في كتابه الأخير، الحادي عشر في سلسلة «دفاتر الجديدة»، الصادر باللغة بالفرنسية تحت عنوان «قرنان من التاريخ القنصلي لمدينة الجديدة» يستعيد الباحث المصطفى اجماهري، مؤلف الكتاب، مناخات وأجواء الوجود الديبلوماسي بالمدينة والذي امتد من سنة 1760 إلى سنة 1960. تتم هذه الاستعادة بالاعتماد، في نفس الوقت، على السرد التاريخي وتوظيف وثائق الأرشيف فضلا عن شهادات لأحفاد القناصل الذين كانوا معتمدين بالمدينة خلال العهود المذكورة. الكتاب في 190 صفحة، يحلل أولا أساليب التدخل الأجنبي التي مهدت لافتتاح ممثليات قنصلية بالجديدة، ثم يتطرق إلى دور هذه الممثليات في إشاعة النفوذ الأروربي والأمريكي ليس فقط في دكالة وأحوازها بل أيضا في امتدادها الجغرافي باتجاه الحوز وتادلة. ويوضح المؤلف، من ناحية أخرى، بأن شواهد الماضي القنصلي السحيق ما زالت حاضرة إلى اليوم متجلية في بعض الأمكنة القديمة وشظايا الوجدان والذاكرة كما في لغة التخاطب اليومي. ويشرح المؤلف في مقدمة الكتاب الدوافع التي كانت وراء إصدار هذا العمل وعلى رأسها انعدام دراسات سابقة ركزت على البعد الجهوي مما جعل البحث مشروعا لسبر غور فترة حساسة من تاريخ المغرب في وقت برزت فيه النزعة الكولونيالية المتعطشة لاقتحام الأسواق الجديدة. من الناحية المنهجية ولأجل رسم صورة متكاملة قدر الإمكان للتاريخ القنصلي للمدينة، استخدم الباحث عدة مصادر هي: الأرشيفات القنصلية والخصوصية، الوثائق المطبوعة، المصادر الشفوية، المصادر المصورة والتحقيق الميداني على مستوى الأماكن التي عرفت وجود هؤلاء القناصل. ويوضح المؤلف بأن البحث التوثيقي اتسم ببعض الصعوبة خاصة عند محاولة حصر أسماء القناصل الثمانين فضلا عن كون الأرشيفات القنصلية موزعة بين عدة مراكز ودول كما أن بعضها ضاع خلال الحربين العالميتين. مقدم الكتاب، المؤرخ فيليب مارشا (مزداد بالرباط ، مدير عام سابق للبنك الأروبي للاستثمار) وقف عند المجهود الذي بذله صاحب الكتاب في جمع مادة عمله وإخراجها إلى حيز الوجود بكثير من التدقيق والتفصيل. ثم عرج المقدم على الدور الهام الذي لعبه ميناء الجديدة في الانفتاح على الوجود الأجنبي وكذا تسهيل ولوجه إلى المناطق الداخلية مثل مراكش. وبدوره خص المؤرخ الفرنسي الفقيد غي مارتيني، الكتاب، بمدخل تقديمي شرح فيه الخلفيات الاقتصادية والجغرافية التي مهدت لهذا النفوذ الأجنبي. للإشارة يقدم الكتاب لمحات عن كل قنصلية من القنصليات الخمسة عشر، وأسماء القناصل الثمانين ولوائح المغاربة المحميين المقيمين بمنطقة دكالة، وأيضا شهادات لأحفاد هؤلاء القناصل فضلا عن مجموعة من الصور القديمة ذات العلاقة بالموضوع. أما الدول المشار إلى ممثلياتها فهي: فرنسا، إيطاليا، بلجيكا، النمسا، ألمانيا، السويد، البرتغال، إسبانيا، هولندا، البرازيل، الولاياتالمتحدة وغيرها. الكتاب يباع بمكتبة الأمل بالجديدة وملتقى الكتب بالدار البيضاء.