وصل مجلس مدينة الدار البيضاء إلى الباب المسدود. هذا ما تأكد يوم أول أمس الثلاثاء، خلال الجولة الثالثة لدورة فبراير، التي انعقدت في شهر أبريل!! فرغم الوعود والتدخلات والحملات الإعلامية وولائم العشاء، لم يستطع رئيس مجلس مدينة الدار البيضاء أن يتطرق حتى إلى النقطة الأولى من جدول أعمال دورة فبراير. فمع البداية، تم تسجيل قرابة 27 نقطة نظام ، وكعادته، أطلق الرئيس العنان إلى نقط النظام هاته بدون حتى تحديد الوقت، فانقلب السحر على الساحر، وبقيت الأشغال «تتجرجر»! إذ انطلقت نقط النظام وانطلق معها الشجار و«البهلوانيات» في مسرحية رديئة الإخراج، ليعقبها توقف الأشغال لمدة تزيد عن الساعة، لتستأنف نفس المسرحية، ويتدخل «فيدورات» أثثوا القاعة جيء بهم لمساعدة المكتب المسير. المعارضة أثارت في تدخلاتها عدم قانونية الدورة ، على اعتبار أن الفصل 58 من الميثاق الجماعي ، يؤكد أن عدد دورات المجلس خلال السنة هو 4 دورات ، وتفصل بين كل دورة مدة زمنية معينة ، كما أن الدعوة المسلمة أخيرا لأعضاء المجلس تتضمن ، حسب المتدخلين ، «حضور دورة فبراير» في شهر أبريل! وذكرت التدخلات أن الرئيس والمكتب لم ينضبطا للمواد القانونية المتضمنة في الميثاق، وفي هذا الإطار أكد كمال الديساوي، أن الإشكال القانوني ليس هو الوحيد المطروح، بل إن جدول الأعمال لا يرقى الى انتظارات سكان الدار البيضاء ولا يترجم همومهم، حيث من المفروض أن يتدارس منتخبو البيضاء الإشكالات الكبرى للمدينة، لكن تم تغييب نقطة شركة ليدك التي أصبحت مطلبا شعبيا، كما غُيب إشكال الدور الآيلة للسقوط وتصور المجلس بشأن حله ، والعديد من المشاكل الاجتماعية التي أصبحت موضوع مظاهرات يومية أمام مقر الولاية ومجلس المدينة، والمكان الطبيعي لمناقشتها هو اللجن الدائمة للمجلس والمقاطعات والمدينة، في إطار من التناغم وتوزيع الأدوار. كما عبر العديد من المتدخلين عن ضرورة إصلاح مسار مجلس المدينة ووضع حد للفساد المالي والإداري الذي عمر طويلا ، حسب أقوالهم، مستشهدين ببعض الملفات ، كما جاء على لسان المستشار مصطفى رهين ، الذي أشار إلى بعض ملامح سوء تدبير الشأن المحلي، موجها اتهامات مباشرة لمحمد ساجد بخصوص «فساد التسيير» ، موضحا أنه رفع شكاية إلى جلالة الملك بشأن ما تعرفه الدارالبيضاء من اختلالات كبرى! أمام هذا الوضع المتأزم والباب المسدود، لم يسع أعضاء من مكتب المجلس ،الذين من المفروض أن يكونوا إلى جانب الرئيس المنوطة به مهمة «شرطة الجلسة»، إلا أن يساهموا في فوضى جديدة، حيث أخرجوا من منصة الجلسة يافطات تحمل شعارات معدة بصفة قبلية، وهو ما أجج الأجواء داخل القاعة، التي أصبحت في حالة غليان، لم ينفع معها تدخل ممثل الوالي، الذي أقر بأن السلطة نبهت محمد ساجد بأن رفع الدورة في جولتها الأولى لم يتم حسب الضوابط القانونية، و أن قراءة الولاية تذهب إلى أن الجولة الحالية تتم وفق القوانين المعمول بها ، وهذه هي قراءة ممثل الوالي، وأن الفاصل هو المحكمة الإدارية