تساهم الأنشطة الثقافية والفنية والإعلامية في الحياة المدرسية في إبراز المواهب والطاقات وإبداعات المتعلمات والمتعلمين ، وتنمية الحس الفني والجمالي ، ويمكن تحقيق هذه الأنشطة من خلال تفعيل دور المكتبات المدرسية ، والتشجيع على القراءة ومطالعة الكتب وتفعيل أدوار الأندية كنوادي البيئة والشعر والمسرح والقصة... قال العالم سيبز: الأمم المتخلفة هي التي يغلب عليها طابع العفوية في تناولها لكل القضايا» و المقصود بالأمة هنا هي الدولة ، دون أن ندخل في حيثات التفسير التاريخي أو السياسي أو المجالي والسكاني . باعتبار أن هناك ثلاثة أركان أو عناصر تتشكل لتؤسس لنا مفهوم الدولة هي: السكان و الإقليم و السلطة السياسية. انطلاقا مما سبق ، و بناء على عدة نظريات و دراسات سوسيولوجية و تاريخية تحديدا، نلاحظ أن صمت الشعوب الفقيرة و غض البصر عن المطالبة بحقوقها هي مسالة ترتبط أساسا بالإهمال و العفوية الزائدة عن حدها و ليس مصدرها النقص في الوعي أو في التاطير كما تزعم بعض الأطروحات و الآراء النقابية. و الخطير في الأمر أن هذا الوباء الثقافي و الإيديولوجي- انظر بيير بورديو و باسرون في كتابهما التاريخي» الوارثون و إعادة الإنتاج» - انتقل إلى أ وساط و فضاءات مؤسساتنا التعليمية ، وجعل الحياة المدرسية فترة زمنية للتهذيب و الإصلاح و إعادة تقويم السلوكيات الشاذة و الجانحة ، و ليست فضاء تربويا ينعم بالحرية و الخلق و المبادرة و الإبداع . و إذا كان النص الجنائي يضيق الخناق على الحريات الفردية و الجماعية للإنسان، فإن القوانين الداخلية و برامجنا التعليمية لا تحفز متعلمينا على حب الدراسة و لا على الرغبة في استمرار تحصيل المعرفة و التعلمات. و يظهر هذا جليا من خلال جملة العبارات التحذيرية و النواهي و الأوامر الموزعة على جدران و زجاجيات- النوافذ- المؤسسة مثل:لا تقترب إلى النباتات- لا تترك الصنبور مشغلا- لا تعبث بتجهيزات المؤسسة- احترم نفسك- لا تتأخر على مواعيد الحصص-. ممنوع الغش......... الخ بالمقابل لا نجد أدنى عبارة تثير فضول ، حماسة و دافعية المتعلم ، أي تحثه على الاجتهاد و الخلق و المبادرة الفردية ،كمبادئ أساسية جاءت بها المدرسة الحديثة، و حسبنا أن نتساءل عن اسم مؤسسة واحدة ببلادنا خلال هذا الموسم الدراسي أو غيره ، طالبت متعلميها - من بداية السنة إلى أخرها- بكتابة قصة صغيرة أو بتلخيص رواية قصيرة أوبكتابة أبيات شعرية. إذ باستثناء الحضور الذي تسجله مؤسساتنا في المناسبات و الأعياد الدينية أو الوطنية أو العالمية، لا شيء بالمرة يظل عالقا بذاكرة المتعلم المغربي و لا شيء يظل يشغل باله بمساره الدراسي، و هذا دليل قاطع أن المتعلم لا يتأثر بالعملية التعليمية و لا يعطي لها معنى معينا- انظر: ذ محمد بوبكري في» المدرسة و إشكالية المعنى»- و بالتالي تصبح فكرة التكرار و الروتين و مغادرة المؤسسة في سن مبكر جد واردة و جاهزة في وجدان المتعلم. ترى كيف يمكننا تدارك الأمر؟ و إلى أي حد نستطيع إقناع أنفسنا والآباء و المتعلمين على الخروج من هذه الوضعية المتأزمة؟ للإجابة على هذه الإشكالات ، سأعتمد المستلزمات التالية ، باعتبارها مدخلا أساسيا ليس فحسب لمعالجة الأزمة و إنما لا قتراح سبل النهوض بمنظومتنا التربوية ، و ذلك بدمقرطة الحياة المدرسية و إضفاء روح المرونة على نصوص قوانينها الداخلية و الحيوية على مواد و مكونات برامجها الدراسية. 