في المغرب، يمكنك التحدث باللغة العربية أو الأمازيغية، دون أن يمنعك أحد. في حياتنا الاجتماعية، وفي اللقاءات الخاصة، كل واحد له الحرية في التعبير عن آرائه باستعمال اللغة التي يتقنها والتي يرتاح لها : العربية الفصحى، الدارجة المغربية، السوسية، الريفية، الفرنسية... إذا أردت أن تؤلف كتابا، فلك الحرية أن تختار اللغة التي تراها مناسبة لك : الدارجة المغربية، الأمازيغية، العربية الفصحى، الفرنسية، الانجليزية... على الصعيد السمعي البصري المغربي، تدرج أفلام، برامج فنية، نشرات إخبارية... بعدة أنساق لغوية. علاوة على ذلك، توجد قناة تلفزية خاصة بالأمازيغية، تبرز الثقافة و الفن الأمازيغيى. على مستوى البحث العلمي، خصص بعض الباحثين المغاربة موضوع أطروحاتهم لنيل الدكتوراه حول اللغة الأمازغية أو اللهجات المغربية الأخرى، وفي مدينة الرباط يوجد المعهد الملكي الخاص بالثقافة الأمازيغة (IRCAM). مما يظهر اهتماما باللغة الأمازيغية. في بيوتنا، توجد عدة أشياء تحيلك على التراث الأمازيغي و العربي إضافة إلى الغربي والإفريقي : أثات، أفرشة، أدوات منزلية...وهذا كذلك بالنسبة للطبخ ، والأزياء التي نرتديها. لكن الأمازيغية والعربية هما متجذرتان فينا، تشكلان جزءا من هويتنا. فالسؤال الذي يطرح نفسه : لماذا يطالب البعض بجعل الأمازيغية لغة وطنية في الوقت الراهن ؟ هل نريد الاعتزاز بها ؟ أم نبحث عن هويتنا ؟ وإذا افترضنا لغة أمازيغة وطنية، ماهو مضمونها وشكلها ؟ ألسنا أمام لغة مفبركة ودخيلة، لا تعكس أنواع اللهجات بالمغرب : الريفية، السوسية، الحسانية و تامزيغت المتداولة في جبال الأطلس...؟ فكل واحدة تختلف عن الأخرى من حيث المضمون. إن التحدث عن لغة أمازيغية وطنية سيكون له تأثير سلبي على اللهجات الأمازيغية الأصيلة، ستفرغ من محتواها وستيتم تهميشها، وإتلافها في حين أنها لهجات أجدادنا، حاملة لتراثنا، تهتف بأصالتنا وتنشد بوطننا، فوجب الحفاظ عليها. فالتعامل مع قضية اللغة الوطنية هو بالفعل مصير شعب، ويجب التفكير فيه بطريقة علمية، حتى لا ننزلق في متاهات تؤدي بنا إلى الدمار. لكن هذا السؤال يحيلنا على سؤال آخر: ألسنا بالفعل أمام محاولة إثارة معركة عرقية وقبلية ؟ نخشى أن يؤدي بنا هذا إلى الانغلاق كل على جهته : انقسام جهوي وبالتالي قبلي، وهذا ما نشاهده في السودان ودول أخرى. نحن نريد مغربا واحدا وليس مغربين، واللغة الوطنية تلعب دورا مهما في هذا المجال. وقد استطاعت بعض الدول المتقدمة توحيد لغتها مهما تعددت فيها الأجناس، الديانات، الثقافات...ونشاهدها الآن منكبة على مشاريع مهمة و تكنولوجيا متطورة. فهي تتحدث باسم نحن : أنا فرنسي، أنا ألماني، أنا صيني... فبالنسبة لبلدنا المغرب، هو الآخر، قد استوعب هذا المشكل واستطاع أن يحله بالفعل وذلك باعتماده لغة رسمية واحدة وحدتنا مع دول عربية أخرى كما هو الحال بالنسبة للدول الفرانكفونية والأكلوساكسونية. فلماذا نريد الرجوع إلى الوراء ؟ أليس همنا التقدم و التطور ؟ وليس الخوض في صراعات عرقية، قبلية، تقليدية وطائفية ؟ إن الدول التي تتوفر على عدة لهجات و لم تستطع اعتماد لغة رسمية واحدة، فالتجأت إلى لغة المستعمر، بقيت متخلفة ؛ فكل قبيلة تدافع عن مصلحتها الخاصة، ثقافاتها، تقاليدها، ولا أدل على ذلك من دول إفريقيا السوداء، فإن في بعض بلدانها ما يفوق 50 لهجة. وما نشاهده في بلادنا، الحس بالانتماء القبلي والدفاع عنه بشكل مبالغ فيه، لدرجة، أصبحت فيها أنا جد متفوقة : أنا رباطي، أنا فاسي، أنا مراكشي، أنا سلاوي ، أنا صحراوي، أنا وجدي، ،أنا بيضاوي، أنا سوسي، أنا ريفي، أنا، أنا، أنا...ويذكرنا بالعصبية القبلية التي كانت منذ قرون ومازالت متواجدة في القرن 21 ؛ الفردانية تسود قبل كل شيء، مما ينعكس على الحياة العملية، بحيث نجد في بعض المؤسسات قبيلة الرباطيين أو الفاسيين تهيمن بشكل مهول على القبائل الأخرى، منهم موظفون، أو مسؤولون، وتشكل بالفعل مجموعة متعصبة (clan)، ولا تسمح لأي غريب عنها أن يتسلل داخل معسكرها، وهكذا فهي حريصة على فضائها والذي تعتبره في ملكيتها، لا أحد له الحق أن يخترقه. يجب أن نتعايش و نتفاهم و نقبل الآخر ونسير نحو طريق النجاح. بتجاوز الاختلافات وتوحيد الأهداف الكبرى، بما يخدم المصلحة العامة وبناء وطننا. لكن هل الاهتمام بالقضية الأمازيغية هو بالفعل مطلب الشعب ؟ أم البعض فقط ؟ ما مكانتها في أجندة الإصلاحات ؟ فهذا المشروع يتطلب حقا موارد مادية وبشرية مهمة في حين علينا القيام بإصلاحات عميقة خاصة على المستوى الاجتماعي : ضمان العيش الكريم لكل الفئات : أطفال، شباب، راشدين، عجزة، تشغيل الشباب العاطلين، حق المواطن في السكن، التغطية الصحية، تقليص الفوارق الاجتماعية...؛ إصلاح التعليم،الدفاع عن حقوق الإنسان، حرية الصحافة و التعبير، حماية المال العام، الاهتمام بالبنية التحتية، توفير وسائل النقل للمواطنين، تحسين مستوى المستخدمين، الموظفين والطلبة، الاهتمام بالمجال القروي، إبراز مكانة المرأة في العمل السياسي، إصلاح العدل، محاربة الفساد بشتى أنواعه : الزبونية والرشوى، المحاسبة ومتابعة المسؤولين عن ذلك ... لنكن أوفياء لخدمة وطننا. فهذا الوطن يستدعينا كلنا، فلنساهم جميعا في تطويره، وذلك بمسايرة العولمة و التكنولوجيا الحديثة والانفتاح على الآخر. (*) أستاذة باحثة