سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
أسامة لخليفي يروي للمساء كواليس النزهة الاحتجاجية إلى معتقل تمارة يروي كيف وجد نفسه مغمى عليه في المستشفى وكيف أخرجوه دون موافقة الأطباء تمهيدا لاعتقاله
تنظيم «نزهة احتجاجية» إلى معتقل تمارة لم يكن بالأمر السهل، حيث تطلب ذلك من الشباب البحث عن خارطة طريق تقود إلى المعتقل والقيام باستطلاعات للمنطقة. وبالرغم من المضايقات التي أكد الخليفي بأن شباب حركة 20 فبراير تعرضوا لها خلال الأسابيع الأخيرة من تنظيم النزهة الاحتجاجية، ظل الكل مصرا على تنظيم «النزهة» إلى المعتقل، حيث يقول الخليفي: «تم الاجتماع قبل الموعد المحدد، وكان ذلك يوم الجمعة 13 ماي، وفي الاجتماع تم الاتفاق على أن الانطلاقة ستكون من أسواق السلامبتمارة». شاب في العشرينات من عمره، اختار الاحتجاج السلمي من أجل التغيير. ورغم الضرب الذي تعرض له عقب المسيرة، التي كانت ستتوجه صوب المعتقل السري بتمارة، والذي أدى إلى إصابته بكسور في الكتف والأنف، يحكي أسامة كيف أنه لم يفقد قوته وعزيمته وإصراره على مواصلة الطريق، مقتديا في ذلك بالمهدي بنبركة وعمر بنجلون وعبد الكريم الخطابي وغيفارا وغيرهم من رموز النضال. إنه أسامة الخليفي، ابن مدينة تطوان، الذي يقول إنه اختار النضال مسارا لحياته، رغم أن هذا المسار له تكلفته الخاصة، إذ تذوق طعم البطالة كغيره من الشباب، وعندما اشتهر اسمه ضمن حركة 20 فبراير، أصبحت الوظائف تتقاطر عليه والوعود تقدم إليه إما بالسفر خارج الوطن أو بالعمل داخله، لكنه، يضيف في مقابلة مع «المساء»، رفض ذلك واعتبره تغريرا به. كان أسامة يتحدث والابتسامة على وجهه، رغم الألم الذي يشعره به، إذ كان كله أمل في مستقبل جديد مليء بالحريات. مسيرة التغيير في سن العاشرة التحق أسامة الخليفي بحركة الطفولة الشعبية، التي كانت تابعة لحزب الاتحاد الاشتراكي، وعند بلوغه سن 18 سنة أصبح أصغر كاتب فرع في الحزب نفسه، لكن فيما بعد سيكتشف أن الحزب لم يلبّ طموحاته فالتحق بحزب ال«فايسبوك»، على حد تعبيره. يقول أسامة: «الفكرة تولدت بشكل أكثر جدية وفعالية مباشرة بعد ثورة تونس، حيث ازداد طموح الشباب من أجل التغيير». هذا الطريق الذي رسمه أسامة لنفسه ساهمت أسرته فيه بشكل كبير، فهو ينتمي إلى عائلة أغلب أفرادها كانوا معتقلين سياسيين، من جده إلى عمه، بالإضافة إلى والده الشرطى، الذي كان له دور كذلك في صقل شخصية ابنه، لأنه منحه، على حد قول أسامة، الثقة ولم يقمعه يوما، بل على العكس منحه الحرية في الاختيار. لمع اسم أسامة الخليفي بعد انخراطه في حزب ال«فايسبوك»، كما أسماه، حيث يؤكد بأنه وجد ذاته في حركة 20 فبراير، ووجد هدفه الذي لا طالما حلم به، وهو مقاومة الظلم والاستبداد. الشاب الخليفي لم يعد كما كان في السابق حرا طليقا، بل أصبحت خطواته محسوبة، كيف لا وقد أضحى معروفا في مدينة سلا والرباط والدار البيضاء، بفضل حضوره الدائم في جل الوقفات التي تقوم بها الحركة، التي استطاعت في وقت وجيز أن تكسب ثقة الشعب المغربي، من