يبدو ان سياسة الكوطا التي طالب بها نيكولا ساركوزي في مجال الهجرة ،قد اعجبت اعضاء الطاقم التقني للمنتخبات الفرنسية والجامعة ،وفكروا في تطبيقها بمدارس النخبة من اجل الحد من ولوج ابناء المهاجرين لها ،خاصة ذوي الجنسيات المزدوجة، والذين يمكن ان تستفيد بلدانهم الاصلية مثل المغرب من خدماتهم . هذه القرارات حول الكوطا تداولها اجتماع رسمي حضره الناخب الفرنسي لورون بلان ، كشف عنها موقع (ميديا بارت) ، وهي قرارات تخالف القوانين الفرنسية نفسها التي تمنع كل اشكال الميز بسبب اللون او الانتماء او الدين . ومنذ الكشف عنها انقسم الوسط الرياضي الفرنسي بين مؤيدين للناخب وبين من طالبه بالاستقالة او على الاقل مراجعة موقفه بعد هذا السلوك العنصري. طبعا ما يصيب الرياضة الفرنسية يعكس الاوضاع السياسية التي تعيشها فرنسا، حيث ازداد دور اليمين المتطرف الفاشي بفرنسا في السنوات الاخيرة، فعندما فاز الرئيس الفرنسي بالانتخابات الاخيرة في 2007 كان ناخبو اليمين العنصري لا يتجاوزون 10 في المائة ، اليوم بعد أربع سنوات من الحكم يصل عددهم الى 24 في المائة وزعيمتهم مرشحة للمرور الى الدور الثاني في الانتخابات الرئاسية المقبلة، كما تعكس ذلك مختلف استطلاعات الرأي. طبعا استعمال قضايا الهجرة ،الاسلام والامن كمواضيع انتخابوية هي التي ادت الى هذا التصاعد.في السابق كان حزب ماري لوبين هو الوحيد الذي ينظر الى المنتخب الفرنسي بشكل سلبي رغم فوزه بكأس العالم، وكان يرى ان عدد الافارقة والاجانب به كثير ولا يعكس صورة فرنسا، لكن اليوم يبدو ان هذا الشعور يقتسمه مع الحزب الفاشي جزء كبير من القيادة التقنية الفرنسية بمن فيهم الناخب الفرنسي لورون بلان، حسب ميديا بارت.رغم ان هذا الاخير فاز بكأس العالم سنة 1998 رفقة فريق فرنسي متعدد الاجناس والاصول، تحت شعار ساد آنذاك والذي يمكن ترجمته « أسود أبيض وعربي» وهو ما يعكس الخليط الذي كان يعرفه المنتخب الفرنسي انذاك.بل ان الخليط كان منذ ان بدأت الكرة بفرنسا وهو ما يعكسه وجود لاعبين من اصل اجنبي في كل التظاهرات الكبرى التي شارك بها المنتخب الفرنسي. اليوم يبدو ان الوضع تغير بفرنسا، واصبحت النظرة الى الاجانب والفرنسيين من أصل اجنبي بصفة عامة، سلبية ولعب السياسيون دورا كبيرا في هذا المجال، واذا كان هذا الدور مقتصرا في السابق على حزب جون ماري لوبين الذي كان استثناء في الساحة السياسية الفرنسية بخطابه الديماغوجي، فإن الوضع تغير اليوم واصبح اليمين الكلاسيكي الحاكم يلجأ الى هذا الخطاب الشعبوي، آملا في الحصول على اصوات جزء من الطبقة العاملة الفرنسية التي تضررت من العولمة ومن تغير مفهوم العمل بصفة عامة بفرنسا وبالعالم. في فرنسا كانت الرياضة و الجيش هما المؤسستان اللتان تقومان بدور كبير في إدماج الاجانب، باعتبارهما مؤسستين في حاجة الى كفاءة وشجاعة كبيرة،لأن الزبونية والميز ليسا بإمكانهما إعطاء رياضي او عسكري من الطراز الكبير.