منذ توقيف مجلة لاماليف سنة 1988 في ظروف غامضة، استمرت زكية داوود، وهي كاتبة مغربية من أصل فرنسي في التأليف، حيث أنجزت كتبا في العديد من القضايا التي تمس المغرب المعاصر، حيث مكنها العمل الصحفي وإدارة المجلة من الاطلاع على العديد من الحقائق والتعرف على أهم الفاعلين في المجال السياسي والثقافي والجمعوي. وقد نشرت كتبا حول المرأة ، حول الهجرة ،حول العمل الجمعوي والتنموي ، حول بنبركة وعبد الكريم الخطابي،وحول مغاربة الضفة الاخرى.ولها اعمال روائية منها : « حفدة زينب » و «زينب ، ملكة مراكش».واليوم تعود بكتاب جديد حول مغاربة أوربا وهو كتاب يغذي مكتبة الهجرة المغربية . مازالت الصحفية والكاتبة المغربية من أصل فرنسي زكية داوود تتابع قضايا الجالية المغربية بأوربا، وذلك من خلال كتاب جديد تحت عنوان«الدياسپورا المغربية بأوربا»، والذي نشر بدار النشر الفرنسية سيكيي. والكتاب، يتطرق للهجرة المغربية منذ بدايتها نحو فرنسا ثم أروبا، وهي هجرة أصبح عمرها أكثر من قرن من الزمن وعرفت تطورات كثيرة بل أجيالا مختلفة. وهذا الاختلاف لا يقتصر على الأجيال بل يشمل أيضا نوعية الهجرة التي تختلف من فرنسا إلى بلجيكا إلى المانيا إلى اسبانيا وايطاليا. فالخصوصية السياسية الثقافية لكل بلد طبعت هي الأخرى هذه الهجرة المغربية بالاضافة الى اختلاف الجهات المغربية التي انطلقت منها هذه الهجرة. وقد استعملت الكاتبة في بناء هذا الكتاب تقنية المقابلة من أجل إعطاء صورة حقيقية عن هذه الجالية المغربية بأوربا وتتبعها من خلال حوارها مع أجيال مختلفة.وقد اختارت استعمال مفهوم الشتات في حديثها عن هذا الجالية المغربية. وهذا المفهوم حوله نقاش بين المختصين في أدبيات الهجرة المغربية باعتباره لا يعكس وضع مغاربة الخارج وطبيعة ارتباطهم بالبلد الأصلي خاصة أن مفهوم الشتات ارتبط على الخصوص بوضعيات أخرى مثل شتات يهود العالم. هذا الكتاب الذي سوف نحاول تقديم أهم مضامينه يتميز بتطرقه لتطور الجالية المغربية عبر أوربا رغم أنها جالية جد غنية بتنوعها وتعقد تاريخها، هكذا فتحت الكاتبة شهيتنا لعدة مواضيع وإشكاليات تخص الجالية المغربية بمختلف البلدان الاوربية. نقطة قوة هذا الكتاب ونقطة ضعفه في نفس الوقت أنه حاول معالجة مختلف قضايا المغربة بأوربا بتنوعها واختلافها وهو ما لم يمكن الكاتبة أحيانا من التعمق أكثر عند معالجتها لقضايا الهوية وقضايا الارتباط بالبلد الأصلي. وهي كلها قضايا تتطلب كتابا مفصلا حولها. وقد اختارت الكاتبة دائما الكلمات الملائمة لتعبير عن أوضاع هؤلاء المهاجرين سواء في معاناتهم أم في فرحهم. «ما عانته هذه الجالية لم يكن إكليلا من الزهور بل عاشت الرحيل ،المنفى،الغربة،والوصول إلى بلدان قاتمة ومعادية من أجل العمل في ظروف صعبة.وتم بعثهم الى المناجم، المصانع،والاوراش واكتشفوا اللاتسامح،الاحتقار،الاجتثاث ،الحاجة .