في الحوارين اللذين أجرتهما بيان اليوم مع الميلودي مخارق الأمين العام للاتحاد المغربي للشغل، ونائبه فاروق شهير، أياما بعد المؤتمر العاشر لهذه المركزية، يقدم هذان القياديان توضيحات وأراء ومواقف حول عدد من القضايا مثل تلك المتعلقة بإستراتيجية عمل النقابة. كما يتطرقان إلى موضوع التدبير الداخلي للاتحاد المغربي للشغل وقضايا الساحة الاجتماعية المغربية وموضوع الحوار الاجتماعي وموقف الاتحاد من عدد من مشاريع القوانين التي اقترحتها الحكومة سيما تلك المتعلقة بالنقابات وبحق الإضراب، وإلى علاقات الاتحاد المغربي للشغل بباقي مكونات المشهد الاجتماعي والسياسي بالمغرب. الميلودي موخارق الأمين العام للاتحاد المغربي للشغل: الاتحاد المغربي للشغل لا يتلقى تعليمات من أي حزب وسر قوته في استقلاليته * في البداية نهنئكم على نجاح مؤتمركم العاشر، وعلى المسؤولية الجديدة - ما نسجله في هذا الصدد ليس نجاح المؤتمر العاشر للاتحاد المغربي للشغل على هذا المستوى فحسب، بل وأيضا لأن أشغاله أُنهيت في وقتها المحدد بينما هناك أحزاب سياسية ونقابات أخرى، عجزت عن ذلك. * كيف تتصور مسؤولية الأمين العام في ظل هذه الظرفية الصعبة اجتماعيا؟ - شرف كبير أن أتحمل مسؤولية تدبير الشؤون النقابية داخل هذه المنظمة العريقة والتاريخية والأصيلة. وبقدر ما هو تشريف لي، فإني أحس بجسامة المسؤولية والتحديات التي تنتظرنا كقيادة لنقابة الاتحاد المغربي للشغل، هذه المنظمة العريقة التي أبانت في كل المحطات عن قوتها في التنظيم وقدرتها على الإبداع، وما المؤتمر إلا محطة من المحطات الكبرى. ففي ظرف وجيز لا يتعدى 60 يوما، تقرر عقد المؤتمر وتجند المناضلون والمناضلات بقواهم وحضّروا لهذا المؤتمر سواء من الناحية الأدبية أو من الناحية المادية. وكان مؤتمرا ناجحا بامتياز إن في أدبياته، أو في تفعيل المشاركة الجماعية وفي الديمقراطية الداخلية، قياسا مع ما كان موجودا في السابق، حيث لم ينعقد المؤتمر منذ 16سنة. وفي أول اجتماع لهم، أجمع كل أعضاء الأمانة الوطنية على هذا النجاح، وعلى أن الاتحاد المغربي للشغل منظمة لرفع التحديات، وما المؤتمر إلا جزء من هذه التحديات. * يمكن القول أنه لأول مرة ستحتكمون إلى قانون أساسي جاء بعدد من القرارات لتعزيز الديمقراطية الداخلية. - حينما قررنا أن تكون هناك لجنة تحضيرية موسعة للمؤتمر، أردنا ألا تكون هذه اللجنة التحضيرية مقتصرة على أعضاء الأمانة الوطنية فقط، بل تشمل أيضا كافة الفعاليات والمسؤوليين النقابيين من الاتحادات الوطنية والجهوية، وقد أدرجنا من بين إحدى عشرة لجنة، لجنة لقوانين الاتحاد وأنظمته، وكان هدفنا عصرنة وتحديث قوانين الاتحاد المغربي للشغل وهياكله. كما أن الهدف وراء إحداثنا للجنة خاصة بهذا الجانب، إلى جانب عصرنة الهياكل، تعزيز الديمقراطية الداخلية في أجهزتنا الوطنية والجهوية والقطاعية، كما كانت غايتنا إشراك جميع المناضلين والمناضلات في صنع القرار، وإشراك المرأة العاملة بتخصيص حصيص لها وتخصيص حصيص للمناضلين الشباب من أجل تجديد وتشبيب الهياكل. كما أردنا أن يكون عملنا عملا جماعيا لأن العمل الفردي مضاد للعمل النقابي، وأردنا من خلال ذلك، أن يكون عملنا جماعيا