أصبح موقع تمارة، في خارطة السجن المغربي نقطة متورمة، ونقطة استقطاب كل التشنجات، والمواقف الرافضة. إنها اليوم صرة الفضاء المغربي، بما هو مكان محاط بكل الاستيهامات والتصورات. ومن حق المغاربة أن يتوجسوا من المعتقلات السرية وغير السرية. وأن ينتفضوا ضد عادة الدولة السرية في تدبير الاحتجاج أو حتى التطرف. والاتحاديون بالذات لهم قصة كبيرة مع تمارة ومعتقلها تعود الي محاكمة السبعينات، على إثر أحداث 1973 وما عرف بأحداث مولاي بوعزة. فقد كانت الاعتقالات الواسعة قد شملت كل الاتحاديين والاتحاديات، وتم فتح ملفات قضائية. ولايزال الاتحاديون يذكرون كيف أن الاحكام التي صدرت لم ترض أصحاب القرار الذين كانوا يتابعون أطوار المحاكمة. وجاءت بعض الاحكام ببراءة المناضلين، حيث كان أول حكم للبراءة تم النطق به من طرف رئيس الجلسة هو الحكم في حق المناضل ازغار (الذي اعتقل بمعية شقيقتيه المناضلتين الفذتين، اجميعة رحمها الله، والحاجة زهرة أطال الله عمرها). مباشرة بعد ذلك ، وبعد أن خلت قاعة المحكمة تم اعتقال المحاكمين المبرئين ،ووضعت البانضات على أعينهم وأعينهن، ووضعت الأصفاد وتم اقتيادهم الى تمارة. المعتقل لا يوجد حيث نعتقد ، فقد كان مربط خيول ، وتم إفراغ الإسطبلات والزج بالمناضلين فيها. ويروي الاتحاديون الذين زاروا معتقل تمارة في بداية السبعينيات أن روائح الروث والتعفن والخيول كانت لا تزال عطنة عندما تم «رميهم» فيها. المعتقل إذن موجود، ولكن ليس حيث يتظاهر الناس .. المعتقل يرد اسمه في الكثير من التقارير الدولية، على الاقل في ما يخص الموضوع الارهابي. وما زالت الى حدود الآن بلدنا ترد في الاخبار المتعلقة بنشاط المخابرات الامريكية في محاربة الإرهاب. فقد أوردت وكالة الانباء الفرنسية يوم أمس، قصاصة تخبر فيها أن المحكمة العليا الامريكية رفضت يوم الاثنين النظر في دعوى رفعها خمسة أشخاص من ضحايا الرحلات السرية لوكالة المخابرات المركزية الامريكية، وهي برنامج اعتمد بعد اعتداءات11 شتنبر لنقل مشتبه بهم بالإرهاب واستجوابهم في الخارج. وكان السجناء الخمسة السابقون هم مصري وإيطالي ويمني وكذلك عراقي وإثيوبي يقيمان بشكل شرعي في بريطانيا، قد طلبوا من أعلى هيئة قضائية في الولاياتالمتحدة كسر قرار محكمة استئنافية فدرالية قضت بمنعهم باسم «سر دولة» من متابعة قضيتهم أمام القضاء. وكان السجناء الخمسة قد تقدموا في شهرماي2007 بشكوى ضد شركة «جيبسين داتابلان» التابعة لشركة بوينغ لأنها تولت نقل المشتبه بهم بالإرهاب الى سجون خارج الولاياتالمتحدة خصوصا في المغرب ومصر. في كل دول العالم هناك مخابرات، وفي كل دول العالم يتوجه إليها النقد والتلميح والتصريح بالمس بسلامة الافراد. وفي كل دول العالم اليوم تخضع أعمالها للمراقبة والتتبع الشعبي من خلال البنيات والهياكل التي تختارها الديموقراطية للدفاع عن نفسها وأبنائها. وهكذا سيكون من العبث ألا نطرح قضية المعتقلات، كانت حقيقة أو وهما.. وقد طرحتها الدولة عبر فتح الزيارات لنواب الأمة، على إثر ما تم من احتجاج وتظاهر. وقد كان من الممكن أن تباشر الدولة هذه العملية ، قبل شهور ، عندما كثر الحديث عن معتقل تمارة ، في الصحافة الوطنية والدولية. وفي تقارير لا يمكن أن نقول بالضرورة إنها معادية لنا دائما. والدولة عندما لا تستبق، تخضع للضغط، والدولة عندما لا تريد أن تتصرف تحت الضغط، عليها أن تسير على منطق سليم وأن تستبق الاحداث. ومن هنا، كان علينا أن نبقى في منطق الانصاف والمصالحة الذي دشناه بإرادة جماعية، شعبية، ملكية. وأن تظل أبوابنا المفتوحة، كما في مكونة ودرب مولاي الشريف هي عنوان المرحلة. لقد قامت الجمعيات بالدعوة الى الوقفة في ما اعتبر المعتقل السري، ووجدوا أنفسهم أمام مؤسسة أمنية. وإذا كنا نعتقد بأنه لا تقبل أية ديموقراطية أن تداس مؤسساتها الاستراتيجية، فإن المنطق نفسه هو الذي يدفعنا الى أن نجعل من المقرات عناوين معروفة، كما هو حال مقر لانكلي للمخابرات الامريكية. هناك اليوم فوبيا من مقرات الاجهزة، قد يعرفها الديموقراطيون كما قد يتولاها متطرفون يريدون أن يجروا الدولة الى المواجهة، ولا يمكن إلا أن ندافع عن قوة الدولة ، مقابل قوة القانون.