بدا السيد مخاريق في جلسته البهية وبطريقة حديثه السماوية أشبه بالقائد معمر القذافي. وبدا، أيضا، أنه على وشك أن يعلن الحرب على كل التشكيلات الاجتماعية «زنگة زنگة»، وعلى كل الأحزاب التي تهدد النقابات والطبقة العاملة. وفي لحظة إشراق محجوبية، تحدث الأمين العام التاريخي للاتحاد المغربي للشغل عن «الانقاسمية»، وأشبك يديه متعجبا لهذه الفكرة التي قلد بها جون واتربوري. وهو لم يقبل بالتعددية النقابية كوصف، بل الأصل هو الوحدة الكونية بخيمة بن الصديق رحمه الله، والذي ظل طيلة خمسين سنة على رأس (أو ظهر) النقابة العتيدة بدون منازع يحرص المعبد الإلهي. وكل ما عدا ذلك فهو مجرد «حسابات سياسوية وانتخابوية»، كما لو أن الشهيد عمر، الذي نكل به زبانية النقابة في الستينيات، خرج من أجل الحصول على مقعد في بلدية .. برشيد! وانتقل النقابي الصنديد إلى اليابان أو الغابون لكي يقنعنا بالوحدة النقابية العتيدة، كما لو أنهم هناك يتقلدون التسيير لنصف قرن من الزمن، وأن الثروة التي اكتسبها النقابيون جدا جدا، هي نفسها الثروة التي يكتسبها النقابيون في أمريكا وفي اليابان. لن نعود إلى الستينيات، ولا إلى انتخاباتها والصفقة التي تم بموجبها ترك الدائرة فارغة للمرحوم اكديرة ومنع النقابة من تقديم ممثلين لها، سنقف عند الحاضر ونسأل: هل تستطيع أية نقابة في اليابان أن تحجم عن تقديم التقرير المالي إلى المجلس الأعلى للحسابات دون أن يتم حلها؟ ولعل الإلهام بلغ ذروته مع المخاريق عندما قال «نحن الحزب النقابي» (تبارك الله على ميلودي بلير!!). وزادت العظمة لما صاح «عظيم هاد الاتحاد المغربي» الذي فيه «كل الشي الأحزاب». وسعى ميلودي بأنه «لم يكن يدافع عن الخبز وحده»، وفي نفس الوقت يصرح «هادي مذكرة نقابية محضة..» (للي فهم شي حاجة يهز صبعو)! الميلودي، أيضا، أصيب بنوبة إلهام بنيوية وهو يكشف للصحافيين ولعموم المناضلين، أنه ، ياللصدفة الربانية التي لا تنزل إلا على العباد النقابيين،«طاحت بين يدينا مذكرة الكتلة الوطنية وأهديتها لعباس الفاسي مع افتتاح الحوار الاجتماعي». لسنا نعرف ما إذا كان الميلودي يقرأ الجرائد، ولكن لا بأس بأن نذكره بأننا نشرنا المذكرة وأخواتها مباشرة بعد خطاب 9 مارس. كما أننا نشرناها ضمن وثائق الذكرى الخمسينية لتأسيس الاتحاد!! أما الكتلة «نتاع بصح، فلن نتحدث عن ظروفها، عن دور النقابيين فيها، فذلك جمل بارك ..). الميلودي الذي يعتبر الإصلاح الدستوري معرضا تشكيليا وضع له «كاطالوغ». طبعا كاطالوغ من تقديم ...الفنان التكعيبي (من الكعب) الميلودي معمر مخاريق! ومن الفن التشكيلي إلى فن التمثيل، قال الميلودي بأنه لا يحب أن ينعت بالنقابات الأكثر تمثيلية، بل يحب أن يقول «احنا اللي كان نمثلوا الخداما». تبارك الله على سوبرمان الذي لا يشق له غبار. كان على أحد الزملاء أن يسأله ببساطة : لماذا لم تستدع النقابات إلى البلاطو الذي حضر فيه كبار القوم؟ وكان الجواب سيكون هو «ما كاين حد، احنا والمحجوب والدستور و...بس». مشكلة بلادنا في مجال التنقيب أن هناك من يعتقد بأن الناس بلا ذاكرة، وأنه يكفي لكي تقول لأبناء الشعب بأن وراء النقابات الأخرى حسابات انتخابية لكي يصدقوك. وبلغت لغة الإقصاء والاستهزاء حدا لا يطاق مع السيد معمر المخاريق، وعندما بدا وأنه الممثل الوحيد ( أليس فنانا؟) للعمال، فهو لا يقبل النقابات الأكثرتمثيلية حتى ولو كان هو الأول من بينها. فهو يريد أن يكون الوحيد، وليس الأول لأنه «احنا اللي كانمثلوا الخداما». السيد مخاريق كان عليه أن يلقي خطبته العصماء المستترة: أيها الجردان، سنتبعكم زنگة زنگة، نگابة نگابة،مگر مگر، منگطع منگطع .. وبعدها يعلن أن الملايين في العالم تحبه، ألم يقل لنا إن الإشعاع الدولي للاتحاد المغربي ليس له مثيل؟