في جميع المستويات سواء باللجنة الإدارية أو المجلس الوطني أو الأمانة العامة، وهذه عملية سترفع من قيمة منظمتنا. وكان من أهم القرارات التي أدرجناها في القانون الأساسي أيضا، تحديد الولايات، بحيث أصبح للأمين العام الحق في ولايتين من أربع سنوات غير قابلة للتجديد، واعتبرنا أن الأمين العام بعد ولايتين يقدم كل ما لديه من قوة من أجل السير بالمنظمة إلى الأمام ليترك المشعل لمناضل آخر له حنكة ومنظور آخر للعمل النقابي، وهذا شرف كبير لمنظمتنا التي أقرت هذه القوانين وسننجح إن شاء الله في مهامنا. * ألا يشعر الميلودي مخارق الذي أصبح أمينا عاما في ظل هذه القوانين الداخلية والقيادة الجماعية باختلاف في هامش التحرك مقارنة مع السابق؟ - بالعكس، إنني أعتبر الديمقراطية والتسيير الجماعي ظاهرة صحية في تدبير الشأن النقابي. نحن، على العكس، سنكون أحرارا في اتخاذ القرار، لكن هذا القرار سيكون بتشاور مع باقي أعضاء الأمانة الوطنية وبإشراكهم فيه. أنا جد فخور أن أكون من بين إخواني في تدبير شأن المنظمة، فأنا أمين عام لمنظمة نقابية، لكني أيضا مناضل قبل كل شيء. فالاتحاد المغربي للشغل منظمة جماهيرية، وبالطبع ليس هناك هامش للانفراد بالقرار بل العمل الجماعي هو روح النقابة. * يضم الاتحاد المغربي للشغل توجهات وحساسيات سياسية وجمعوية متعددة، وهذا تميز لهذه النقابة. هل تتصورون اتحادا مغربيا للشغل قويا دون هذه الفسيفساء السياسية والاديولوجية؟ - نحن منظمة نقابية لها مبادئها وهي الوحدة والاستقلالية عن الأحزاب السياسية وعن الحكومة وأرباب العمل. والديمقراطية أسلوبنا في إطار منظمة جماهيرية تقدمية يطبعها التضامن. فسر نجاح الاتحاد المغربي للشغل وكل ما ترونه وكل ما قيل عنه، وكل الحضور الذي جاء للمؤتمر من مناضلين ومن ممثلي وفعاليات الأحزاب السياسية وأرباب العمل ومجتمع مدني، سر كل ذلك يكمن في استقلاليته عن الدولة وعن الأحزاب السياسية وأرباب العمل. لكن استقلاليته لا تعني الحياد السياسي أو المهنية المحضة. نعم للاستقلالية عن الأحزاب السياسية، لكن مع ضمان تعدد الأفكار وتعدد الإيديولوجيات، ومع ضمان حق المنخرطين في الانتماء لأي حزب سياسي يرونه ملائما لاديولوجيتهم. وهكذا نرى في الاتحاد المغربي للشغل مناضلين ومناضلات منخرطين في كل الأحزاب السياسية من اليمين إلى اليسار مرورا بالإخوان الذين يتشبثون بمرجعية دينية. وداخل منظمتنا نتكلم عن الشأن النقابي دون إقحام المسألة السياسية في النقابة، وهذا هو سر الاتحاد المغربي للشغل خلافا لبعض النقابات التابعة للأحزاب السياسية والتي تأخذ تعليماتها منها، فإذا كان الحزب في المعارضة فهي تؤجج وتوتر الساحة الاجتماعية من أجل الضغط على الدولة للتربع على كراسي الحكم، وإذا كان الحزب السياسي في الحكومة، فالنقابة التابعة له تقرر الهدنة والتهدئة، وهذا تلاعب بمشاعر الطبقة العاملة. فالتعددية المتواجدة داخل الاتحاد المغربي للشغل تشكل إثراء وإغناء للعمل النقابي. * رفعتم في الاتحاد المغربي للشغل شعار خدمة الطبقة العاملة وليس استخدامها، ما هي حدود خدمة الطبقة العاملة ومن أين يبدأ استخدامها في نظرك؟ - في الواقع، خدمة الطبقة العاملة تتمثل أولا، في هذا الاستجواب الذي أعطيه لجريدتكم المحترمة من أجل تنوير الطبقة العاملة بمنظمتها وبمبادئها. خدمة الطبقة العاملة تكمن أيضا في الدفاع عن حقوقها وعن كرامتها، كما تتمثل في الدفاع عن حريتها في التنظيم النقابي وفي العيش الكريم والعمل اللائق. خدمة الطبقة العاملة هي أن نكون بجانبها في كل القضايا، وأن ننتزع لها حقوقا ومكتسبات، ونحمد الله أننا نحن الذين انتزعنا للطبقة العاملة التغطية الصحية وتعميمها على باقي الأجراء. ففي الاتحاد المغربي للشغل، ليس من أفكارنا ولا من ممارستنا استخدام الطبقة العاملة، فهذا غير موجود في قاموسنا، وهو ما يتميز به الاتحاد المغربي للشغل لأن النقابات التابعة للأحزاب السياسية هي التي تمارس هذا الاستخدام لأغراض سياسوية ولأغراض حزبية ضيقة. وأعطيتكم مثالا واحدا: حينما تكون هذه الأحزاب في المعارضة فإنها تدفع بنقاباتها إلى الإضرابات الحزبية التي نسميها نحن في الاتحاد المغربي للشغل، الإضرابات المخزنية، للضغط في إطار مساومات سرية للحصول على بعض الكراسي في البرلمان وما إلى ذلك. ولما تتبوأ هذه الأحزاب مقاعد الحكومة، تتلاعب بمشاعر الطبقة العاملة، وأكثر من هذا، تطالب بسن قوانين ضد الطبقة العاملة، مثل القانون التنظيمي للإضراب. و ما دمنا قد ذكرنا هذا القانون، دعني أقول لك بأننا في الاتحاد المغربي للشغل أكدنا وما نزال، على أن مشروع القانون الذي تريد الحكومة أن تفرضه قانون رجعي، قانون غير دستوري يعيد المغرب قرونا إلى الوراء حيث كان حق الاحتجاج مرفوضا. وقد تأسفنا لتصرفات نقابات تطالب بإصدار هذا القانون التنظيمي لكي تكبل الطبقة العاملة، فقط لأن أحزابها التي تملك قرارها توجد في الحكومة، وهذا منكر وظلم. هنا إذن، يبدأ استخدام الطبقة العاملة لأغراض حزبية سياسوية لا علاقة لها بمصالح الطبقة العاملة. هل يمكن أن نتخيل للحظة واحدة أن تنزع مثل تلك النقابات للطبقة العاملة المغربية ولباقي المأجورين الحق في الاحتجاج مثلا ضد الظلم الذي يطالها جراء خرق قوانين العمل؟ هذا هو مفهومنا لخدمة الطبقة العاملة ومفهومنا أيضا لاستخدام الطبقة العاملة. ولن يكون أبدا للاتحاد المغربي للشغل لا في منظوره ولا في أدبياته مفهوم مثل استخدام الطبقة العاملة. * أعلنتم أن الاتحاد المغربي للشغل سيستأنف احتضانه لكل النشاطات الثقافية والفنية والجمعوية، كيف سيتم ذلك وإلى أي مدى؟ - لقد صادق المؤتمر على مقرر هام هو الانفتاح على المجتمع المدني خاصة الفئات المحرومة، كالمعطلين والمجتمع الحقوقي وكل المتعاطفين داخل الأحزاب السياسية مع وحدة الطبقة العاملة داخل الاتحاد المغربي للشغل. فكل من يتبنى وحدة الطبقة العاملة من داخل أي تنظيم أو أي إطار جمعوي، سننفتح عليه، لأن هذا يندرج ضمن عصرنة شكل وطبيعة علاقاتنا مع القوى المحيطة بنا. * ماهو الدور الجديد الذي تتصورونه لممثلي الاتحاد المغربي للشغل داخل المؤسسات التمثيلية والمجالس الإدارية للمؤسسات العمومية؟ - بالنسبة لدور ممثلي الاتحاد المغربي للشغل مثلا في مجلس المستشارين، فقد أقر المؤتمر بأن البرلمان يجب أن يكون منبرا للنضال، وبالتالي علينا أن نغير من إستراتيجيتنا داخل البرلمان بأن نرفع صوت الطبقة العاملة للمطالبة بحقوقها وبفضح الانتهاكات لقوانين الشغل، وبتقديم مقترحات قوانين لتحسين أوضاع الطبقة العامل . وسيكون هذا توجهنا أيضا داخل المؤسسات التمثلية الأخرى كالمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان. فالنقابة ستسعى إلى فضح كل أرباب العمل الذين ينتهكون الحريات النقابية. كما سيطور ممثلونا من أدائهم ومن فعالية هذا الأداء في الدفاع عن حقوق الطبقة العاملة. * دعني أطرح في الختام سؤالا أثار بعض النقاشات بل احتجاج بعض المؤتمرين و يتعلق بعدم تقديم التقرير المالي ضمن وثائق المؤتمر؟ - لقد تمت قراءة التقرير المالي على المؤتمرين، وكما لاحظتم وسجل الجميع ذلك، فقد كان الجميع بما في ذلك وسائل الإعلام، حاضرا أثناء تلاوة هذا التقرير، وقد تمكن الجميع من تسجيل تلك الأرقام التي عرضناها وهذا ما يؤكده لكم مقرر المؤتمر. وما إحداثنا للجنة الرقابة المالية بمساعدة مكتب محاسبة خارجي إلا تجسيد لإرادة الاتحاد المغربي للشغل وإرادة قياداته في إضفاء الشفافية التامة على التدبير المالي. ** *** ** فاروق شهير، نائب الأمين العام للاتحاد المغربي للشغل: نحن عازمون على تجاوز علاقة صدامية جمعت نقابتنا مع الأحزاب السياسية * أولا، نهنئك، على النجاح الباهر للمؤتمر العاشر للاتحاد وعلى المسؤولية التي منحك إياها المؤتمر. نود أن نعرف ماذا تعني لك هذه المسؤولية في ظل الواقع الحالي؟ - المسؤولية والمهام المستقبلية تعرض لها مؤتمرنا وسطرها من خلال اللجن المتعلقة بالوضعية الاقتصادية أو الاجتماعية أو السياسية، أو كذلك تلك المتعلقة بنظرة الاتحاد المغربي للشغل للعلاقات الخارجية ودورها. فالمهام الملقاة علينا مستقبلا تهم تحديد برنامج سطره مؤتمرنا من خلال عدة نقط من بينها الوحدة النقابية ومستقبلها وكيفية إعادة توهج الطبقة العاملة وقوتها والدور الطلائعي الذي لعبته دوما في الكفاح الوطني إلى جانب الكفاح الاجتماعي. ومن هذه المهام أيضا إعادة صياغة إستراتيجية للعلاقات الخارجية واستمرار إشعاع الاتحاد المغربي للشغل من أجل الدفاع عن القضايا العمالية والقضايا الوطنية، وضمنها الوحدة الترابية واسترجاع الأراضي المغتصبة، وكذلك دورنا في الدفاع عن حق الشعوب في تحررها من فلسطين والعراق وجميع القضايا التي تستدعي منا التضامن الدولي. وهناك ورقة تنظيمية من أجل إعادة هيكلة الاتحاد المغربي للشغل سواء في الاتحادات الجهوية أو في الجامعات، ومن ذلك التكوين النقابي الذي سيكون مدرسة مستمرة طيلة السنة من أجل فرز قيادات نقابية وفرز جيل جديد للالتحام بين الجيل القديم والجيل الجديد، وكل الإخوان في الأمانة الوطنية يشعرون بجسامة المسؤولية والمهام التي تنتظرنا، وكلهم مستعدون للتحدي والمجابهة وإرجاع الاتحاد المغربي للشغل للمكانة التي كانت له داخل المجتمع. * انتهى المؤتمر العاشر بنجاح أدهش الجميع، لاسيما وأن صورة الاتحاد كانت تتمثل في ذلك التنظيم الصلب الذي بمجرد رحيل المحجوب بن الصديق سيعرف تصدعا كبيرا، ماهو تفسيرك لهذا النجاح وهذه السلاسة والمرونة التي دبرتم بها المرحلة الانتقالية؟ - بالفعل، جميع الملاحظين السياسيين والاجتماعيين كانوا يتتبعون المؤتمر وكانوا يتصورون أن غياب المحجوب بن الصديق سيصيب الاتحاد المغربي للشغل بتصدع، لكن العكس هو ما وقع. فالمناضلون كلهم كانوا على وعي بجسامة المسؤولية وبأهميتها في هذه الظرفية، ومن ثمة كانت هنالك نظرة مشتركة للأشياء. وقد جعل ذلك جميع المناضلين ملتفين ومستشعرين لمسؤوليتهم في مجابهة تحديات المرحلة الحالية. فمؤتمرنا كان ناجحا بالحضور الكبير جدا للأطر في الإعداد له والتجند اليومي حتى الساعات المتأخرة من الليل، وفي المحصلة النهائية، كان لدينا منتوج فكري كبير تضمنته الوثائق التي صدرت عن المؤتمر. فلا خوف على الاتحاد إذن. * ركزتم خلال المؤتمر على هوية الاتحاد، ومن ضمنها الاستقلالية، هل أنتم مقتنعون بأن الاتحاد المغربي للشغل قادر على الحفاظ على استقلاليته النقابية عن الأحزاب السياسية وعن الحكومة؟ - الاستقلالية النقابية إحدى النقط الهامة التي تم تناولها بالنقاش سواء في المجالس الوطنية التي سبقت المؤتمر أو خلال أشغال المؤتمر، فقد أخذت حيزا كبيرا، وشعار المؤتمر كان هو التشبث بالهوية وبالاتحاد المغربي للشغل كمنظمة مستقلة عن الأحزاب وعن الحكم، ومستقلة عن أصحاب الأعمال أو المشغلين. ومن أجل صيانة هذه الوحدة يتعين علينا عدم البقاء حبيسي تلك النظرة الكلاسيكية التي كانت لدينا. الآن وكما نوقش ذلك في المؤتمر، ستصنف الأحزاب التي تتبنى القضايا العمالية كأحزاب حليفة، وأخرى أحزاب صديقة، إلا أن الجميع عازم على تجاوز العلاقة الصدامية التي كانت تجمعنا مع الأحزاب خلال الفترة التي تلت الاستقلال وترتبت عنها أحقاد وخلافات عميقة وتدخلت فيها ذاتيات، ما أصاب الطبقة العاملة بالوهن وبشيء من الانكماش. إن مفهوم الاستقلالية النقابية اليوم، ليس هو الحياد السياسي، بل التعامل مع الأحزاب السياسية كلها وفتح صفحة جديدة معها من أجل الدفاع عن حقوق الطبقة العاملة، غير أن تعاملنا مع جميع الأحزاب السياسية التي تتبنى القضايا العمالية سيكون بالطبع باستقلالية تامة. * في هذا الإطار، يتميز الاتحاد المغربي للشغل بفسيفساء من المناضلين المنتمين للأحزاب السياسية من كل الأطياف، وهناك حضور قوي لمناضلي الأحزاب اليسارية بالمفهوم الواسع لليسار، هل هذا توجه سياسي ومذهبي للاتحاد باعتبار أن هذه الأحزاب تتبنى القضايا العمالية، أم أن هؤلاء المناضلين هم من صنعوا هذا التوجه؟ - من مبادئ الاتحاد المغربي للشغل الديمقراطية الداخلية، وجميع الأطياف السياسية متواجدة داخل الاتحاد، وهدف ذلك هو صيانة الوحدة النقابية، والتدبير الديمقراطي هو الحاسم، فالاتحاد المغربي للشغل يتجه الآن نحو جميع الأحزاب التقدمية والديمقراطية التي تدافع عن قضايا ومصالح العمال، وبالتالي فهو منحاز لها. * في هذا السياق، تمت صياغة قانون أساسي للاتحاد جاء بمجموعة أمور جديدة، ماذا ستضيف هذه المستجدات للاتحاد؟ - من الأوراق الهامة التي عرضت على المؤتمر، القانون الأساسي الجديد بصياغة جديدة بشكل يضمن تعزيز الديمقراطية الداخلية للاتحاد. فقد جاء هذا القانون الأساسي بتحديد ولاية الأمين العام في أربع سنوات وولاية واحدة قابلة للتجديد مرة واحدة، كما جاء بلجنة للرقابة المالية من أجل تعزيز الشفافية في التدبير المالي. * على مستوى الممارسة النقابية، ما هي إستراتيجية الاتحاد المغربي للشغل في ظل الظرفية الاجتماعية المتميزة بتداعيات الأزمة العالمية على الاقتصاد المغربي وتأثيراتها السلبية على الساحة الاجتماعية؟ - العالم كله يشهد أزمة اقتصادية ألقت بظلالها على المغرب وكان من نتائجها الأزمة الاجتماعية المتمظهرة في تدهور القدرة الشرائية والانتهاكات اليومية للحريات النقابية، حيث يتم الزج بالمناضلين النقابيين في السجن بموجب الفصل المشؤوم 288 من القانون الجنائي الذي تستعمله السلطات للحد من الحرية النقابية. فهذا كله ينتج جوا متوترا اجتماعيا، زد على ذلك عدم تلبية المطالب الاجتماعية وارتفاع البطالة وتبني الليبرالية المتوحشة التي تجهز على مكتسبات العمال، كل هذا يضعنا أمام تحديات جديدة. ثم إن مشاريع الحكومة تسير في هذا الاتجاه، مثل إصلاح صناديق التقاعد الذي يراد له أن يكون على حساب العمال بعدما سادها الفساد المالي وسوء التدبير، وكذلك مشروع الحكومة الهادف إلى تكبيل حق الإضراب وجعل بلادنا في مصاف الدول المستبدة التي لا تحترم القانون، ودعني أقول إن هذا المشروع يعد تراجعا كليا على الحريات النقابية، وبات علامة إساءة لبلادنا ولسمعتها ويشكل ضربة للديمقراطية ولحق الاحتجاج. هذه كلها إذن، تحديات تتطلب من الطبقة العاملة تعبئة أكثر وتنظيما أكثر واختيار أسلحة جديدة للمقاومة والتضامن من أجل الصمود ومواجهة المشاكل المطروحة. * ماذا عن مشروع قانون النقابات؟ - في ما يتعلق بمشروع الإضراب أولا، نحن نرفضه لأنه يلغي بندا أساسيا تنص عليه كل القوانين الدولية وخاصة منظمة العمل الدولية وهو حق المباغتة، ومن ثم استقر رأينا على أن هذا الموضوع فيه تراجع على حق الإضراب وحق المباغتة. أما بخصوص قانون النقابات فلنا ملاحظات عليه كون بعض بنوده تدخل في المس باستقلالية النقابات. * هذا يجرنا إلى الحوار الاجتماعي، هل هناك مبادرة لتحريك هذا الحوار المتعثر؟ - كلمة الحوار الاجتماعي غير سليمة، يجب أن نقول بالمفاوضة الجماعية كما يسمونها في جميع الدول المتقدمة والديمقراطية. وهذه المفاوضة يجب أن تفضي إلى اتفاق مكتوب وبروتوكول اتفاق ونتائج ملموسة. نحن في المغرب نسميها حوارا اجتماعيا، وهو مفهوم ابتدعته الحكومات، أي جلسات للتحدث وتوزيع الكلام لا غير. نحن ننتقد هذا الشكل من الحوار ونطالب بنقط محددة وجدول عمل محدد في إطار تفاوض وليس حوار. * يلاحظ وجود تنسيق بين عدد من النقابات على المستوى القطاعي، هل هذا التنسيق فرضته مستجدات الساحة الاجتماعية وفشل المفاوضات مع الحكومة حول الملفات الاجتماعية، أم أنه أصبح اختيارا لا رجعة فيه ؟ ومتى سنرى هذا التنسيق على مستوى الأجهزة القيادية للنقابات؟ - منذ إنشاء الاتحاد المغربي للشغل وهو مع الوحدة النقابية وليس مع وحدة العمل. فوحدة العمل الذي يكرس واقع التشتيت والتفرقة بين الطبقة العاملة ويزكي التمييع الذي تشهده الطبقة العاملة، تختلف عن الوحدة النقابية التي نوقشت بشكل كبير خلال المؤتمر العاشر. وقد قرر المؤتمر أن تعقد أيام دراسية تنظمها اللجنة الإدارية لتقييم تجربة وحدة العمل التي قامت بها بعض القطاعات في ظل ضغوطات معينة، وأيضا لكي تتبلور نظرة جديدة للوحدة النقابية وصياغة قرارات في هذا الشأن.