بوفاة القائد النقابي العتيد (17/09/2010) المناضل المحجوب بن الصديق رحمه الله، يكون آخر رمز من رموز التاريخ الوطني-الديمقراطي والذي استمر حاضرا ومؤثرا في الراهن المغربي، قد قضى. ذلك لأن أترابه هم: -إما قضوا جسديا و/أو سياسيا، حتف أنفهم أو بإرادة غيرهم من أخصامهم أو أعدائهم، وهم كثير. -أو أنهم اختاروا (أو اختير لهم) الانسحاب بهدوء، مقتصرين على دور المراقبة، أو وربما إسداء النصح والتوجيه عند الطلب (اليوسفي ? بوستة...). -أو الانكباب على التأليف والتأريخ، وحسنا فعلوا (غلاب ? القادري). وحده إذن، استمر المحجوب، وحتى احتضاره متموقعا ومؤثرا في المجتمع وإدارة الدولة كليهما. قد لا تكون هذه مزية ولكنها ميزة مؤكدة. وبذلك تكون نخبتا الحكم والمعارضة، قد دفنت آخر أب «مسؤول عن رعيته» وطوت آخر صفحة موروثة عن مغرب الاستعمار القديم. المطلوب اليوم وغدا، أن نعيد قراءتها نقديا. فذلك شرط المصالحة مع دروسها والعظات. وبالرغم من اختيار (أو اضطرار) المحجوب، الركون إلى «حكمة» الصمت في الجدال الأيديولوجي والسياسي الذي طالما احتد وطنيا، فإنه كان هو نفسه كشخص وكموقع، موضوعه (=الجدال) الأثير في الكثير من الحالات. ومع ذلك لم نسمع له ردا أو سجالا (دفاعا أو هجوما) إلا ما كان من الخطاب السنوي لفاتح ماي، بل هو حتى لم يكلف مريديه أو محيطه بذلك أو بشيء منه، وبقيت صورته العمومية مرسومة من قبل خصومه وحتى أعدائه، أكثر منها انعكاسا أمنيا لآرائه ومواقفه ورهاناته... لم أكن شخصيا، وفي سياق التأسيس النظري لليسار «الجديد». أقبل الأحكام التي ورثناها عن إطارنا السابق (الاتحاد الوطني للقوات الشعبية) حول «بيروقراطية النقابة» وحول السياسة «الخبزية» لقيادتها... كنت أتحفظ من التسليم المسبق ودون تمحيص، بأحكام طرف في الصراع، على طرف، وأستغرب من كون أحكامنا على من اعتبرناهم «بورجوازية صغيرة» لم تنسحب من قبلنا، على تحليلاتهم ومواقفهم من القيادة النقابية (؟!) وبالرغم من ألمه، فإن شرط «النعي» اليوم، قد يكون مناسبة لكتابة ما لم يتح التعبير عنه سابقا مع التذكير: أ-بأن الوجه الآخر من الموضوع، قد قيل فيه النحيف والسمين. فلا حاجة بعد للوقوف عنده، ولعل أهمه إطلاقا، الدراسة الشهيرة للشهيد عمر بنجلون خلال اعتقاله حول «الاتحاد المغربي للشغل» وقيادته... ب-ولأن المحجوب، كسيرة حياة خاصة ونضالية، يكاد يطابق نقابة «الاتحاد المغربي للشغل» إلى درجة التماهي... فإنني سأعتبر أن كل حديث عن أحدهما هو بمثابة الحديث عن الآخر، دون أن يعنى ذلك بحال، إغماط حق القياديين الآخرين، غير أن شخصية الفقيد كانت كاريزيمية بل وطاغية على البقية، فالنظرية النقابية (غير المعلنة) والاستراتيجية والتدبير... كلها تعود إليه. لذلك سنتحدث لاحقا عن النقابية، ونحن نقصد زعيمها غير المنازع أو المنافس... * * * 1-لنتذكر أولا، ودائما، أن الفقيد هو كشخص وكتكوين.. ابن صميم من الطبقة العاملة، وخريج مدرستها المناضلة على الواجهتين، النقابية والوطنية التحريرية. وهذا أمر ليس بالهين أو القليل الأهمية بالنسبة للتاريخيين كليهما؛ تاريخها الخاص وتاريخ الوطن. فليس للمدرسة الاستعمارية الفرنسية عليه فضلا، ولا للحركة الوطنية نفسها باعتبارها مدرسة للطبقة الوسطى المناضلة... لنتذكر أن نهاية الاستعمار التقليدي، ارتبطت في المغرب العربي بانبثاق ونهوض الطبقة العاملة