في شبهة نضالية ما في ظل سيادة ظهير كل ما من شأنه، والنوع الثاني معروف كيف كان يمتهن لعهد قريب اعتراض المناضلين ويحرض عليهم ، وأدنى الأحوال أن يخرجهم من دائرة الإيمان ليطوق قدرتهم على الحراك المجتمعي لشلها. فلمصلحة من لعب كل هذا؟ لننظر للنتائج من حيث اختلالات موازين القوى تجد أن ما من مستفيد عدا إضعاف الصف الديمقراطي والمد الحداثي لمصلحة تسييد قوة المحافظة وهيمنة خطاب الكراهية والدجل باختلاف درجات حدته. إن شعبا لا ذاكرة له ،لامستقبل له،ولننظر للشعب الأمريكي كشعب حديث كيف يبني ويرسخ مشتركه الجمعي في إطارها برغم ما تحمله من جراحات مشينة موشومة بالإبادة والعبودية. إن هذا التذكير الاختزالي كان ضروريا ،والمناسبة شرط،لتبيان أهمية انطلاق من التراكمات وخطر الانزياح نحو النظرة العدمية، ومن هنا نفهم سياق الضربات التي تعرضت لها السياسة بمفهومها النبيل من حيث هي اعتناق لقضية المصلحة العامة و خدمتها ،وكيف فرض على الناس الاهتمام بالشأن الوطني بعيدا عن المنازلات الفعلية ،من حيث هي انتظام مدني وسياسي وضغط ايجابي لصيانة الإرادة الشعبية ومراقبة لصيقة لما تفرزه من مؤسسات يديرها بشر معرضون لشتى الانحرافات،استسلاما لليأس من التغيير أو ارتهانا للنزعة المهدوية الاتكالية أو لأنهم جوبهوا بقوة طاردة من الأحزاب والنقابات والجمعيات يهيكلها ما استشرى في الجسم السياسي والمدني من انحرافات وضعف تأهيل وانعدام آليات استقبال وسوء إدارة بلورة القرار وتصريفه وما هو لصيق به من سوء تدبير الاختلافات وتحويلها لمكمن قوة لا مكمن تصدع.وما لكل ما سلف من تأثير على درجة مشروعية المؤسسات المنتخبة الوطنية منها والمحلية . وانتفاض الشباب،في ثورته الهادئة هاته، برغم كونها تنتقد كل شيء وتطمح لتغيير أي شيء لاتخلو من عقلاء ومتزنين،أمر يجب أن يكون مرحبا به ولا يواجه كما ووجه بداية الأمر بالتخوين والتسفيه والطعن في حسه وانتمائه الوطني.إذ برغم كل الانزياحات الخطابية اللفظية،فهي تعبير عن طموح لمستقبل أفضل،وتعبير عن مواطنة تعتبر نفسها معنية بقضايا الوطن والمواطنين،وأنها شريكة في صياغة المصير،إنها عودة الشباب للسياسة في مجتمع لا يزال أصلا في قاعة انتظار على عتباتها،لأننا أصلا وليدي تاريخ طويل لما قبل السياسة التي ظلت شأنا خاصا يهم أهل الحل والعقد،من أخص الخاصة، ولا دخل للعوام أو الهجيج والرعاع والغوغاء كما كان ينعتهم الفقهاء في أدبياتهم السلطانية. لذا فلا يمكن لكل من يعتبر نفسه حداثيا ديمقراطيا إلا أن يرحب بهذه العودة ويحتضنها ويشجعها،من موقع الندية والمسافة النقدية الساعية للترشيد بمشاركة الخبرة لا من موقع الوصاية والتطويع أو السعي للقرصنة،مع وجوب تذكيره كلما كانت الحاجة داعية ،إلا أن الأمر لايتعلق فقط بمطالب شبابية, بل بقضايا مواطنية تعني عموم الفئات الاجتماعية والشرائح العمرية ،كما مختلف قنوات الانتظام المجتمعي السياسية والمدنية