لا أحد يجادل اليوم، في أن برنامج «مشارف»، بالقناة الأولى، الذي يعده ويقدمه الزميل ياسين عدنان، واحد من البرامج الحوارية الثقافية المتميزة في مشهدنا التلفزيوني المغربي. بدليل أن نسب المشاهدة التي يحققها، بعد برنامج «حوار» الذي يعده ويقدمه الزميل مصطفى مصطفى العلوي، تعتبر الأعلى في البرامج الحوارية بقناة الرباط. الأمر الذي يترجم أن الوعي العام للمشاهدين المغاربة، لا يزال يقظا، كونه يهتم بالسؤال المغربي في شقه التحليلي والسياسي والثقافي والأدبي. نجاح برنامج «مشارف»، هذا هو الذي منحه أن يصبح له بعد عربي واضح، من خلال حجم ونوع الضيوف العرب الذين قبلوا المشاركة فيه، خلال السنتين الأخيرتين. بل إن الحلقة التي تمت فيها استضافة الشاعر العربي الكبير أدونيس، قد حققت الرقم القياسي في عدد المشاهدات سواء أثناء تقديمها بالقناة الأولى، أو منذ وضع تسجيلها على موقع «يوتوب». وكل نجاح في مجال ليس شرط النجاح المهني فيه هو الحاسم، بمنطق دار البريهي بالرباط، تكون له فاتورة. ولحد الآن نجح الزميل ياسين عدنان في أن يسبح بحنكة مع هذا المنطق السائد في عقلية القرار بالقناة الأولى. لكن، ثمة بعض القرارات التي تشكل علامة على نوعية العقلية العتيقة البالية التي لا تزال تدبر أمر قناة إعلامية حاسمة وطنية مثل القناة الأولى. ومن آخر هذه القرارات التي تقدم دليلا على ذلك، قرار منع بث حلقة «مشارف» التي استضاف فيها الزميل ياسين عدنان الزميل الصحفي المغربي المهاجر بواشنطن محمد العلمي، الذي يعتبر كفاءة كبيرة في المشهد الإعلامي العربي ببلاد العم سام. والسبب؟ جمل عابرة، تندرج في باب الجرأة الفكرية والأخلاقية والمهنية التي تميز الزميل محمد العلمي، تتحدث عن صورة المغرب في الخارج. لقد تحرج الرقيب (يا سلام!!.. لا يزال الرقيب قائما في تلفزة المغرب الرسمية الأولى!!.. من قال إن هناك انتقالا إعلاميا مصاحبا للإنتقال السياسي والديمقرطي في المغرب!! )، لقد تحرج السيد الرقيب من تلك الجمل، وقرر أن يحذف الحلقة كلها ويحول دون عرضها إلى اليوم. ولعل النكتة كامنة في أن المسؤول عن البرمجة، سمح ببث مادة إعلانية على مدى أسبوع (منذ حوالي شهر) تخبر المشاهدين أن ضيف «مشارف» هو محمد العلمي بالصوت والصورة، وحين وصل الموعد في ذلك الأربعاء قدمت حلقة معادة لضيف آخر، وجاء الأسبوع الموالي، وحدث نفس السيناريو، وهكذا لثلاثة أسابيع، ومحمد العلمي ممنوع من الظهور في تلفزة الرباط!!.. الرجل لم يجامل في أجوبته، قال ما قاله بمسؤولية المواطن الذي تحركه روح وطنية تغار على سمعة بلده، وليس له منطق تصفية الحسابات الصغيرة. ولعل المفارقة، هي أنني أذكر أن محمد العلمي، كان قد طرد ومنع من مسؤولية مدير مكتب قناة أبوظبي بواشنطن، شهرين فقط بعد تحمله مسؤولية ذلك المكتب، في بداية سنة 2000، فقط لأنه أجرى حوارات مهمة مع مسؤولين أمريكيين وازنين، نشرت على حلقات بيومية «الإتحاد الإشتراكي» تدعم الحق المغربي القومي في وحدته الترابية، وتفند اتهامات كان قد كالها الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة للمغرب، في ما يعرف بمجموعة «بني ونيف». مما أغضب الرئيس الجزائري ومارس نفوذه الشخصي كي يتم التخلص من الزميل العلمي ونجح في ذلك. وللحقيقة فقد استغربت الأمر حينها، وحين عرضته على الأستاذ اليوسفي أكد لي أن العقلية في قصر المرادية لا تتردد في اتخاذ مثل هذه المواقف (رئيس دولة يتدخل لطرد صحفي، والتهمة أنه «بوق للمغرب»!!). حينها قام الزميل العلمي برفع دعوى قضائية عن طريق ممثله المحلي في الكونغرس الأمريكي، فتحركت جهات هنا وهناك، في مقدمتها سفارة دولة الإمارات العربية بواشنطن، فتم طي الملف حبيا. محمد العلمي، الزميل والصديق، الذي واجه هذه الحروب بصلابة وصبر، ها هو اليوم ممنوع من الظهور في قناة بلده!!.. لأنه قال رأيا بجرأة وصراحة!!.. ولعل في طريقة التعامل مع حلقة «مشارف» التي استضافته، الجواب الفصل عن صورة المغرب في الخارج. هي حقيقة نقولها بمرارة وبأسف..