أساسا كل المحاولات قبلها انتهت بالهزيمة أو بالتقاطع أو حتى التطابق معه (القصر ? القيادات القبلية ? الطبقة الوسطى...) لقد كان من حظ الشمال الإفريقي (القرب إلى أوربا) ومع مؤشرات نذر الحرب الأوربية العظمى الثانية، ولأن رأسمال شمّام للأخطار المحذقة ولو كانت بعيدة... أن استقبل بكثافة رأسمال الفرنسي الجبان والهارب من مركزه نحو المحيط في المستعمرات، ولقد سبق أن تهيأت له، في المغرب، البنيات التحتية الضرورية... نتج عن ذلك تحول جذري في تركيب المجتمع المغربي، وذلك ببروز طبقة جديدة هي الطبقة العاملة في الصناعة والبناء...: -متجمعة في العمل، ومتجمعة في المدن، بل وفي أحياء سكنية خاصة بها. -منظمة ومتضامنة وموحدة... بسبب الشروط الموضوعية لوجودها الاجتماعي. -تشتغل في شروط إنتاج تقنية عقلانية وعصرية... -تستطيع المزاوجة بين نضالين: مهني شبه يومي ونقابي وآخر وطني استراتيجي. المحجوب إذن، كان منتوج مرحلة، ورمزا لتطور جبار في المجتمع وفي الأخلاق النضالية للمغاربة. هذه الخاصية سمحت بأخريات: 2-البعد المغاربي للنضال التحرري. برز ذلك أولا مع العامل الجزائري المهاجر بفرنسا مؤسس «نجمة شمال إفريقيا» كأول حزب سياسي في الشمال الإفريقي، وهو كان في نفس الوقت حزبا عماليا. أعني الزعيم مصالي الحاج، الأستاذ المباشر لمؤسسي جبهة التحرير الوطني الجزائري... ثم القائد النقابي التونسي الشهيد فرحات حشاد. والذي كانت مناسبة اغتياله في 1952 انطلاق الانتفاضة العمالية المغربية الأولى، وبروز الفقيد، واحدا من بين أهم قادتها (المنطلق مغاربي). ولقد كانت تلك مظهرا رئيسا لذكاء نقابي مغاربي في وعي ومن تم استثمار تناقضات الامبرياليتين الأمريكية والأوربية (الفرنسية في حالتنا) وانعكاساتها على صعيد الاتحادين العماليين العالميين. وذلك لضمان المساندة وترسيخ النزوع الاستقلالي للنقابة... ولقد بقيت آثار ذلك مستمرة ربما حتى اليوم. ولعلها كانت من أهم مصادر قوة ونفوذ المرحوم. 3-القدرة على المزاوجة، بين أسلوبين ومرحلتين من النضال السياسي، فضلا عن الاجتماعي النضال السلمي من جهة: إضراب ? اعتصام ? تظاهر ? دعاية وتحريض ? عمل دبلوماسي... إلخ والمقاومة المسلحة من جهة ثانية، كل ذلك، حسب الحاجة وحسب مراحل النضال. وهو الأمر الذي رمز إليه، وأكثر من غيره، شهيد الوطن والطبقة العاملة المغربية في آن معا. المناضل إبراهيم الروداني. إن المقاومة المغربية خاصة، ثم جيش التحرير المرتجل والملغوم التشكل، لاحقا، مدينان في الوجود أساسا إلى هذه الطبقة وإلى رموزها وقياداتها المؤسسة... 4-لقد وعي الفقيد مع رفاقه ومنذ البدايات... الأهمية الحيوية والاستراتيجية بل والمصيرية لاستقلالية الطبقة العاملة، وخاصة على صعيد تنظيمها النقابي: -عن النقابة الأم الفرنسية أولا (C.G.T) وذلك لخصوصيات الجغرافية الوطنية (طبيعية ? بشرية ? اقتصادية ? اجتماعية ? ثقافية وسياسية) -عن الأحزاب السياسية الوطنية، بما في ذلك المناضلة منها، مع أنها ساعدتها (حزب الاستقلال) على تحقيق الاستقلال النقابي المنوه عنه. وكذلك الاستقلال عن بقية التنظيمات التقليدية (قبلية ? جهوية ? دينية...إلخ). -وكذلك عن إدارتي الدولة: المخزنية من جهة، والاستعمارية طبعا من جهة ثانية. 