وليس فقط الحركة الشبابية ل 20فبراير. وهذه الحركية حققت بعض المراد ، بل اعتبرتها في حينه وقبل خطاب 9مارس أنها نجحت حتى قبل أن تخوض وقفات 20فبراير، ونددت بما كان يجري من جعل الملكية موضوع مزايدة في مواجهة الشباب وحذرت من تجاهله وعدم القيام بخطوات استباقية تجنب المغرب المزالق ،وفي هذا السياق وبرغم انه لم يشمل كل المأمول، أعتبر أن مضمون خطاب 9مارس خطوة ايجابية ،وان كان التنزيل هو الأساسي،لذا تخوفي كبير من الخطابات الموازية التي واكبته وبعضها صادر عن مكامن موالاة ومعارضة ليست بالهينة بل تحيي في ذهني مؤشرات أجواء»الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية»من حيث انقسام المجتمع لقوتين قوة ماضوية تشد إلى الخلف،إلى المجتمع السلطاني كما عاشه المغرب كما كل الرقعة الممتدة من المحيط إلى المحيط،وقوة منفتحة على العالم والعصر تحدوها إرادة الاندماج في المجتمع الإنساني في كونيته لتكون فاعلة فيه وغير منفعلة بسلبياته واكراهاته. { الورش الدستوري انطلق النقاش حوله منذ شهرين .. لأول مرة يوجد حوار وطني حول الوثيقة الدستورية .. وأيضا لأول مرة سينجز المغاربة دستورهم ب « أيديهم» بدل دساتير بمشاركة الخبراء الأجانب .. ؟ برغم انطلاقه، لم يرق النقاش حاليا لمستوى النقاش العمومي،ليس لأن هناك أوجه نظر تتناول آليته، بل لأن آليات هذا النقاش- في ظل محدودية الدور الذي يلعبه المقروء والافتراضي في مجتمع لايزال طيف واسع منه يعاني أمية الحرف وضيق ما بذات اليد أو الأمية المعلوماتية - وعلى الخصوص الآليات الإعلامية العمومية الواسعة الانتشار غير معبئة بالشكل الكافي لتجعل منه قضية الراهن وتبرز حجم مصيريته بالنسبة للمغرب على الأقل للثلاثين سنة المقبلة. أما بخصوص الآلية فموقفي منهالا يعود إلى اليوم, بل يعود للتسعينات منذ مرحلة «الحركة من أجل الديمقراطية» وهو موثق في أدبياتها الجمعية،وما لا يقال لشباب المغرب أن اليسار هو من ظل لصيقا بفكرة المجلس التأسيسي إلى أن راجعها معظمه،إن استثنينا النهج الديمقراطي ،فحتى الاشتراكي الموحد لم يكن ضمن أطروحاته وتبنيه اعتبره خروجا عن مقررات المؤتمر الأخير. لذا ماجرى بداية استقلالنا الوطني من أخطاء،قد أصبح وراءنا ومحصلة/مجال لتدبير المآزق،لقد ورثنا نحن كجيل ما أسميته دوما «مغرب المؤجلات» لا في سؤال:» من يحكم من وكيف؟» ولا بخصوص :»من نكون وأي مواطن نكون» ولا بخصوص كينونتنا الترابية أو بخصوص طريقنا للتنمية. وهانحن نعاني ونورث أبناءنا معظم الأسئلة التي أورثنا إياها آباءنا وقبلهم أجدادنا منتصف القرن 19حينما وقعوا ضحية استئساد الفقهاء وذوي المصالح ومختلف قوى المحافظة ليظل المغرب أسير شرنقة «الاحتراز» وثنائية «دار الإسلام ودار الحرب» و»دار الإيمان ودار الكفر» فلم نحصد غير الهزائم وتلاها الاستعمار،الذي فرت أمام زحفه معظم هذه القوى المحافظة لجوءا لحماياته و»حصاناته». لقد اعتبرنا