أقر المهتمون بالشأن التعليمي ببلادنا بأن اختلالات المنتظومة التربوية تعود إلى ضعف الإنفاق العمومي ، ذلك أن الأهداف المسطرة في الميثاق الوطني للتربية والتكوين وجهود الإصلاح المبذولة خلال العشرية الأخيرة لم تواكبها الدولة ماليا ، وفي هذا السياق تم اعتماد البرنامج الاستعجالي لمعالجة اختلالات المنظومة وتحسين العرض التربوي ، ولتدبير الموارد المعبئة تم اعتماد منهجية ترتكز بالأساس على عقود /برامج بين الوزارة والأكاديميات من أجل تدقيق الأولويات وعقلنة مجالات الصرف ، واليوم نقف على مشارف السنة الأخيرة من البرنامج الاستعجالي ، فإن أسئلة الحصيلة وطرق التدبير المالي وآليات الرقابة والافتحاص تطرح نفسها وبإلحاح .. في هذا السياق أنجزت المفتشية العامة للتربية والتكوين السنة الماضية 43 عملية تفتيش وافتحاص، منها 21 تفتيشا عاما همت أقسام ومصالح أكاديميات جهوية ومصالح نيابات إقليمية ومؤسسات تعليمية؛ ثم 22 افتحاصا شملت مصالح مركزية وأكاديميات جهوية ومصالح نيابات إقليمية. ووقف تقرير المفتشية على عدد من الملاحظات، أبرزها: أن الهيكلة التنظيمية لجل الأكاديميات الجهوية والنيابات الإقليمية أصبحت متجاوزة ولا تسمح بأداء المهام المنوطة بها على الوجه الأكمل، في إطار تنفيذ البرنامج الاستعجالي. وعلى المستوى المالي وهذا هو المهم ، سجل التقرير تفاوتا ملحوظا بين الأكاديميات على مستوى تمركز التدبير المالي، إذ وصل تفويض الاعتمادات المالية، في بعض الأكاديميات، إلى المؤسسات التعليمية، بينما في أخرى لا يزال تفويض الاعتمادات إلى النيابات الإقليمية جد محتشم؛ هذا إلى جانب ضعف تأهيل وتنظيم المصالح الإدارية المكلفة بالتدبير المالي والمادي؛ وضعف التوثيق في مصالح ومكاتب التدبير المالي والمادي؛ وغياب التنسيق بين مصالح الأكاديميات والنيابات في شأن تحديد الحاجيات وتنفيذ الميزانية؛ وعدم التتبع المرحلي لتنفيذ الاعتمادات المفوضة للنيابات الإقليمية؛وتباطؤ ملحوظ في تنفيذ الميزانية(ضعف نسب الالتزام بالنفقات ونسب الأداء، تضخم المبالغ المسجلة في خانة الباقي أداؤه، ارتفاع حجم الاعتمادات غير الملتزم بنفقتها. هل غيرت الميزانية المرصودة صورة المدرسة المغربية العمومية ؟ تحسين إنتاجية المنظومة التربوية من الأهداف الأساسية التي اعتمدها البرنامج الاستعجالي الذي وضعته وزارة التربية الوطنية واعتبرته من رهانات المنظومة وانتظارات المجتمع المغربي، مما استدعى رصد ميزانية بلغت 48 مليار درهم لتفعيل مشاريعه. إن ميزانية بهذا الحجم غير مسبوقة في مسار الاصلاحات التعليمية بالمغرب، تفرض إعمال منهجية التدبير بالنتائج والتقويم المواكب ، كما تفرض عقلنة وترشيد التكاليف والنفقات ، واتخاذ التدابير الملائمة لتحسين مردودية منظومة التربية والتكوين ، واعتماد خطة تقييم وتتبع الوقع المالي لمشاريع البرنامج الاستعجالي على المدرسة المغربية العمومية من خلال توطين المشاريع بالمؤسسات التعليمية جهويا وإقليميا ومحليا. والتساؤل المطروح اليوم، هل تغيرت صورة المدرسة المغربية العمومية باعتماد الميزانية المرصودة لإصلاحها والنهوض بأوضاعها ؟ إن الإجابة عن هذا السؤال المركزي تقتضي تقويم الحصيلة التربوية ومردودية منظومة التربية والتكوين منذ انطلاق البرنامج الاستعجالي في سنة 2009 إلى الآن، وبالتالي تتبع تفاصيل صرف الميزانيات المخصصة للبرنامج الاستعجالي مركزيا وجهويا ، حماية للمال العام ، وتوجيهه لخدمة الأهداف التربوية والتعليمية المتوخاة من إنزال مشاريع البرنامج الاستعجالي. وقد طغى في الآونة الأخيرة على سطح الأحداث خبر الاختلاسات المالية وإهدار المال العام بأكاديمية الشاوية ورديغة ودعوة مدير أكاديمية جهة سوس ماسة درعة المجلس الأعلى للحسابات لإجراء افتحاص مالي وإداري للأكاديمية . مدير أكاديمية سوس يستعجل المجلس الأعلى للحسابات لإجراء افتحاص مالي وإداري للأكاديمية فتح مدير اكاديمية سوس ماسة درعة الباب على مصراعيه أمام ملف يتعلق بالمال العام في قطاع التعليم وأعطى الإشارة الأولى لإمكانية فتح هذا الملف ،من خلال مطالبته المجلس الأعلى للحسابات والمفتشية العامة للشؤون الإدارية والمالية بإجراء افتحاص لمصير ميزانية أكاديمية سوس ،التي تقدر ب 110 مليار سنتيم. ويعتبر العديد من الفاعلين أن هذه المبادرة تعكس النقاش الدائر حول مصير أموال البرنامج الاستعجالي، ومطالبة مجموعة من الجهات بفتح هذا الملف العميق،ولأول مرة يفتح مسؤول جهوي في وزارة التعليم ملف تبذير المال العام في التعليم ليطرح السؤال كيف سيتفاعل المجلس الأعلى للحسابات مع هذا الملف الشائك ؟ وهل ستكون هذه المبادرة من مسؤول جهوي بوزارة التعليم بداية فتح مسلسل افتحاص ميزانيات باقي الأكاديميات وإقرار مراجعة دقيقية لمصير أموال البرنامج الاستعجالي. وكانت نقابات تعليمية وجمعيات مدرسية قد دقت ناقوس الخطر حول إهدار المال العام في إطار تنفيذ البرنامج الاستعجالي، والذي يشرف عن نهايته بحلول السنة المقبلة، باعتبار محدودية ما أنجز منذ انطلاق هذا البرنامج في سنة 2009 إلى حدود الآن . من جهتها أصدرت النقابة الوطنية للتعليم المنضوية تحت لواء الكونفدرالية الديمقراطية للشغل في وقت سابق بيانا تطالب من خلاله بوضع حد لإهدار المال العام في التعليم بما في ذلك الميزانية المرصودة للبرنامج الاستعجالي، ووضع حد للفساد الإداري في التعليم ، وبدورها دقت فيدرالية جمعيات الآباء في بيان لها ناقوس الخطر حول إهدار أموال البرنامج الاستعجالي ،ونبهت المسؤولين والرأي العام الوطني إلى الوضعية الكارثية للمدرسة العمومية المتمثلة في إهدار المال العام المخصص لتمويل مختلف مشاريع البرنامج الاستعجالي وتعثر إنجاز مشاريع هذا البرنامج، منها تأهيل المؤسسات القائمة و إحداث مؤسسات جديدة وإحداث داخليات أو توسيع الطاقة الاستعابية للمتوفر منها، وطالبت الفيدرالية وزارة التربية الوطنية باعتماد مبادئ الحكامة الرشيدة في وضع الميزانيات و خلال صرفها. وفي هذا الإطار أكد مصدر نقابي أن جل المؤشرات تؤكد محدودية ما أنجزته الوزارة مقابل الميزانية الضخمة التي وضعت رهن إشارة المسؤولين عن هذا البرنامج للنهوض بقطاع التعليم بالمغرب معتمدا وثيقة تقييمية أولية لوزارة التربية الوطنية تقر فيها بمجموعة من الاختلالات التي تشكل عائقا لتحقيق النتائج المنتظرة ،من مثل التأخر في إنجاز بعض الإحداثات والتوسيعات وفي تأهيل بعض المؤسسات التعليمية و الداخليات؛والحاجة إلى تأهيل وتجهيز المطاعم المدرسية؛ ونقص في صيانة ونظافة المرافق وخاصة الحجرات الدراسية والمرافق الصحية، وقلة الوسائل الديداكتيكية والمعدات المعلوماتية و نقص في تجهيزات بعض المؤسسات (طاولات، مقاعد، كراسي،...) وتراكم المتلاشي من التجهيزات بجل المؤسسات؛ ونقص ملحوظ في توفر الشروط الصحية بالمطابخ والمراقد وخصاص في أعوان الداخلية.... وتساءل المصدر النقابي ذاته كيف يعقل أن تنغلق الوزارة على نفسها في هذا الإطار، وترفض الكشف عن حساباتها المالية في هذا المجال باعتبار أن هذه الأموال المخصصة للبرنامج الاستعجالي هي أموال الشعب وبالتالي من حقه أن يعرف تفاصيل صرفها، خصوصا وأنه يلاحظ أن المدرسة المغربية لم تتغير في شيء بالرغم من هذه الملايير التي رصدت لإصلاحها والنهوض بأوضاعها ؟. ومعلوم أن الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين بدأت تخضع – باعتبارها مؤسسات عمومية – إلى رقابة المجالس الجهوية للحسابات ، طبقا لمقتضيات الفصل 98 من الدستور،إذ تتولى المجالس الجهوية للحسابات مراقبة حسابات الجماعات المحلية وهيئاتها والمؤسسات العمومية وكيفية قيامها بتدبير شؤونها. كما تمارس وظيفة قضائية في مجال التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية تجاه كل مسؤول أو موظف أو عون وتراقب تسيير المقاولات المخولة الامتياز في مرفق عام محلي أو المعهود إليها بتسييره،. كما أسند المشرع للمجالس الجهوية حق مراقبة استخدام الأموال العمومية المتلقاة من طرف المقاولات غير تلك المشار إليها آنفا والجمعيات وكل الأجهزة الأخرى التي تستفيد من مساهمة في الرأسمال أو من مساعدة كيفما كان شكلها من طرف جماعة محلية أو هيئة أو من أي جهاز آخر خاضع لرقابة المجلس الجهوي.