وتظل سنوات الجمر والرصاص قابعة في الذواكر والوجدان.. سنوات لم تطَل فقط -يردد أحد البيضاويين - الأبدان والكرامات وعز إنسية الإنسان، ولكن أيضا كل ما هو ثقافي، وآية ذلك ما كان المسرح البلدي عرضة له. في هذا الصدد، يروي الحاج أحمد الصعري، الذي يعتبر بحق ذاكرة المسرح البلدي بالبيضاء، أن « المسرح قد أسس برغبة من الماريشال ليوطي ليتسنى له مشاهدة أوپريت أغنية (البجع)، مطلع القرن العشرين. كان هذا التأسيس محض صدفة . لكن الظروف شاءت أن يصبح هذا الصرح مسرحا دائما أو كما قيل أنذاك «المؤقت يدوم». كانت فكرة ليوطي لبناء مسرح مؤقت مجرد تلبية لنزواته الفنية ليس إلا. إبان الاستقلال، كانت إدارة المسرح مناطة بمعمِّر فرنسي يدعى«سيليري»، ليليه.، بعد ذلك الفنان موسى عفيفي، أقول موسى عفيفي، فالطيب الصديقي ثم توالت على إدارته أسماء حتى حدود 1984 حين تم هدمه وقد كان على رأس إدارته وقتها عبداللطيف الزياني. نزل الأمر بالهدم كالصاعقة على مسيري ومرتادي المسرح البلدي الذي كان يشهد طفرة نوعية وكمية من العروض المسرحية والفنية. ففي يوم كان من المقرر فيه إجراء أنشطة فنية ومسرحية لفائدة تلامذة ثانوية ليوطي، أتى شرطي على متن دراجته حاملا رسالة مستعجلة ممضاة من طرف إدريس البصري وزير الدخلية أنذاك، تأمر مسؤولي المسرح بإخلائه وإغلاقه على الفورلأنه قُدّر له الهدم بنِية مبيَّتة بدعوى أنه آيل للسقوط في كل وقت وحين، مع محضر ترتب عن اجتماع مع منتخبي مدينة الدارالبيضاء الذين أجمعوا على قرار الهدم خوفا وهلعا في ظل أجواء سنوات الرصاص المريرة والقاسية جدا. هكذا تم ترحيل مقر المسرح البلدي إلى شارع الجيش الملكي، حيث هناك محل هو عبارة عن قاعة للأفراح تصلح لكل شيء إلا للعروض المسرحية، مع إنذار مرفوع من والي الدار البيضاء إلى مديرية المسرح، مهددا إياها بسوء عاقبة اتهامه: ب«قمع الحركات الفنية والفكرية بهذه المدينة». وأعطي وعد بعد تدخل وجوه ثقافية ومسرحية لإنشاء مسرح جديد خصصت له ميزانية قبالة سينما أوپرا، إلا أن الوعد بقي حبرا على ورق، ومازال الانتظار والترقب قائمين». واليوم، وفي هذه الأجواء الفريدة من نوعها التي اقتضتها رياح التغيير والاصلاح في بلادنا، فالجميع يتطلع-مرة أخرى- إلى إنصاف مدينة البيضاء إنصافا يليق بمقامها اليوم وبتاريخها الشامخ وذاكرتها الجمعية والفردية التي لاتبلى مع مر الزمن.