1 * كما هو الإبداع الذي ينهض من الدهشة ويتشكل فيها ، هبط علينا هذا العالم بكل ما يحمل من دهشة وغموض وإغراء ، بحيث لا يملك الكائن إلا أن يدخل في هذه المغامرة وهذه القارة المجهولة . قد يكون الأمر في البداية استكشافا لأسرار هذا العالم ومكامن غموضه ثم يتحول إلى المساهمة في تشكيله وتبادل التأثر والتأثير . لأن هذه التقنية الجديدة شئنا أم لم نشأ تتشكل فينا ونتشكل فيها وضمن هذين المسارين كانت بدايتي على الشبكة بمدونات شخصية أنشر فيها كتاباتي ومن ثم في المواقع الثقافية والأدبية والمجلات الالكترونية كان ذلك في العام 2005 وترسخت علاقتي بهذه الشبكة عندما أنشء اتحاد كتاب الإنترنت الذي أتاح للكتاب مساحات واسعة للتواصل ونشر أعمالهم الإبداعية والثقافية . في البدء كان ثمة تهيب من الغوص في هذه المجاهيل لذلك كانت البداية حذرة بعدها تشعبت المواقع والمنتديات وبدأت هذه الشبكة تحتل مساحة لابأس بها من اهتمامي لأنها هيئت لي الكثير الكثير من المساحات المعرفية والتواصلية وغيرت الكثير لدي من مفاهيم التلقي ومفاهيم النص الأدبي والنص الرقمي مما استدعى البحث في هذه الظاهرة والتأسيس لمصلحاتها النقدية والإبداعية التي تعيننا على التشكل الإبداعي الجديد . 2 *كثيرا ما تتردد مقولة أن للورق إغراؤه وحميميته واتصاله بالإبداع والمبدع وأن العالم الافتراضي لم يستطع حتى الآن أن يزيح العالم الورقي . هذه المقولة صحيحة في جانب منها وفي جانب آخر لا تقارب اللحظة المستقبلية التي مازالت مفتوحة على احتمالات أكثر غموضا وأكثر دهشة لأن العالم الافتراضي مازال يحمل الكثير من المجاهيل التي تتناسب وسرعة هبوطه على العالم والكائن وتشكيل شبكاته وتواصله واحتوائه للمعرفة والأسرار ، وتجاوزه لكل الثوابت التي ترسخت منذ مئات السنين . لذلك أ قول إن هذه المنقولة تصح إذا لم نعتبر العالم الافتراضي بديلا من الورقي ولا الورقي ضحية للافتراضي ، ولكن لكل عالم أسباب وجوده والعالم الافتراضي كما هو واضح هو الأكثر جدارة في الثبات والتطور والتشكل لذلك كان تواصلي رئة تتنفس فيها أعمالي وكتاباتي الإبداعية مما قزّم الرقيب الداخلي الذي يحمله كل مبدع في داخلة خاصة وأن النشر الورقي له قيوده وقواعده التي ترسخها علاقته المحكومة بمؤسساته وغاياته أما مع النشر الإلكتروني فقد تجاوزت هذه الحالة مما منح النص أكثر حرية في الكتابة هذا إضافة إلى التلقي الواسع والشاسع للنص الإبداعي. 3 عطفا على الجواب السابق فالإنترنت هو حالة معرفية مختلفة وجديدة فلاشك أنها ستترك أثرها على النص وعلى منتجه وعلى مفاهيم المبدع وأعتقد أن هذه الشبكة ساهمت في الكثير الكثير في إيصال تجربتي وإغنائها بما أتاحته من تواصل مع مبدعين وكتاب وكاتبات لم أكن لأتواصل معهم حوارا ومعرفة لولا هذه الشبكة . والكاتبات اللواتي لا يتواصلن مع الشبكة ربما يصبن مع الزمن بحالة من الضمور المعرفي وانقطاع عن التطورات والكتابات الجديدة التي لا تتيحها إلا شبكة النت . 