دوما أننا لسنا بلدا قيد التأسيس ولا أمة قيد التشكل وليست الدولة لدينا منتوج تقسيم مجال خلافة أو نفوذ استعماري ما ، بل على العكس نحن من تم تحجيم مجالنا واستقطع منه الكثير، والدولة لدينا اعرق مما يوصف تجذرا في التاريخ وهذه في رمزيتها - والسياسة رمزيات , قضية مبدئية، ومن يوحي بذلك يعتبرنا من حيث يدري أو لايدري أننا لقطاء للتاريخ ومتطفلين على جغرافيا العالم الحديث. كما أننا لسنا خارجين للتو من حالة ثورية تبيح ذلك .إذن من وجهة نظري ليست هناك مشكلة من حيث المبدأ في السلطة التأسيسية طالما تعهدت بآلية المشاركة ولم ترم الفرض أو الإملاء، كما في الحالات السابقة المقتصرة على تبادل المذكرات في الكواليس،وطالما اعتمد على طاقات وطنية عوض الفقيه دوفيرجي ،وان كنت شديد الحذر بخصوص عدم إشراك كبار الملمين بتاريخ المغرب ومعضلاته من الأكاديميين المشهود لهم بالنزاهة العلمية والفكرية والغيرة الوطنية وطموح انخراطه في روح العصر تنويرا واندماجا. أما من وجهة «براغماتية» محضة لا أرى من مصلحة المغرب لكي ارضي نرجسياتي أو استيهاماتي أو حتى طوباوياتي مهما كانت نبيلة ،الزج به في هكذا مسار أعرف فيه هشاشة القوة الاقناعية وضعف قاعدة المشروعية من حيث هي تعبير عن تجدر اجتماعي بالنسبة للنخب الحداثية الديمقراطية منها بالأساس وحينما يتعالى الشعار ،أي شعار عن شرطه الاجتماعي ليخلق عبر تجييش النفوس لا العقول حالة ولادة قسرية، يغدو سياسوية وليست سياسة،توجب البحث في ميطا-خطابه،وتأملي يقودني لخلفيات رجعية بماكياج»ثوري» ولا أستطيع «وضع قفازات»في الصراع مع هكذا تفكير حتى ولو نعتت ب «التمخزن»و»السفه» و»الزندقة»,,,فقد نعتت قبلها بما هو أقسى بما فيها «الإلحاد» لكن «لايصح إلا الصحيح». { يتعالى أيضا النقاش حول عدة قضايا .. تبين أن لكل فاعل نظرته وتصوره للملكية البرلمانية .. والمداخل الممكنة لانجاز والوصول إلى هذا المبتغى السياسي والديمقراطي الأصيل.. الأستاذ صبير .. هل ما طرح ويطرح اليوم من أفكار يمكن أن يوصلنا إلى تغيير جوهري في الوثيقة الدستورية..؟ للنقاش الدستوري شقان ،شق المتخصص وهذا يجب أن يكون ملما ليس فقط بتاريخ التطور الدستوري بالمغرب وتاريخ سوسيولوجيته السياسية بمرجعياتها بل يجب أن يكون مسلحا بالفقه الدستوري المقارن كما المعرفة الدقيقة بتاريخ المغرب وتاريخ مآزقه القديمة والمعاصرة،التي حالت دون تحديثه ودمقرطته ولا تزال،فالمتن الدستوري أيا كان هو من النوع الذي صدق عليه مقولة:»تحويل الكلمات إلى قوة لا تقهر» شرط أن يكون لهذا المعني بالتحويل أكان رئيس حكومة أو وزير،،، ، من البداهة والكاريزمية وسعة الأفق والقوة المبدئية ليجعلها كذلك. والشق الثاني وهو الشق العام، المعبر عن التطلعات الاجتماعية وعن تشخيص المآزق والاختناقات الكلية لا الجزئية،إذ لا ينتظرمن أحد أن المتن الدستوري ولو كان «دستور النرويج» سيحل قضايا الملموس اليومي