لقد قيل:«إن البرلمان الانجليزي يستطيع فعل كل شيء إلا تحويل رجل إلى امرأة». هذه الحكمة لاتزال صحيحة لأن البرلمان الانجليزي حصل على سلطة التشريع واستطاع مجلس العموم السيطرة على وزراء الملك، فأخضعهم عن طريق المسؤولية الجزائية أو التهديد بها بحيث جعلهم تابعين له، وهكذا تكونت أولى خصائص النظام البرلماني أو الحكومة الوزارية، ونعرف أن تطور نظام الأحزاب في بريطانيا وبالأخص «نظام الحزبين»، قد أدى إلى هذه النتيجة : إن الوزارة التي ليست إلا لجنة منبثقة عن مجلس العموم، نظرا لأنها مأخوذة بكاملها منه، تسيطر بالواقع على هذا المجلس بحكم كونها تمثل أركان الحزب الذي حصل على الأغلبية في الانتخابات النيابية، إن الثنائية الحزبية تجعل البرلمانية ديمقراطية لأنها تمكن من استقرار الحكومات وتتفادى الحكومة الائتلافية حتى تصبح السياسة واضحة ومفهومة من قبل الناخبين وتتحدد المسؤوليات. أما في المغرب وفي ظل الدستور الحالي، فإن الواقع السياسي يختلف نظرا لكثرة الأحزاب السياسية وتوالدها المتصاعد الذي يساهم في تشتيت أصوات الناخبين وحيرة الرأي العام وبالتالي يصعب على أي حزب الحصول على الأغلبية مما يجعل الأحزاب تضطر إلى الائتلاف لتشكيل حكومة مرقعة تضم اتجاهات لها برامج مختلفة غير منسجمة ومن هنا يبدأ عدم الإستقرار السياسي. ولهذا، لا بد من الانتباه إلى هذه الإشكالية المتعلقة بالأحزاب الطفيلية الانتهازية التي لا تسعى إلى تأطير وتنظيم المواطنين بل هدفها هو الوصول إلى البرلمان أو الحكومة بأي طريقة كانت، كما يعتبر وجود زعمائها في البرلمان دون جدوى بسبب غيابهم المستمر عن جلسات البرلمان وضعف مردوديتهم، بحيث ترتدي بعض المناقشات داخل البرلمان طابع التفاهة والسخرية والمبارزات الكلامية، فيصبح الخاسر الأول في العملية الانتخابية هو المواطن الذي لم يستفد من وجود مثل هذا البرلمان الشكلي الذي عادة ما ينبثق من صناديق مزورة مغشوشة تدعمها عصابات الرشوى والفساد وغسيل الأموال. إن النظام البرلماني يعرف دائما استخدام نزعة مراقبة البرلمان، لإجبار الحكومة على الخروج من وضع مزعج، أو حثها على العمل، فعندما يبدو الوزير الأول غير كفؤ ويصاب بنكسة أو يتهم بفضيحة، فإنه يجبر على الاستقالة، كما أن نظام الاستجوابات المنظم جيدا يمتاز بأن يجبر الحكومة على أن تدفع التهمة عن نفسها أو -على الأقل- أن تبرر تصرفها وهو يمكن الحكومة أيضا من أن تكون على اتصال دائم بالرأي العام لتبرهن على أن البرلمان يمثل سلطة الشعب. إن المسألة الأساسية المطروحة في الأنظمة السياسية هي المسؤولية، إن صاحب السلطة الذي يمارسها بحرية يجب أن يكون مسؤولا تماما عن أعماله، وتبعا لذلك وإذا كان الوزير الأول هو الذي يتولى أعمال السلطة وهو الذي يقرر شخصيا وبحرية شؤون الدولة، فإنه هو الذي يجب أن يعتبر مسؤولا أمام الشعب. فكل شخص يتولى دستوريا عمل السلطة يتحمل المسؤولية، ولا يمكن أن يعيش الشعب في غموض دستوري لا يعرف من