أما الفقر، فشيء يعرفونه من قبل. تقول زكية داوود. « وعبروا حتى العطش عن جملة لدانتي» سوف تحس أي طعم لخبز وملح الآخرين، وكم هو صعب النزول او الصعود في سلم الاخرين». لقد كان يتم اعتبارهم كأفواه اضافية وكلام غير مفهوم وسلوكات غير عادية ،كان لابد لهم من التأقلم،تغيير الحياة والعقلية واخذ قيم جديدة وكان عليهم البناء كما يقول كوت « بناء شيء جميل بحجر يعيق الطريق .» كانوا اكثر صلابة واسرارا...«عدد قليل منهم تراجع عن هذا الطريق وعن هذا الاسرار لكي لا يفقدوا ماء الوجه وكانت لهم على الخصوص الشجاعة ونفسية التحدي.»... «و قد تحملوا كل شيء واخفوا جروحهم والاهانات ..» بهذه الكلمات تقدم زكية داوود جيل الرواد من الجيل الأول الذين فتحوا الطريق أما م نسائهم وابنائهم واجيال جديدة من الهجرة بأروبا من المغاربة يتجاوز اليوم عددهم اكثر من اربعة ملايين بمختلف البلدان الاوربية رغم أن أكبر عدد منهم تضمه أوربا. في هذا الكتاب، تذكر زكية داوود بسلوكات التضحية لدى جزء كبير من هؤلاء المهجرين « يحرمون أنفسهم من كل شيء من أجل بعث الاموال الى البلد من أجل مساعدة العائلة والتصرف كأعيان خلال فترة العطلة من خلال توزيع الهدايا والنقود حولهم »، وهي صورة تلخص وضع المهاجر الكلاسيكي من الجيل الأول، وهي صور مازالت مستمر لدى البعض بالاجيال اللاحقة. ويضم هذا الكتاب القيم والشامل خمسة فصول.يتحدث الاول عن أن الهجرة لها عدة قرون الى بلدان القرب الجغرافي اي نحو الجزائر على الخصوص من منطقة الريف والى بلدان افريقيا السوداء خصوصا التجار من سوس ومن فاس. أما تاريخ الهجرة المغربية نحو فرنسا والتي كانت اساسا من العسكريين في بدايتها قبل ان تتحول الى هجرة عمال وعائلات ،الهجرة نحو بلجيكاوهولندا لا تتجاوز 50 سنة تليها هجرة المغاربة نحو ايطاليا واسبانيا وهي هجرة عمرها 20 سنة.كما انها هجرة وصلت متأخرة الى بعض بلدان الشرق الاوسط وامريكا واسيا لكن احسب الكاتبة فان اوربا، هي التي تضم اكبر عدد من هذه الجالية المغربية بالخارج اي حوالي 85 في المئة اي اكثر من 4 ملايين نسمة. في هذا الفصل، حاولت الكاتبة ان ترصد وصول اول المهاجرين المغاربة الى فرنسا والسياق التاريخي الذي وصلوا فيه قبل ان تتحول هذه الهجرة الى هجرة عائلية وتشمل باقي بلدان اوربا الغربية عبر مراحل متعددة ولتتحدث في نفس الوقت عن التطورات التي عرفتها هذه الهجرة اليوم كما ونوعا، وكذا التطورات التي تعيشها اليوم هذه الهجرة وتوالي القوانين المجحفة التي تحد منها خاصة بفرنسا اي القوانين التي جاءت بها حكومة ساركوزي. والفصل الثاني يتحدث عن الوضع ببلدان الاقامة بين التبعية والمقاومة ومن خلاله حاولت الكاتبة رصد تطورات حياة هؤلاء المهاجرين المغاربة من خلال عدة اوجه منها ممارساتهم الدينية ،قضايا الزواج ، تطور وضعية المرأة ، التجنس وظهور نخبة وسط هذه الجالية وكذا انشغالات هذه الجالية واهتماماتها السياسية ومشاكلها، نخبها في الحياة السياسية بالبلدان الاوربية، واهتمامها بالقضايا التي تشغلها مثل القضية الفلسطينية. والفصل الثالث يتحدث عن علاقة المهاجرين ببلدهم الاصلي من العلاقات العاطفية الى العلاقات المالية.