5-ومع بدايات مفاوضات الاستقلال المبتسر، المتعدد الأطراف، والمشتت للإرادات والممزق للميثاق (1944) والمهدد بأخطار الفتنة المدبرة استعماريا... تمكنت النقابة بقيادة، المحجوب وع. الرزاق، وبالتنسيق الكامل مع محمد الخامس، من القيام بدور حاسم في الإنقاذ. أخذت موقعا مستقلا (لا موقفا حياديا). وسمح لها ذلك بالقيام، ودون نزاع، بأدوار جليلة وانتقالية وبعيدا عن الصراع السياسي بين الأطراف المعنية (القصر ? حزب الاستقلال ? المقاومة وجيش التحرير ? حزب فرنسا ? المعمرون... إلخ). لقد تكفلت النقابة، وأحيانا رمزيا، بالوقوف على النظام العام (بعد انسحاب الأمن الفرنسي) وتنظيم التظاهرات الاحتفالية، والفصل في المخالفات والنزاعات اليومية بما في ذلك العائلية... فكانت مقرات النقابة عبارة عن محاكم... والأهم من جميع ذلك عزل عموم الطبقة العاملة عن الدخول في الصراعات التي بلغت درجات من العنف البليغ في العديد من الحالات. والتي لو أقحمت فيها النقابة لآل الأمر إلى مجاهيل... 6-ومع أولى بوادر التأسيس الديمقراطي لدولة الاستقلال.. فلقد ساهمت النقابة بالكثير: أ-في تجربة المجلس الوطني الاستشاري المجهض رغم وعوده، أو ربما بسببها (1958 بقيادة المهدي بن بركة والمحجوب). ب-النجاح الباهر للتقدميين في أول انتخابات جماعية (1960) وكان للدور التعبوي والرقابي للنقابيين على صناديق الانتخاب الأثر الرئيس في سلامتها... (الانتخابات النزيهة الوحيدة في تاريخ الاستشارات المغربية). ت-وتحتاج مساهمات النقابة في مختلف مجالات التنمية البشرية لذلك العهد، إلى تأريخ، أخص من ذلك كأمثلة: محاربة الأمية ? التشجير ثم خاصة طريق الوحدة 1958. (فالوعي بحاجة الوطن إلى مصالحة مع شماله، برز إذن قبل المجهودات السديدة للعقد الأخير أو العهد الجديد). 6-وبالرغم من أن الصراع الانشقاقي في صفوف حزب الاستقلال، أدى جزئيا إلى شرخ للوحدة النقابية للطبقة العاملة، غير أنه لم يطعنها في مقتل. لقد استمر الاتحاد المغربي بقيادة الزعيم المحجوب القوة العتيدة والضاربة بجماهيريتها وانضباطيتها ووحدتها... الأمر الذي فرض باستمرار: أ-استقلاليتها عن إدارتي الدولة والمجتمع الحزبي المعارض كليهما. ب-هيبتها واحترامها واعتبار رأيها، في جميع القضايا الوطنية فضلا عن النقابية ت-نفوذها الدبلوماسي المعتبر، مغاربيا وعربيا، وخارجيا على الصعيد الإفريقي والعالمي، وهو نفوذ لم يقع استثماره وطنيا حتى اليوم. 7-لم يكن رهان الوحدة قطاعيا أو جهويا.. (كما يراد له اليوم في سياق تفكيكه وبالتالي إضعافه) هو رهان المحجوبية، ذلك أنه باستثناء الطلبة والتجار والفلاحين... فلقد كان الاتحاد المغربي... يشمل جميع فئات المأجورين، من عمال المخابز والحمامات... إلى أساتذة التعليم العالي. ولذلك فبعد إدارة الدولة، لم تكن من قوة موحدة وموحدة للمجتمع، وحاضرة في جميع أطرافه بذات الأجهزة والرموز وبذات الخطاب... غير الاتحاد المغربي للشغل. 8-لم تقتصر الاستراتيجية المحجوبية على السالب من النضال (=المطالب) لقد عملت أيضا على تأسيس واستثمار العمل الاجتماعي، خاصة في بعض القطاعات العمومية المذرة (فوسفاط ? سكك وكهرباء) أقصد مثلا: أ-المساهمة في بناء المساكن، وذلك خاصة في وقت لم تنهض فيه الدولة بعد أو القطاع الخاص للقيام بذلك... ب-المستشفيات المتعددة التخصصات في بعض المدن المفتقرة إليها. ج-النوادي والمصطافات... للموظفين.. د-بعض الأشكال الأولية لتوفير التضامن والتكافل العمالي. 