1- تغيير الإدارة التربوية طريقة تواصلها و نمط تصرفاتها في تدبير قضايا المتعلمين و معالجة مشاكلهم- سواء فيما بينهم أو بينهم و بين مدرسيهم. و صعوباتهم الدراسية المتواصلة. 2- تحسيس المتعلمين بحقوقهم سواء في التربية و التعليم أو في الترفيه أوفي التنشيط أو في الحماية من الأذى و الأخطار أو في الصحة المدرسية طالما هم موجودون داخل المدرسة .......الخ.. و ذلك وفق ما جاءت به المواثيق و المعاهدات الدولية و على رأسها الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل التي صادقت عليها بلادنا عام 1993. 3- خلق مكتبة مدرسية ، يستعير منها المتعلمون كتب مقرراتهم الدراسية ، بالإضافة إلى توفرها على قصص و كتب و روايات متنوعة تتماشى و مستواهم الدراسي. 4- خلق قاعة خاصة تجمع بين احتضان وظيفة التنشيط بشكل عام ( كعروض مسرحية، مسابقات ثقافية، وقراءات شعرية..... ) ووظيفة المطالعة الحرة ومكان اجتماع أندية المؤسسة. 5- فتح بوابة الرحلات و الخرجات المدرسية على مصراعيه أمام كل تلاميذ و تلميذات المؤسسة حتى تحقق المؤسسة انفتاحها على محيطها الخارجي من جهة ، و يتمكن المتعلم من التعرف عن قرب عن بعض التعلمات و المعلومات التي تلقاها داخل حجرته الدراسية- كالتعرف على المعالم التاريخية ببلادنا: فاس ووليلي مثلا و التعرف على أنواع التربة و المشهد الحضري و المشهد الريفي ، السدود و الأنهار المغربية الخ و اكتشاف الهوة العميقة بين ما يدرس نظريا و ما هو عليه الواقع المعيشي من تباينات و تناقضات. هذا الربط بين النظري و التطبيقي- انظر ماكارينكو في نموذج التربية الاشتراكية- هو الكفيل من إخراج المتعلم المغربي من قلقه و استغرابه اللذين يدفعانه دوما نحو التسرب الدراسي مبكرا، لأن الغموض الذي يكتنف ما يتوخى امتلاكه لا يبعث على الاستقرار و الاستمرار في طلب المزيد من المعلومات. 6- خلق الأندية التربوية و تشجيعها على المبادرة و العطاء، لأنها رافعة تربوية أساسية من شانها أن تكسب المتعلم مهارات و كفايات هامة في مساره الدراسي: كالكفاية الثقافية و المعرفية و الأخلاقية على سبيل المثال ، كما بإمكانها أن تزوده باليات التواصل وقيم ومبادئ التشارك والتعاون و التربية على السلوك المدني. 7- خلق مجلة تربوية شهريا على الأقل تحمل بصمات التلاميذ ، بناء على ما توصلت إليه قريحتهم، واندفعت نحوه مشاعرهم و خواطرهم و ميولا تهم. إنه أفضل مشروع تربوي ، يمكنه أن ينمي لدى المتعلم جنيات و نزعات الكتابة ، تماما كما فعل المربي الفرنسي سيلستيان فرينيه، مع تلاميذه و أحدث بذلك ثورة في المنظومة التربوية . لأن الراشدين يسقطون على القاصرين إمكانية تحقيقهم لأي شيء، حتى و لو تعلق الأمر بحلم جميل ، ماداموا عديمي أو ناقصي الإدراك و التمييز. أكيد أن اعتمادنا - لهذه المقاربة التربوية و الحقوقية – كأطر إدارية وفاعلين تربويين وجمعيات حقوقية من المجتمع المدني، نستطيع ان نتخطى كل التضييفات والصعوبات التواصلية التي يحسها و يعاني منها القاصر أثناء تواجده بالمؤسسة، خصوصا إدا شرعنا في ترسيخ ثقافة حقوق الإنسان بصفة عامة وحقوق القاصر بصفة خاصة بأوساطنا التعليمية و التربوية. ترى إلى أي حد نحن عازمون و مصممون على إتباع هذا المسار بفضاءات مؤسساتنا التعليمية- ابتدائية و إعدادية و ثانوية و جامعية-؟