التي يمكن لأي مستشار أن يتوجه إليها في حالة عدم اقتناعه بعدم قانونية الدورة. بلغت الساعة العاشرة ليلا لتنتهي معها نقط النظام، لكن الفوضى بقيت حاضرة، فاقترح رئيس مجلس المدينة، أن تتم دراسة الحساب الإداري كنقطة أولى، خلافا للترتيب الأولي الموضوع في جدول الأعمال، ظانا أنها الفكرة الميكيافيلية، التي ستمكنه من حل مشكل التعثر الحاصل في أشغال الدورة، إلا أنه سيتبين فيما بعد أنها فكرة ستعصف بها، إذ لم يخطر في باله أن نقطة الحساب الإداري، يجب أن يترأس جلستها رئيس آخر غيره، ويجب أن يُتلى خلالها تقرير لجنة المالية وتوصياتها، وهي اللجنة التي لم تنعقد قط ، وبالتالي فلا تقرير لها ولا توصيات ولا هم يحزنون! أما بخصوص رئاسة الجلسة فقد حاول ساجد تنصيب كاتب المجلس عبد العزيز ناصر، إلا أنه كان للمستشار عزيز مومن عن حزب الاستقلال، رأي آخر، واعتبر أن رئاسة الجلسة يجب أن يطالها ترشيح وتصويت إن اقتضى الحال. وأمام تعنت الرئيس وتشدده في تنصيب ناصر، نصب مومن نفسه رئيسا، فأصبح لدورة الحساب الإداري رئيسان في المنصة! هكذا عاد «البلوكاج» مجددا إلى أجواء الدورة ، وخلقت حالة من الفوضى، وأصبح غرباء أوتي ببعضهم من طرف نواب الرئيس، يتدخلون بدورهم في الأشغال ، ووصلت الجرأة بأحدهم ، كان في حالة غير طبيعية، حد الاعتداء على أحد المستشارين، كما اعتدى آخر على مصور صحفي من جريدة بيان اليوم، وانفعل المستشار محمد فهيم عن حزب الاستقلال جراء هذه الوضعية وبسبب تعنت الرئيس الذي اعتبر أنه لا يريد تطبيق القانون، وأنه يخلق الاحتقان داخل المجلس وبين الأعضاء، وخلال انفعاله هذا أُغمي عليه لينقل على وجه السرعة إلى إحدى مصحات المدينة! أمام هذا المستجد ، توقفت الدورة مرة أخرى، ليبقى المستشارون خلال ما يزيد عن الساعة والنصف، تائهين داخل القاعة، بعد أن غاب رئيس مجلس المدينة، ليعود مرة أخرى ، لكنه فوجئ هذه المرة بضربة قاضية من طرف مستشاري حزب التجمع الوطني للأحرار ، المحسوبين على أغلبيته، والذين كان يعول عليهم في التصويت على الحساب الإداري، وذلك بإعلانهم عن استقالتهم الجماعية من مجلس المدينة وانسحابهم من الدورة! وفي هذا الإطار قال عزيز لمرابط من التجمع الوطني للأحرار ، «إن هذا القرار الذي اتخذه الفريق لا رجعة فيه ، وأنه اتُّخذ بعد أن اتضح لهم أنه لا يمكن مسايرة هذا الوضع ، ولا يمكن لفريقهم المساهمة في هذه المهزلة». هذه «الضربة» غير المنتظرة ، جعلت مصير الحساب الإداري إذا ما مرر للتصويت، هو «السقوط» ، وهو ما استشعره الرئيس فاقترح رفع الجلسة تحت غطاء الاطمئنان على الحالة الصحية لمحمد فهيم! يظهر جليا ، إذن ، أن مجلس مدينة أزيد من أربعة ملايين مواطن ومواطنة، مجلس العاصمة الاقتصادية للبلاد ، وصل الى الباب المسدود، والذي لن تنفع معه الحلول الترقيعية، والغالبية العظمى تعتبر أن حل المجلس هو السبيل الوحيد لحل أزمة المدينة. لكن يبقى لرئيس المجلس رأي آخر، وهو التشبث بمنصبه، رغم فقدانه لأغلبيته العددية !