4 * في البداية كنت أنتشي وأنا أرى نصي على صفحة جريدة أو مجلة ، أما فيما بعد فقد تحول الأمر إلى حالة مختلفة ليس فقط أن أرى نصي خلال دقائق منشورا على الواجهة الالكترونية وإنما عندما أرى الأثر المباشر للنص على المتلقي الذي يتواصل معه وبالتالي يتحول النص إلى حالات متعددة من الإنتاج المختلف من خلال القراءات المختلفة ، بحيث تنعكس ثقافة التلقي على ثقافة الإنتاج النصي ، وهنا يأخذ الحوار مداه الأقصى بين المبدع والمتلقي وبين الرؤى الإبداعية وإذا كانت مقولة بارت حول النص المفتوح تأخذ تشكيلها في تأويلات النص الورقي فقد وسعت شبكة النت هذا التلقي ووسعت شبكة إنتاج النص الإبداعي برؤى نقدية حديثة. 5 * لاشك إن الشبكات الاجتماعية قد فككت الكثير من الثوابت في العقلية الإنسانية وساهمت في بناء وتشكيل معطيات أكثر شساعة وإنسانية، إلا أن الأمر لا يخلو من بعض الحذر في ظل العقلية القديمة بثوابتها ، لأن هذه الشبكات التي تنشر الترابط والوعي الإنساني ، تحتاج أيضا إلى وعي آخر للتعامل معها، ومجتمعاتنا العربية خطت وتخطو في هذا المجال والأمر يحتاج إلى مزيد من الوقت لاستقرار المفاهيم الجديدة والعلاقات الجديدة بعيدا عن المترسخ والثابت. 6 * إن النص الرقمي أو التشعبي أو الترابطي ، هو نص جديدة بكل المقاييسس ، ونص مختلف سواء بإنتاجه أو بتلقيه ، أو بمرجعياته الثقافية والمعرفية ، لذلك لا أعتقد أن هذا الجنس الإبداعي الجديدة سيؤثر على كنه النص الإبداعي لأن هذه التناصات الكثيرة التي ترتبط معه وتساهم في إغنائه تمنحه تأويلات مختلفة وبالتالي تعمق كنهه ، لأن كل الأدوات التفاعلية سواء الميديا أو الصورة أو مقاطع الفيديو أو اللوحات التشكيلية أو المؤثرات الفلاشية أو غيرها تحمل مرجعياتها الثقافية وعندما تساهم في تشكيل النص الإبداعي ر قميا تتماس تلك المرجعيات مع مرجعيات النص وبالتالي تنشأ مرجعية جديدة هي المرجعية الرقمية التي أنتجت النص الرقمي ، ومن هنا لابد أن تختلف قراءة هذه النص عن قراءة النص الورقي ،ولكي يأخذ هذا الشكل بعده الحقيقي ، لابد أن تواكبه مجموعة من التحولات ، ليس فقط تحولات نصية على شكل النص، أو علاقاته ومفاهيمه ، بل لابد من تحول في الذهنية العربية ، بمستوياتها المختلفة ، وبمدى تطلعاتها لمواكبة العصر المعلوماتي ، ومدى استجابتها لتفعيل هذا التطور في بناء مستقبلها الحضاري . انطلاقا من بناء لغة جديدة ، محفزة على خلق إبداع جديد . وبناء على ذلك يرى الدكتور سعيد يقطين أن الكتابة العربية « في مختلف تجلياتها مدعوة استجابة لضرورات التطور وإلحاح الانتقال إلى مستوى آخر من إنتاج النص وتلقيه ، إلى الانتقال إلى الوعي بضرورة فهم جديد للنص وبأهميته ، والكتابة المنظمة وضرورتها الطبيعية ( الكتابة الترابطية ) وكلما تأخرنا في انجاز هذا التحول على صعيد الوعي والممارسة كان تأخرنا ليس فقط في إنتاج وتلقي « النص » و « النص المترابط » ولكن أيضا في الاستفادة من الروافد التكنولوجية واستثمارها الاستثمار الأمثل في إنتاج معرفة جديدة وفي الارتقاء إلى أفق جديد للتواصل من خلال المفاهيم وبواسطتها وبتوظيف الوسائط الجديدة للاتصال والتواصل والتطور. 