فهو مؤطر وليس بمدبر، والتدبير من اختصاص السياسات وتصريف المشاريع المجتمعية،أكيد انه قد ييسر النجاعة وقد يعسرها, بل قد يغتالها. هذا على المستوى العام ، أما على المستوى الخاص فنلاحظ أن مسار النقاش يتخذ هذا التوازي. لكن المستوى الأول يعاني من ضعف تجسير باتجاه المستوى الثاني لترشيده وعقلنته خاصة لقطع الطريق على «التمييع» و»التسخيف «الذي غدا ضحية له فالكل يريد دسترة الكل وكأننا أمام لائحة «قائمة طعام» يتوجب أن تلبي «شهيوات» كل احد بميولاته ،وليس الأمر وليد عدم إدراك طبيعة ماهو موكول للوثيقة إياها استدماجه في سموها الشكلي والموضوعي فقط،فهذا حاضر بشكل مهم وهو مسؤولية التنشئة المدرسية والإعلامية والحزبية والمدنية،لكن طيفا واسعا منه متقصد, بل يحترف ذلك عبر العالم الافتراضي ويداوم عليه ومراميه مدركة ,اذ المعنيون به لا يهمهم لا دستور ولا هم يحزنون ما لم يفرض دالة الفقهاء على الملك وعلى الدولة والمجتمع لذا تجدهم أكثر التصاقا حتى حينما يسلمون بأحقية القانون الوضعي في تدبير علاقات وشؤون الناس كمواطنين ومواطنات،بمشروع 1908وكذلك يرمي من ينادون بدسترة المجلس الأعلى للعلماء ومنحه سلطة الملاءمة وحق النظر, أي سلطة اسمي من سلطة الملك الزمانية والدينية وأسمى من سلطة الانتخاب أي الإرادة الشعبية . أما بخصوص الملكية البرلمانية فهي أحد الأركان الحيوية للجواب على التحديات التاريخية والكونية المطروحة على المغرب وهي التوليف الممكن للمشروعيات الثلاث التاريخية والوطنية والشعبية في إطار من التوازن الذي يضمن قدرا من الاستقرار السياسي ولا يولد حكومات ائتلافية هشة تحدد مصائرها أقليات،أما وهل سنصل إلى إحداث تغيير جوهري في الوثيقة الدستورية فهذا يتطلب النظر في طبيعة الجواب على الأركان الأخرى, خاصة ما ارتبط بالآمازيغية ركنا هوياتيا ولغة مدسترة رسميا،وما ارتبط بتمدين الدولة عبر جعل محطة المراجعة مناسبة لإصلاح ديني ثوري آملت دوما أن يكون على الطريقة «الانجليكانية»،ودسترة مساواة النوع في كل الحقوق وليس السياسية فحسب وكيفية تدبير ضمانات حرية التدين والاعتقاد والتفكير والتعبير وكل ما يتصل بالحقوق الكونية الفردية والجماعية ودسترة آليات تضمن استقلال السلطة القضائية وآليات ذات الصلة بمكافحة الفساد الاقتصادي وإرساء آليات الحكامة الأمنية والعسكرية على سبيل مجلس أعلى للأمن والدفاع الوطنيين مثلا،وبلوغ هكذا جواب متعدد الأركان إن تم حقا يجعلنا نقول بأننا فعلا أمام دستور جديد وليس مجرد تعديلات وأننا قطعنا مع دستور الفصل 19 لأنه كان كل الدستور ويسكن كل مفاصله وتفاصيله وليس مجرد سيادة قراءة كما يشيع بعض الدستورانيين . آنذاك فقط يمكنني أن أقول أن الشعار الذي وضعته حركة 20فبراير عنوانا لمنطلقها ردا على ما واجهته من «تكفير» و»تخوين» في انطلاقتها والقائل ب «التغيير بالملك ومع الملك» قد نجح في مسعاه صوب ثورة هادئة قد تحقق،،،وهذا