9-وفي ذات الصدد، فإنه لا يجوز بحال، عدم التوقف عند مأثرة جليلة للمحجوب لا يذكرها أحد في الحركة النسائية (؟!) إنها مهام التأطير النقابي والتوعية لجماهير النساء اللواتي أقحمن في العمل اليدوي، خاصة منه الموسمي الفلاحي. وفي هذا الصدد فإن الأحزاب الوطنية لم تقم بشيء مقارنة إلى الاتحاد المغربي للشغل. ويجب اعتبار ذلك اليوم، عند كل اهتمام بالتأريخ للحركة النسائية المغربية المناضلة وهل يجوز لأحد في هذا الصدد أن ينسى المساهمة الرائدة للمناضلة النقابية المرحومة المذكوري. 10-ومنذ البدايات للعمل النقابي للاتحاد المغربي، برزت العناية الخاصة والتوظيف الذكي والطليعي للعمل الثقافي. خاصة منه المسرح والغناء والإعلام... إن الكثير من رموز هذه الميادين... تربو في مقرات ومدرسة الاتحاد المغربي. هل نذكر الأسماء: السعيد الصديقي وأخوه الطيب والطيب العلج، ودينية والبدوي والأهم ع. الصمد الكنفاوي. ومازلت أذكر، وفي حدود أواسط الستينيات، التكوينات المسرحية التي تلقيتها ضمن آخرين، على أيدي أقطاب المسرح الوطني المغربي في مقر الاتحاد بمدينة مراكش. وكانت مقراته دائما فضاء لحفلات المسرح والغناء... الشبابي... ولعل أهم خريجيها بمراكش الفنان القدير محمد حسن الجندي. أتذكر ونحن في إطار تكويني للأطر (أوطم 1966) كيف أن الاتحاد المغربي للشغل ساهم بعرض مسرحية بريشت «دائرة الطباشير القرمزية» (الفاسي والصديقي). أما الإعلام النضالي المباشر (الطليعة ? معالم) وغير المباشر (لا ? مغرب أنفرماسيون) فإن أدواره التأسسية والتثقيفية.. تحتاج من جهتها أيضا إلى تأريخ من قبل المهتمين والمختصين... وأيضا، فإن أفضال الاتحاد، على العديد من أطر المجتمع والدولة المغربيين مؤكدة، وذلك من خلال استثمار علاقاته الدولية في البحث عن منح جامعية للطلاب المغاربة بالخارج (خاصة المأسوف على انهياره الاتحاد السوفياتي). 10-لقد اتسعت عناية النقابة نحو من نهمل موضوعهم اليوم، إنها الشبيبة عموما، والتلاميذية منها خاصة. مازلت حتى اليوم أحتفظ ببطاقة عضويتي في الشبيبة العاملة سنة 1957. لقد كنت بعد طفلا غريرا في القسم الرابع غالبا. ومع ذلك وجدت إلى جانبي من دعاني إلى الانخراط وشجعني على الانتماء.. أين من ذلك نحن اليوم جميعا(؟!) يجب علي أيضا أن أشهد بالوقائع الدالة التالية: أ-لقد كان مقر الاتحاد المغربي خلال إضرابات 63 التلاميذية المجيدة (كانت سياسية في العمق) هي ما نلتجئ إليه بين الحين والأخرى للاجتماع كقيادة محلية (الوداديات). ب-ونفس الأمر بالنسبة لحركة 23 مارس الإضرابية. ودليل ذلك أن مبادرتنا إلى تأسيس جمعية «النهضة اليوسفية» والتي تأسست على إثر الأحداث وأطرت مناضليها.. قد تمت في مقر الاتحاد المغربي بمراكش طبعا. ت-وعندما أطلق سراحنا في ماي 1965 بالعفو الشهير لم نجد أمام باب السجن، وفي تنظيم أول حفل استقبال لتحريرنا... غير الأطر المحلية للاتحاد المغربي للشغل (سعد عمر الطويل...). ث-ومن المعروف والمشهود اليوم، أن جميع حركات العاطلين من الأطر الشابة.. تجد في مقرات الاتحاد المغربي مقرات وملاجئ لها أيضا.. 11-اعتماد مبدأ التضامن النقابي، وخاصة من ذلك دعم الحركة الطلابية ونقابتها الماجدة (أوطم). وذلك في عدة مراحل ولحظات، قبل وبعد انفصال نقابة التعليم العالي عن الاتحاد المغربي للشغل. أذكر من ذلك الواقعة الدالة التالية: خلال المؤتمر الوطني الثالث عشر لأوطم