المسؤول عن الأخطاء الجسيمة التي ترتكب ضده، بل الأخطر من ذلك أن الأخطاء ترتكب من طرف بعض الأشخاص الذين يتسترون وراء المؤسسة الملكية للإفلات من العقاب. ولهذا يجب دسترة الإفلات من العقاب وكذلك كل مبادئ حقوق الإنسان بتفصيل دون عرقلتها بطريقة ملتوية كما هو الحال مثلا بالنسبة للفصل 14 من الدستور الذي ينص على أن «حق الإضراب مضمون» لكن يقيده بإجراءات تنظيمية لم تصدر بعد، وظل الإضراب ممنوعا رغم نص الدستور. إن الوزارة في النظام البرلماني هي الجهاز الحكومي بالمعنى الواسع وهي تتضمن كل الأشخاص الذين تجمعهم روابط التضامن الحزبي والذين يعتبرون مسؤولين جميعا أمام البرلمان عن السياسة المتبعة من جانب الأغلبية التي حازت على ثقة الشعب، وهناك مسألة دستورية تهم اختيار الوزراء من قبل الوزير الأول، فهل التعديل الدستوري المرتقب سيأتي بجديد حول سلطة تسمية الوزراء، وهل تتم مناقشة تسميتهم من طرف المؤسسة الملكية أم أن هذا الإجراء سيزول حتى يتحمل الوزير الأول كامل مسؤوليته؟ وهل تعطى للوزير الأول صلاحيات أوسع تهم على الخصوص حق العفو الخاص ومنح الألقاب والمراتب الشرفية وبعض التعيينات التي تهم الولاة والعمال والمدراء والقضاة والسفراء ورؤساء الجامعات وعمداء الكليات ورسم الخطوط الكبرى للسياسة الداخلية والخارجية للبلاد وتقرير هذه السياسة بكل حرية مطلقة، ومراقبة الإدارة بشكل فعلي واقعي، والشؤون المالية الخ ... يعتبر الملك في الأنظمة الملكية في بعض الدول الأوربية وفي بريطانيا خاصة الرابط بين الشعب والحكومة، فهو كالحكم في ساحة الملعب، فهو محاط بالاحترام العام اللازم لمقامة الرفيع، وهو يسهر على أن يطبق كل فرد القانون، وعلى أن يستمر العمل الحكومي وفقا لما تقتضيه مصلحة الوطن، وله بصورة مبدئية الحق في تعيين رئيس الوزراء لكنه يكتفي بالسهر على تطبيق القواعد المقررة والتي تجرى دائما بشكل أوتاماتيكي. إن السلطة التنفيذية في النظام البرلماني لها أهمية كبرى في مصير الأمة، فهي تظهر ما لها من مهارة ومن قوة ومن امتيازات، وهي في كفاح متصل مع العقبات لأنها تستمد قوتها من الشعب الذي عينها، وهي القوة الحقيقية التي توجه شؤون البلاد ومع أن شكل الحكومة انتخابي فليس خافيا على أحد أن آراء الشعب وكل ما يتحزب له ويهتم به لا يعوقها عائق عن أن تتجلى واضحة في إدارة شؤون المجتمع، فالأغلبية هي التي تحكم في النظام البرلماني باسم الشعب، ومن المفروض أن تتكون هذه الأغلبية أساسا من مواطنين مسالمين يرغبون مخلصين في توفير السعادة والتقدم والازدهار لوطنهم، لكن حول هؤلاء المواطنين تقوم ضجة لا تنقطع تحدثها الأحزاب في سعيها وراء الحصول على عدد كبير من الناخبين قد تكون في بعض الأحيان بطرق غير مشروعة، ولهذا يجب أن يواكب تعديل الدستور تعديل مدونة الانتخابات وقانون الأحزاب السياسية ليكون منسجما مع النظام السياسي الديمقراطي المنشود وملائما لروح الدستور الجديد. (*) محامي بهيئة وجدة يتبع