في كل الأحوال يتوقف ليس فقط على الإرادة السياسية بل على القدرة في بناء موازين قوى عبر الحراك السلمي في مواجهة قوى المحافظة القائمة في قلب الدولة أو الصادرة عن الجسم المجتمعي بما فيه القوى التي تسللت لحركة 20فبراير لغاية قرصنتها لمصلحة خطابها ومشروعها الماضوي الذي لا نزال نحيا تبعات نسخة منه إلى اليوم. وبالمناسبة أوجه نقدا واضحا وصريحا ومباشرا لمعظم مثقفينا ومفكرينا وسياسيينا الوطنيين أيا كانت اتجاهات رأيهم ومرجعياتهم،الذين فضلوا النأي عن هذه الدينامية الوطنية مفضلين أبراجهم العاجية منفعلين تفرجا لا فاعلين انخراطا،فليس مطلوبا منهم أن ينزلوا بثقلهم «فايسبوكيا» لكن على الأقل احتراما لهذا الشباب وإحساسا بقيمة ودقة اللحظة أجدر أن تكون لهم على الأقل مدونات تفاعلية أسوة بنظرائهم في غير ما مكان من العالم الذي يحترم مواطنيه،قد تأخذ منهم بعض الوقت،وقد يسمعون فيها «الخل» ولكنها مفيدة للشباب كما هي مفيدة لهم في التقاط النبض الميداني ،أساس كل تحليل وليس المضاربات الفكرية. { الحركة الاحتجاجية في المغرب عرفت انزياحات إن لم نقل انحرافات وانزلا قات في طريقة تدبير الأسئلة المطلبية بتقاطعاتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية وحتى الثقافية منها .. خصوصا داخل حركة 20 فبراير في العديد من المدن المغربية.؟ لاننسى أولا أننا أمام حركة وليس أمام كيان يهيكله مشروع مجتمعي منظر له معرفيا وسياسيا وتنظيميا وحركيا, بل حركة مجتمعية متعددة الروافد يسيطر عليها التحديد السلبي لما تريد أكثر من تحديده الايجابي فهي حينما تنشد المساواة ترفع لأجلها :لا للتمييز وحين تنشد المواطنة ترفع لأجلها :لا للاستبداد وما اعتبره انزياحا ،بل إضعافا مرده بعض من ضعف الحس النقدي الذي لايرى في كل ما يلمع ذهبا،وانجرارا وراء حسابات كمية في ظل ضعف تمرس بالأحابيل السياسية والتقنيات التنظيمية ،حيث تم جرها تدريجيا لمستنقع الحسابات الانتخابوية أو جعلها في بعض المواقع تحت سيطرة المطلبيات الفئوية أو القطاعية والتي لها هيكلياتها المنتظمة الأصلية لكنها ترى الفرصة مواتية للاستقواء بالحركة ضغطا لجني مكتسبات ظرفية،بينما الحال أنها حركة وطنية ذات شعارات ومطالب وطنية عامة ذات مفعول طويل الأمد أو مستدام ،مربطها التغيير صوب أن يصبح المغرب بلدا للمواطنة الحقة وهذه لا تستقيم إلا في ظل ديمقراطية كاملة وليس نصف أو ربع ديمقراطية، ومن هنا أهمية محورية الوثيقة الدستورية ثاني الانزياحات هو دخول أطراف على الخط نصبوا أنفسهم ناطقين باسم الحركة بالخارج ،امتهنوا المزايدة على شباب الداخل بما يرسي لدى الرأي العام والشبابي بالخصوص حذرا من الحركة فيشوش على أهدافها ويخرب كل الصورة الايجابية التي بنتها،وإلا فما معنى خلق صفحة تنادي بأحدهم ملكا على المغرب دون أن يتبرأ المعني من ذلك علنا، أو دعوة الجيش إلى التمرد على الأوامر وما إلى ذلك،،،إن بعض «الزعماء» الذين خلقهم الإعلام أكثر مما خلقتهم الكفاحات والتضحيات يؤدون الدور الذي لم تفلح فيه حملات «التكفير» و»التخوين» في البدايات ,,,وبرغم كل ذلك أنا مطمئن للحس الوطني العميق للنواة الصلبة من شباب 20فبراير وموقفهم الحاسم من العملية الإرهابية الأخيرة ورفضهم اللهاث وراء القراءات التآمرية مؤشر في هذا السياق. { إسقاط الحكومة ، حل البرلمان ، الفصل 19 ، وإسقاط النظام شعارات رفعت أكثر من مرة وكتبت في مواقع الفايسبوك .. بطبيعة الحال لديك وجهة نظر في هذا الكلام ..؟ بدءا وجب التوضيح أن حركة 20فبراير لم تطرح قط ,بل لم تجعل قط من الملكية موضوع تنازع ولقد أشرت أن الشعار الذي اطر النقاشات الأولي في زحمة مواجهة التخوين هو «التغيير بالملك ومع الملك» هذا واحد، اثنان قضية الوحدة الترابية ،خاصة وان النقاشات الأولي عرفت إنزالا غير مسبوق لبوليزاريو الداخل والتسلل تحت طرق شتى للوائح أصدقاء المتناظرين «فايسبوكيا»لنفث سمومهم في شكل مطلبيات أو تموقفات أو شعارات كما أشرت أن التحديد السلبي للمطالب هو الشائع. وشخصيا، اقرأ هذه المطالب قراءة أخرى أولها وضع حد للسلطة المطلقة و إرساء دولة مدنية وتمكين الدولة والمجتمع من مؤسسات ذات مشروعية شعبية وصلاحيات حقيقية إن على مستوى التشريع أو التنفيذ،لكني بالطبع على مستوى النقاشات وحرصا على مسافة نقدية بناءة ذات بعد ترشيدي لا وصائي ،انتقد الصياغات وكثيرا ما واجهت محاوري بأنه مكان الحكومة والبرلمان الحاليين يمكن أن نأتي وبنفس الأطر السائدة عشرات من أمثالهما أو أسوأ منهما إذن «المعضلة ليست في الأسنان بل في الفك» . ما ناهضته ولا أزال هو أمران : أولهما شخصنة الصراع السياسي لأني اعتبره مخرب للوعي الاجتماعي وهي عقلية مسيطرة حتى لدى الدولة حينما تفشل في ورش ما لاترى إلا إحلال شخص محله, مع أن المصائب متجذرة في العقليات والمسلكيات والأطر القانونية وغيرها بما يحجز أية إرادة خيرة حتى ولو وضعنا ملائكة بالمنصب ذاته سيتحولون إلى شياطين، إذ المهم هو وضع آليات لمحاربة الفساد والتنقيب عن ميكانيزماته الحاضنة والحامية وإخضاعه للمحاسبة والزجر أما تشخيصه كظاهرة مجتمعية في شيطنة بضعة أشخاص فهو من حيث لا ندري احتقار لجسامة مهمة التغيير ببلادنا .وقد تجاوزت الشخصنة هذه الحدود إذ سعيا لتديين خطاب وشعارات ومحمولات الحركة تم الزج بالحياة الشخصية لشخصيات عمومية تحت ستار الغيرة على الأخلاق وفي حملة لا أخلاقية أصلا، ثانيهما الدعوة لحل أحزاب بعينها ، فالشباب لم يعيشوا فترة ما بعد الاستقلال ومصائبها بل كوارثها ولا عاشوا حتى فترة ظهور حزب الأحرار الذي هو اليوم حزب طبيعي كسائر الأحزاب, بل تولدت عنه أحزاب أخرى هي تعبيرات اجتماعية قائمة في النسيج الوطني ،نحن لسنا في وضع حزب الدولة،معضلتنا أن الدولة ذاتها هي حزب وأداة في خدمة مراكز قوى ولوبيات مخزنية لها شبكياتها المتواترة في تاريخ المغرب،خطونا قليلا صوب دولة المؤسسات والحق والقانون ،فهل بلغنا مرمانا؟ لو بلغناه ما كنا نناضل لحد الآن لأجل الديمقراطية والتحديث،وكل ديمقراطي حداثي مؤمن بحقوق الإنسان والتعددية الفكرية والسياسية والتدافع السلمي على السلطة لا يمكنه أن يكون فاشستيا وداعية لحل أي مكون آخر يختلف معه بل على العكس هو يطالب بشرعنة حتى المكونات السياسية التي لا تتخذ من العرق أو الدين أو اللغة أو الجنس مبعث تأسيسها بصورة مباشرة أو غير مباشرة طالما التزمت بالعمل في إطار القانون, فإن تجاوزت القانون فهو الكفيل بردعها تنبيها أو زجرا أو حلا. إذن مفاد القول ،هكذا افهم روح حركة 20فبراير وهكذا اعتقد أن شبابها حريص على تحصينها وتطويرها كقوة بناءة في الحراك المجتمعي،أما أن يلجأ البعض إلى تديينها أو المزايدة عليها بشعارات لا تمت بسقف مطالبها بشيء ركوبا أو اقتناصا للفرصة الإعلامية أو محاولة قرصنة وطنية أو محلية،فهي أمور واردة لكن يقظة شباب 20فبراير ومدى تجاوز شباب الأحزاب الوطنية الديمقراطية بأطيافها الليبرالية منها واليسارية الديمقراطية لسياسات المقعد الفارغ أو الانجرار صوب بريق الشعبنة كفيل بالتقليل من أهمية مفعول كل ذلك ,لأن السياسة لا تقبل شعار «الجمهور عايز كده»؟ ،ولمن الأكيد أن صعوبات جمة ستواجههم في ذلك كما تواجهنا ميدانيا وعلى» الفيسبوك «خاصة في ظل تكشير البعض عن أنيابه سعيا وراء التطويق لتسييد وفرض هيمنة خطابه ومشروعه الخليفي ،لكن وكما يقول المثل على لسان «الفأر»:»اللي عندوغير غار ،الله يسدوا عليه». { مارست الإعلام والكتابة الصحفية .. كيف ترى اليوم مستوى الإعلام الوطني في شقيه المكتوب والسمعي البصري .. خصوصا ونحن نعيش لحظة تاريخية عميقة ..؟ اعتقد أن الإعلام الوطني بمختلف وسائطه قد تطور من ناحية العرض الكمي لكن منتجه النوعي لايزال هزيلا ويتميز نوعا ما الفرنكفوني منه أكثر، هذا أمر واقع،ضعف اقل في احترام مهمة الإخبار وميل لتقمص ادوار فاعلين مؤسساتيين حزبيين ومدنيين بعيدا عن مهمته،وارتهان لمصالح الممولين والمستشهرين، وضعف في التكوين والتخصص. لكن الأخطر هي الأخلاقيات ،فهذه الصورة العامة المهيمنة معظمها وليد شروط موضوعية تتعلق بالشفافية وبالحق في بلوغ المعلومة،وبعضها مرتبط بالقوانين المؤطرة للمهنة لكن بعضها الآخر وهو القلب النابض مرتبط بالذات الصحفية المفردة والجماعية، لذا تكثر الانزياحات ومعها المصادمات المجانية أحيانا،فيما يشبه حرب استنزاف، والتي لا تلغي أن البعض من هذه الجهة أو تلك يعتبر نفسه فوق النقد ، تماما كما هي بعض الأقلام الصحفية التي تعتبر أنها تمتلك حصانة تسمح لهما ممارسة ديكتاتورية «الرأي العام» .