بالرباط (1969) والذي سيعاني من أول، وأخطر أزمة تنظيمية في تاريخه. توقفت الأشغال، واستنفذنا، بل تجاوزنا الزمن المخصص للمؤتمر في القاعة والمطعم الجامعي. لم نجد منقذا لاستئناف الأشغال غير المحجوب. كنت في رئاسة المؤتمر، واتصلت باعتباري اتحادي بعبد الرحيم بوعبيد الذي أحالني على المحجوب. والذي لم يتردد وبتلقائية... من تخصيص «دار الاتحاد» بالبيضاء لمدة ثلاثة أيام بمبيتها (في نفس المكان) وأكلها. محذرا أياي بالقول «إذا تجاوزت ثلاثة أيام فإنني سأبعث الحكم بالزوفرية ليطردوكم) وبالفعل اشتغلنا ليل نهار وبدون توقف مطلقا، وأنجحنا المؤتمر، وأنقذنا (أوطم) ولم يكن ذلك ممكنا دون استجابة المحجوب. مع أنه لم يتدخل مطلقا في كبيرة ولا صغيرة من مقرراتنا. 12-وعلى مستوى تكوين أطر الدولة، وهي أصلا مهمة من مهام الأحزاب، فإن الاتحاد المغربي لم يقصر مع ذلك على هذا المستوى، وإن لم يبلغ طبعا في ذلك شأو الأحزاب... وذلك دون التوقف عند طبيعة التوظيف الإداري أو السياسي للأطر.. ودرجته وقيمته... 13-وبالنسبة للقضية القومية الأولى القضية الفلسطينية، فيكفيه شرفا أن الاعتقال الوحيد له في عهد الاستقلال كان بسبب الموقف النضالي للنقابة وانتقاده الصريح والحازم للموقف الحكومي المغربي الذي اعتبره متخاذلا.. من عدوان 1967 وتداعياته... 14-وتأكيدا للبعدين الجماهيري والوحدوي للنقابة، دأب المحجوب على رعاية التعدد بل وتشجيعه، ولذلك لم يجد اليسار «الجديد» مضايقة في وجوده ونشاطه الدعوي الأيديولوجي والسياسي. فيما عدا طبعا طموحه إلى تسنم القيادة واحتلال المواقع... فذلك كان خطا أحمر يحد من طموحات الجميع في النقابة... (؟ !) 15-وأخيرا، فإن الذي سمح بجميع ذلك هو توفر الاتحاد المغربي على ما اعتبر جريرة، وما هو كذلك، إنه الجهاز الإداري «البيروقراطي» الكفء والمختص والمتفرغ، والمفترض منه الابتعاد عن الصراعات ذات الطبيعة الأيديولوجية والسياسية. لقد تميز الاتحاد المغربي دائما بتوفره على هذا الإطار، وتلك الأطر القادرة على التأطير النقابي والقادرة على التفاوض في مواجهة الإدارة. وذلك ليس وحسب على الصعيد المركزي والجامعات القطاعية... بل وأيضا على صعيد الاتحادات المحلية، والأسماء عموما معروفة على هذا الصعيد وطنيا ومحليا، ومنهم من تحمل مسؤوليات نقابية عربية كالمرحوم الأستاذ الهاشمي بناني... جميع ذلك وغيره، أنجزه الاتحاد المغربي للشغل تحت قيادة الفقيد المحجوب بأقل ما يمكن من الضجيج والإعلان، وبعيدا عن الصراعات التي كانت غالبا محتدة بين الحكم ومعارضاته... واستمرت النقابة بذلك نقابة جماهيرية عموما وموحدة وأكثر استقلالية وموفرة لحدود دنيا من الديمقراطية الداخلية. وتلكم هي المبادئ الأساس لكل نقابة مواطنة، فاعلة وحامية لمصالح منخرطيها، ومحاربة لعواقب النظام الاقتصادي-الاجتماعي ... المهنية، لا محاربة، بالأحرى للنظام نفسه، الأمر الذي كانت المحجوبية ترفضه مطلقا في مسيرتها القيادية للنقابة، وكان دائما مفترق الطرق، بل وموضوع الصراع، مع رفاقه-الخصوم في الحركة الوطنية والديمقراطية اليسارية... رحم الله الجميع، فلقد كانوا جميعا مناضلين شرفاء، بوجهات رأي ونظر مختلفة، وأحيانا متناقضة، وأحيانا للأسف محض سوء فهم وتفاهم... وتلكم حكاية أخرى يجب أن يفتح حولها النقاش، قبل ومن أجل الضمير والتاريخ الوطنيين. مراكش في 18/09/2010 1