خلال الأعداد الكبيرة التي استقطبتها، وأضحت تتواجد معها بقوة في كل الوقفات الاحتجاجية التي تنظمها. «نزهة» تمارة والتدخل العنيف بدأت التحضيرات للمسيرة التي قررت حركة 20 فبراير القيام بها وهي عبارة عن نزهة «احتجاجية» إلى المعتقل السري بتمارة بأسابيع قبل ذلك، لكن التحضيرات، كما وضحها أسامة الخليفي، لم تكن عادية كباقي المرات التي خاضت فيها الحركة مسيراتها، فالوجهة هنا معتقل تمارة، الذي يقول الخليفي»اشتهر بتعذيب المعتقلين بأبشع الطرق»، مضيفا أن «شباب الحركة كانوا متحمسين جدا لهذه المحطة النضالية. الكل يشتغل بدون كلل أو ملل، ولكن للأسف اكتشفنا بأن الجهاز الأمني في المغرب يتمتع بقداسة خاصة». تنظيم «النزهة الاحتجاجية» إلى المعتقل لم يكن بالأمر السهل، حيث تطلب ذلك من الشباب البحث عن خارطة طريق تقود إلى المعتقل والقيام باستطلاعات للمنطقة. وبالرغم من المضايقات التي أكد الخليفي بأن شباب حركة 20 فبراير تعرضوا لها خلال الأسابيع الأخيرة من تنظيم «النزهة الاحتجاجية»، ظل الكل مصرا على تنظيم «النزهة» إلى المعتقل، حيث يقول الخليفي:«تم الاجتماع قبل الموعد المحدد، وكان ذلك يوم الجمعة 13 ماي، وفي الاجتماع تم الاتفاق على أن الانطلاقة ستكون من أسواق السلامبتمارة» . القصة كما حكاها أسامة تشبه فيلما بوليسيا من أفلام المطاردات، التي نتابعها فقط على شاشة التلفزيون، ففي الصباح انطلق أسامة وكله أمل في أن يكون اليوم متوجا بتحقيق جزء بسيط من ذلك الحلم الذي راود شباب الحركة والحقوقيين والمنظمات الدولية، وهو الوصول إلى معتقل تمارة السري. هذا الاسم المخيف الذي «أصبح ذكره يقض المضاجع» يقول أسامة. وبعد الوصول إلى مقر الاتحاد المغربي للشغل، انطلق أسامة برفقة ثلاثة نشطاء في سيارة على أساس القيام باستطلاع للموقع، وقبل الوصول إلى «أسواق السلام»، يحكي أسامة، «تم توقيفنا من طرف عناصر أمنية وطلبوا منا الإدلاء ببطاقات التعريف الوطنية ووثائق السيارة، ليتم حجز السيارة وإرسالها إلى مستودع السيارات، ومع ذلك أكملنا السير مشيا على الأقدام حتى وصلنا إلى أسواق السلام». كان عدد المحتجين يقارب 400 شخص، يقول أسامة، وهو ما حفزه رفقة الأصدقاء على البدء في ترديد الشعارات. «رددنا: «الحرية الحرية للمعتقل السياسي» و«القمع لا يرهبنا والموت لا يفنينا» و«الشعب يريد إسقاط الاستبداد» يقول أسامة. وقبل أن تنتهي الدقائق الثلاث، يضيف الخليفي، انهالت العصي والهراوات على المحتجين، الذين هربوا لتبدأ المطاردات الفردية وعمليات الكر والفر، التي خلفت، حسب الخليفي، إصابات في صفوف المحتجين لم يسلم منها أنفسهم الصحفيون، وحالة عارمة من الخوف والهلع. وتابع أسامة قائلا: «هربنا إلى مقر الاتحاد الاشتراكي وصعدنا للسطح وقامت قوات الأمن باللحاق بنا إلى هناك حتى وصلنا إلى السطح الذي كان بدون سور، فقمنا بتهديدهم بالانتحار في حال تم الاقتراب منا وكنا آنذاك أحد عشر شخصا». وعلى إثر هذا التحدي ومواجهة الموت، يضيف الخليفي، تراجعت القوات الأمنية وابتعدت عن المكان، «فعدنا