اليوم يعد الكشف عن محاضر اجتماع الهيئة المسيرة للمنتخبات الوطنية الفرنسية، والسعي الى تطبيق نظام الكوطا من اجل الحد من الفرنسيين ذوي الاصل الاجنبي، من اكبر فضائح الرياضة الفرنسية ومنتخب كرة القدم بعد الاداء والصورة السلبية التي خلفها المنتخب الفرنسي بكأس العالم الاخيرة بجنوب افريقيا . طبعا كشف هذه الفضيحة اثار ضجة كبيرة بفرنسا وأجبر وزيرة الرياضة والشباب الفرنسي على المطالبة ببحث مستعجل من اجل التأكذ من هذه الممارسات ،كما ان هناك اصواتا طالبت بإقالة الناخب الفرنسي لورون بلان من منصبه،حيث مثل يوم 9 ماي امام لجنة التحقيق في هذا الموضوع. أحد المتتبعين اعتبر ان هذا النوع من الممارسات من طرف المسؤولين عن النخب الوطنية الفرنسية يبقى عاديا لعدم وجود اي مسؤول من اصل غير اوربي داخل هذه الهيئة المسيرة منذ استقالة ليليان تورام سنة 2010 ،في حين ان الممارسين اغلبهم من اصول متنوعة، لأن الرياضة هي إحدى وسائل التسلق الاجتماعي بالنسبة لهذه الفئات الاجتماعية من اصول مهاجرة .ويبدو ان المشاكل التي يعاني منها المنتخب الفرنسي في السنوات الاخيرة ،هناك من يريد إلصاقها بالفرنسيين من اصول اجنبية دون محاولة البحث عن الأسباب الحقيقية.رغم ان كرة القدم بفرنسا عرفت منذ انطلاقها حضور نجوم من اصول اجنبية خاصة من المستعمرات السابقة،لا احد ينسى العربي بنمبارك والذي كان يطلق عليه الفرنسيون «الجوهرة السوداء للدار البيضاء» ،والذي شارك في امجاد الكرة الفرنسية في عقد التلاثينات.وميشل بلاتيني ابن مهاجر ايطالي والذي اصبح اليوم يسير اكبر منظمات كرة القدم بالاتحاد الاوربي وغيرهم كثير .وهي اسماء سبقت زين الدين زيدان وليليان تورام، طبعا اليوم الحديث عن الكوطا يطرح اشكالية غير صحيحة ،ولماذا اليوم استهداف ذوي الجنسيات المزدوجة،وكما يقول احد المختصين في تاريخ الاستعمار باسكال بلانشار، فإن فرنسا عندما كان هذا الامر في صالحها ، كانت تلجأ الى تجنيس الاجانب من اجل الاستفادة من خدماتهم وإعطاء بعض الاضواء الى منتخبها الخافت، لكن اليوم لا نريد من هذه البلدان ان تستفيد هي الاخرى بدورها من ذوي الجنسيات المزدوجة المكونين بفرنسا ، واصبحت اختيارات هؤلاء تغضبهم. طبعا العديد من الاسماء القديمة حاولت انقاذ الناخب الفرنسي واعتبرت ان ما صدر منه لا ينم عن انه عنصري ، بل فقط لم ينتبه الى ما قاله،هكذا انقسم اصدقاء كأس العالم لسنة 1998 بين البيض والسود، واذا كانت الفئة الاخيرة عبرت عن عدم فهمها لتصريحاته دون ان تصل الى حد اتهام الناخب بالعنصرية مثل تورام وفييرا ولاما ، لأنها عانت بنفسها من سلوكات الميز، فإن فئة أخرى مثل دوغاري ، ليزارازو وديسايي... لم تر اي خطأ فيما قاله الناخب واعتبرت ان التصريحات في حقه كانت عدوانية. زيد الدين زيدان بعد تردد اصطف الى جانب الناخب الفرنسي من اجل البقاء على رأس النخبة.