كَشَاعر، لاَ أَقْبَلُ أن يُعتقَل شاعر. كصحافي، لاَ أقَبَلُ أن يُقتَادَ صحَافي إلى السِّجْن بسبب رأي أو كتابة أو خطأ مطبعي أو نحوي أو حتى بسبب خطأ مهني قد يتصوره الصحافي وقراؤه المتحمسون انتقاما لعدالة. أرفض أن يعتقل الشاعر والصحافي رشيد نيني لهذين الاعتبارين، والباقي مجرد تفاصيل يمكن أن يُتبادل فيها الرأي، وأن تعالج بهدوء وتبصر.. وأفق وسعة صدر. علينا ألا ننسى، العالم الخارجي (المتعاطف مع المغرب أو المضاد المعادي) لا تهمه التفاصيل. إنه ينتبه فقط للعنوان في الأخبار والقصاصات: المغرب يعتقل صحافيا. وبه يشتغل ويضغط. هكذا إذن، كما في فيلم صامت، يُتخذ القرار بالقيد فلا نكاد نسمع صرير الحديد. وكما لو عادت الدولة لتصبح من جديد علبة سوداء، صار علينا أن نفهم بأقصى ما لدينا من فطرة أن اعتقال شاعر صحافي يمكن أن يكون أولوية. (كما لو...!). في غرفة ضاجة بالشخير أو التصفيق، يراد لنا ألا نسمع خطاب 9 مارس العاقل الرحب وقد رفع العارضة. هل سيصبح المغرب فجأة ودون أن نعلم سيارة معطلة لا يشتغل فيها إلا الراديو؟ هل اضمحلت الخيارات إلى هذا الحد، ألف صيغة وصيغة ممكنة.. ولا نعثر على صيغة أكثر تعقلا من هذه، وأجمل إخراجا من انزلاق القيد في اليدين أو «حرية» الكتابة فقط على جدار زنزانة؟ في العالم، هناك في العالم، الشاعر لا يعتقلLe poète ne s embastille pas والصحافي لا يعتقل. ومع أنني مؤمن بدولة القانون، لا أؤمن مطلقا بسطوة الحيثيات إلى هذه الدرجة. القانون في النهاية تصريف للسياسة، أي إنفاذ لإرادة الدولة. الدولة التي عليها أن تنصرف إلى اهتماماتها الجدية، فلديها الكثير لتنجزه.. بدلا من أن توضع لها حصاة صغيرة في حذاء الخطوات. أقصد أنني مع إرادة الدولة لا إرادة الأشخاص المهتاجة. في المغرب، هنا في المغرب، علينا دائما أن نتضرع لله: اللهم اعطنا خصما عاقلا، إذا كان لابد لنا من خصوم! ملاحظة: موقف شخصي، كشاعر وكصحافي مهني سابق، يلزمني وحدي بهذه الصفة وحدها فقط لا غير. وهو لا يُلزم أي مهمة أو مسؤولية أتحملها.