أدراجنا إلى مقر الاتحاد المغربي للشغل ثم مقر حقوق الإنسان، وسمعنا أن هناك تدخلا عنيفا وقع في حق مواطنين بالبرلمان، فانتقلت المسيرة إلى هناك لنفاجأ بتدخل عنيف آخر». وبالرغم من هذا اليوم المليء بالمفاجآت لم تستسلم حركة 20 فبراير، حسب أسامة، الذي يقول: «قررنا في المساء العودة إلى تمارة للمشاركة في المسيرة التي نظمتها التنسيقية هناك، غير أنه في الطريق سيتم توقيفنا من جديد»، مضيفا أنه «عندما رأينا قرابة 30 رجل أمن يجرون نحو السيارة التي كنا نركبها، هربنا مباشرة ودون تفكير. ومع ذلك طاردونا فهربت إلى أحد المحلات، حيث اختبأت، فبدأ رجال الأمن يبحثون في المنازل «دار دار»، حتى وصلوا إلى المحل ليجدوني هناك». وأضاف «بمجرد القبض علي تم ضربي على كتفي وعندما لم أسقط تم ضربي على رأسي فسقطت مغمى علي حتى وجدت نفسي بالمستشفى». ولكن الخطير في الأمر، يقول أسامة، هو أن إدارة المستشفى أصرت على خروجه بالرغم من أن الأطباء رفضوا ذلك. وهذا حسب تعليله كانت له نوايا من أجل اعتقاله، وهو الأمر الذي يفسره باعتقال والده بدلا منه. لحظة استيقاظه، يحكي أسامة ل«المساء»، شعر بفرحة عارمة عندما رأى وجوه أصدقائه المناضلين، فالضربات التي تلقاها، يقول، لم تزده إلا تمسكا برأيه في التغيير والكفاح. يقول أسامة: «الضربة التي لا تقتل تقوي، وأنا زدت إصرارا وعزيمة على مواصلة النضال برفقة حركة الشعب». وتساءل: لماذا تم التدخل بشكل عنيف في هذه المسيرة بالذات ولم يتم ذلك مع باقي الوقفات؟. أسامة واعتقال رشيد نيني والإشاعات اعتبر أسامة بأن اعتقال رشيد نيني هو اعتقال لحرية الصحافة، «فهو يؤدي ضريبة التغيير من خلال الأيام التي يقضيها في السجن، ونحن نؤدي ضريبة التغيير بالعصا التي نزلت فوق رؤوسنا»، ولكن يضيف بأن ذلك «مجرد شطحات لأجهزة الأمن لأن قلم رشيد نيني سلاح حاد كان له دور فاعل في التعريف بالحركة وفي جعلها تطلع على مجموعة من الملفات التي لها علاقة بالفساد المستشري في مجموعة من القطاعات»، قبل أن يضيف «كنا من الأوائل الذين نددوا بهذا الاعتقال، الذي يعبر عن التراجع الذي أضحت تعرفه حرية الرأي والتعبير في بلادنا. ولهذا نطالب بالإفراج عن رشيد نيني فوريا وبدون شروط». أسامة الذي أصبح شخصية معروفة لا تعني له الشهرة أي شيء. صحيح أن وضعه تغير لأنه أصبح دائم السفر ووقته ليس ملكه، إلا إن هذا فتح له الباب على مصراعيه من أجل ربط علاقات مع مناضلين آخرين من داخل وخارج المغرب. وبالرغم من الانتقادات التي تعرض لها والإشاعات التي راجت حوله، فإن أسامة الخليفي يعتبر بأن الأنظمة العربية تتشابه في هذه الأشياء، لا لشيء سوى من أجل محاولة تخويف الشباب. يقول أسامة:«في البداية قيل إننا نعمل لصالح البوليساريو وبأننا عملاء لإسبانيا وعملاء للموساد، ومن بعد انتقلت الاتهامات من صبغة جماعية إلى صبغة شخصية، فقالوا إنني مسيحي وإنني ملحد، ولكن صراحة هذا لم يعد يعنيني الآن، لأن قضايا أهم تنتظرني. صحيح أنني تأثرت في البداية، ولكن الشعب لم تعد تنطلي عليه مثل هذه الأقاويل».