فكل سلطة لا تحدها سلطة أخرى هي فاشية مقنعة وهذا يجب أن يكون مستوعبا في كل إصلاح قانوني لتأطير المهنة. لكن أيضا يجب أن نتجاوز صحافة «النميمة» اذكر في لحظة ما كان المرحوم الحسن الثاني قد تحدث عن أمل تملك المغرب لصحافة تحليلية من حجم لوموند واعتقد انه كان يشير للوموند ديبلوماتيك،المغرب بلد الرهانات جغرافيته هكذا ،تاريخه أيضا هكذا ،هذا قدره ولذلك كان دوما أرضا لتكالب الغزاة من كل صوب وحدب، ومع ذلك كان دوما مؤثرا حتى في الأقاصي البعيدة لكنه للمفارقة لايمتلك لحد الآن ولو معهدا عموميا واحدا للدراسات الإستراتيجية والجيوسياسية يكون رافدا لديبلوماسيته كما لصحافته التحليلية الأسباب بينة ومعروفة تاريخيا وهو مربط من مرابط التغيير قلما ننتبه له .فلقد مضى مغرب «أمناء المراسي» و»تجار السلطان» وهذا الشباب الثائر الهادئ يعلن موته.من جهة أخرى تحتاج المهنة لهيئة ذاتية تلعب دورها في التكوين المستمر وأيضا للتأديب،لا يجب أن يظل الصحافي تحت طائلة القانون الجنائي إلا إذا أقرت هيئته أن الفعل المرتكب يتجاوز حدود المهنة وهي ذاتها يجب أن تكون لها موانع تمنعها من «إعمال مبدأ انصر أخاك ظالما أو مظلوما»كما يفعل بعض برلمانيينا سامحهم الله.نطمح أن يكون إعلامنا محررا من كل الخطوط الحمراء عدا حريات وأعراض الناس وما لا يبيح القانون تصريحا وحصرا الخوض فيه لأسباب نالت إجماعا مشروعا وان تتاح له كل سبل بلوغ المعلومة والمعاقبة على ثبوت حجبها ما لم يكن الحجب مشمولا بقانون صريح وليس بتعليمات ومن دون تعليلات مكتوبة كما نطمح بالمقابل أن تتحرر أقلامنا الصحفية من سلطة الممول والمستشهر وأهواءهما ومصالحهما الإستراتيجية ، كما آمل أن تتخلص الصحافة الحزبية من بعض جمودها صوب انطلاقة أوسع لتستعيد دورها كمثقف جماعي وهذا دور لن يموت بل سيظل حاجة موضوعية. { في بضع كلمات. الاتحاد الاشتراكي: مدرستي السياسية الثانية بعد «إلى الأمام» وما تعلمت يوما أن أكون جاحدا لأية مدرسة, وسعت مداركي وعمقت خبراتي وان كنت ضحية الجحود في غير ما محطة. - اليسار المغربي: يحتاج إلى روح ،لقد أحيل إلى مبنى من دون معنى حينما طلق الالتصاق بالمعرفة بشكل عام والمجتمعية بشكل خاص وتخلى عن مهمة التنوير لينسج بعضه اغرب التحالفات اللامبدئية،،لكنه مازال يحمل بعضا من أمل شرط حسن الإرادة. - المسألة الأمازيغية: أحد المفاتيح الجوهرية ذات المفاعيل الإستراتيجية لانخراط المغرب في عصر الحداثة،والتصالح مع الذات التاريخية مجالا حيويا ولغة وثقافة هو احد المحركات الدافعة لهذا الانخراط وإلا ظلت الطائرة موضوعا لعنف التيارات الهوائية المتقلبة الأهواء في الأجواء الكونية. - الحكم الذاتي والجهوية السياسية :اختيار حيوي لمستقبل المغرب واستقراره وتنميته،شرط أن يبتعد عن الحسابات الضيقة،ويحفظ قدرا من تمركز جهوي يسمح بتمويل المشاريع المهيكلة لإرساء اشتراكية تنمية لا اشتراكية بؤس،وشرط أن تلتفت الأحزاب ،كل الأحزاب لمطبخها الداخلي،أن تخرج من دائرة جماعات رأي أو جماعات مصالح لمدارس اطر كفيلة بإفراز نخب ذات أهليات ومشروعيات تنبني على الكفاءة والجدارة لا «الشكارة» أو «الوجاهة القيداوية» المحلية.