في هذا الفصل تتطرق الكاتبة الى قضايا التحويل اموال المهاجرين المغاربة لأموالهم نحو بلدهم الاصلي المغرب وهي تحويلات اليوم اصبحت اساسية للاقتصاد المغربي والتي تتجاوز اليوم اربعة مليارات من الاورو، وحاولت الكاتبة من خلال الارقام التي حصلت عليها ومن خلال لقاء المهاجرين وخاصة منهم المتخصصين منهم في المجال المالي والبنكي وكيف يتم استعمالها من طرف الابناك المغربية بالاضافة الى الدور الذي تلعبه هذه التحويلات في مساعدة الاسر التي بقيت بالمغرب وكذا المجالات التي تستثمر بها هذه الاموال سواء العقار او السياحة او قطاع الخدمات وكيف ان الرابطة العاطفية مع البلد الاصلي هي التي تعزز الصلة بالبلد الاصلي بالاضافة الى قضية المواطنة والمشاركة السياسية . اما الفصل الرابع، فيتحدث عن الهوية والثقافة بالمهجر وهو فصل يعالج احد اعقد القضايا التي يعيش عليها المهاجرون وهي قضية الهوية الثقافية بصفة عامة وهي مسألة تطرح منذ وصول المهاجر من خلال الصدمة الثقافية التي يتعرض لها منذ وصوله الى بلد الاستقبال وهذا الارتباط الذي يتولد له بهذا البلد الذي يستقبله والاعتراف بالجميل لكن في نفس الوقت تطرح قضية العنصرية والميز ونظرة الاخر والتساؤل حول الهوية هل المهاجر، هو اوربي،مغربي او عربي مسلم بالاضافة الى القضايا التي تطرح على الجيل الذي ازداد ببلدان الهجرة خاصة على المستوى الثقافي تتطرق الكاتبة في نفس الوقت الى ما يقدمه البلد الاصلي من عرض ثقافي بالبلدان التي يقيمون بها. اما الفصل الاخير، فيتحدث عن الابتعاد عن الهوية. فتتحدث الكاتبة عن التطورات السلبية التي تعيشها اوربا وعن هذه السحابة السوداء التي تجتاحها بفعل الأزمة وتزايد التيارات السياسية التي تدعو الى كراهية الاجانب ،أما بفرنسا وايطاليا فإن مسؤولين يخلطون بين الهجرة والانحراف حيث بدأت تعطى أهمية قصوى الى طرد الاجانب بدون أوراق إقامة ويتم التباهي بهذه الارقام في الاعلام العمومي وحيث اصبح النقاش حول مآدن المساجد بسويسرا والبرقع والحجاب بفرنسا والنقاش حول الهوية الوطنية الذي اخرج من جديد ماضي فرنسا الفاشي والعنصري هي ما يشغل الاوربيين ، بالاضافة الى النقاش حول القضاء الذي اصبح يطلب منه ليس معاقبة شخص عن الفعل الذي قام به كما ينص القانون بل معاقبته للونه وانتمائه الثقافي.هكذا بدأ يعم اللا تسامح بهذه البلدان وتقوية الترسنة القانونية والاجتماعية التي اصبحت تستهدف المهاجرين دون غيرهم. وتحول النقاش حول الهجرة الى نقاش سياسي وديماغوجي بل ان عدد اللاجئين تقلص بهذه البلدان الاوربية. واصبحت كراهية الاجانب وطردهم تكاد تصبح سياسة رسمية او تشجعها السياسة الرسمية. وحاولت الكاتبة في الأخير إعطاء تصور عن مختلف الجاليات المغربية المقيمة في اوربا بمختلف البلدان سواء فرنسا،بلجيكا ،هولندا ،ايطاليا واسبانيا. إنه كتاب يعزز أدبيات الهجرة ويعطي صورة عامة عن وضع هذه الهجرة المغربية بأوربا والتي أصبح لها تاريخ يناهز قرنا من الزمن، وأجيال ازدادت ببلدان الاستقبال دون أن تعرف البلد الأصلي.