7 * ليس الأمر في انخراط الكاتب في هذه الثورة الرقمية وإنما في إدراك الأهمية القصوى لهذا الانخراط ، وهذا الإدراك لايتأتى إلا من خلال نشر الوعي الالكتروني من خلال التواصل المباشر خاصة في المؤسسات الثقافية والأدبية كوزارات الثقافة واتحادات كتاب العرب حيث يكون ثمة محاضرات وندوات مكثفة ومبسطة وبالتالي خلق حالة من التواصل الحقيقي من خلال مواقع تلك المؤسسات وتفعيلها ، هذا إلى جانب تعويض الكتاب ماديا وشراء أعمالهم الإبداعية لنشرها على الشبكة لهذا السبب الكثير من المبدعين يفضلون النشر الورقي ، لذلك لابد من انتشار دور نشر إلكترونية تقوم بدور فعال في هذا المجال سواء بنشر الكتاب وشراء حقوقه أو بإخراجه إخراجا مختلفا وإتاحة المجال لانتشاره على أ كثر مدى ممكن . 8 * أعتقد أن هذا الأمر فيه نسبة كبيرة من الصحة ، حيث ساهمت هذه الشبكات في التواصل والحوار والتفاعل ، بعيدا عن رقابة الرقيب ، وبالتالي حققت تجمعات كبير ة تلتقي وتخطط وتؤسس لحراك ثقافي أو سياسي أو اجتماعي ، وبالتالي ساهمت في التأسيس لمجتمع عربي جديدة إلا أن هذه الشبكات لايمكن أن تقوم بدورها إلا إذا كان الإنسان مهيئا قبل ذلك لخلق هذا الحراك وهذا التفاعل ، فالثورات العربية التي قامت ومازالت لم تأت من فراغ وإنما جاءت نتيجة تراكمات كثيرة شكلت حالة من الوعي ساهمت في تفاعلها هذه الشبكات. 9 * ثمة عمل انتهيت منه وهو كتاب ( الأدب التفاعلي وحوار الثقافات ) بحثت فيه عن العلاقة بين الأدب والنظام الإعلامي الجديد الذي تحدده ثورة المعلومات ، حيث بينت مفهوم الحوار بين الثقافات كرؤية فاعلة من أجل مستقبل الوجود الإنساني وكفاتحة للدخول في مفهوم العولمة والعولمة الثقافية ومفهوم الهوية الثقافية ، ثم مفهوم الأدب التفاعلي لأن الحوار هو الأفق الذي يحدد مدى تفاعلية هذه المصطلحات فيما بينها ومدى فاعليتها في الوجود الإنساني ، بعد ذلك تناولت الأدب بين العولمة والعالمية مبينة مفهوم العولمة كنظام اقتصادي شامل يسعى إلى تحويل العالم إلى سوق اقتصادية مفتوحة تحت هيمنة الشركات الكبرى في العالم لأصل إلى مفهوم العولمة الثقافية تمهيدا لتوضيح الفرق بين مفهوم العولمة ومفهوم العالمية حيث ينحاز البحث إلى مفهوم العالمية أكثر من مفهوم العولمة خاصة في الإطار الأدبي والإبداعي . وفي البحث التطبيقي توقفت عند عملين رائدين في مجال الأدب التفاعلي رواية (شات ) للدكتور محمد سناجلة ، وقصيدة ( تباريح رقمية لسيرة بعضها أزرق ) للشاعر مشتاق عباس معن وقد حاولت في هذا المجال أن أعطي النص الإبداعي مساحة أوسع من التحليل لأنني كما أرى أن النص الأدبي هو الأساس المكون للنص التفاعلي وماعدا ذلك من تقنيات إنما هي عوامل مساعدة لتحقيق سمة التفاعل الأدبي داخل النص وخارجه أي مع المتلقي . وأعتقد سيكون السبق للنشر الورقي لأن دار النشر هي التي تتكفل بكل شيء وليس هناك نشرا الكترونيا يقوم بنفس العمل ، ولكن ر بما أنشره كنسخة إلكترونية فيما وليس كتابا إلكترونيا وإذا أتيحت له الفرصة للنشر ككتاب إلكتروني فليس لدي أي مانع.