اشتعلت النيران في معمل صغير لصنع الأحذية بحي الشباب، ياسمينة 4- مقاطعة عين الشق- الأسبوع الماضي، بسبب قنينة غاز صغيرة. وقد أتى الحريق على رأسمال المحل، كما امتد لواجهة العمارة التي يوجد بها. وقد حضر رجال المطافئ وعملوا لساعات على إخماد الحريق، كما انتقل رجال الأمن لمكان الحادث . ومن ألطاف الله أن ألسنة الحريق ، والذي أثار رعبا لدى الساكنة، لم تمتد إلى علبة الكهرباء، وإلا لكانت الخسائر جسيمة. ومثل هذا الحادث يتكرر في كثير من المناطق بالدار البيضاء بوجه خاص. ولعله آن الأوان ونحن في غمرة محاربة الفساد والعشوائية والفوضى بكل صنوفها، أن نتنبه إلى أن بعض المعامل الصغرى التي تنبت كالفطر على مرأى وعلم المسؤولين ، تشكل خطرا داهما،لابد من مواجهته بقبضة من حديد. أصبحت هذه المعامل أو ما يصطلح عليه «الريدوات»، تكتسح الأحياء والأزقة بشكل مثير.كنا بالأمس ننكِّت ونقول:(بين قَهْوى وقَهْوى كاينة قهوى)،واليوم يصح أن نقول أيضا (بين «معمل» و«معمل» كاين «معمل»). يظهربعض هذه المعامل الصغرى للعيان ويتستر بعضها الآخر بالمنازل أو في أو بين العمارات أو ببراكات. لا أحد يعرف كمية أو نوع أوصلاحية السلع التي تدخل منها أو تخرج، إما تمويها أو حقيقة. ولا أحد يعرف عدد اليد العاملة بهذه المعامل الصغرى. في الصباح الباكر ترى حشودا تحثُّ الخطى لتتسرب إلى معمل صغير (ريدو) يفتقر لشروط العمل، جعله صاحبه سفليا وعِلِّية(سْدَّة)، تتدافع اليد العاملة داخله بالمناكب وروائح العرق والفم وشيء آخر.. تعمي العيون وتخنق الأنفاس..لامكيف هواء ولانوافذ تهوية كافية..ولامعطر جو ولانظافة ولاصيانة.. وفي المساء، يتم تسريب اليد العاملة وقد أرهقها الجوع والعياء اثنتين اثنتين أو ثلاث ثلاث،وبين كل دفعة حينٌ من الوقت،خلسة ًمن الأعين. وبعض المعامل تسارع الزمن، ومن أجل الكسب السريع، تعتمد نظام التفويج،تشغِّل عاملِين أطراف النهار، وآخرين أناء الليل، تستنزف طاقاتهم استنزافا،مستغلة عوزهم وحاجتهم الماسة لسد حاجياتهم أو إعالة أسرهم. لاتصريح بشيء، ولاشفافية..التكتم والتخفي والتملص هي لغة بعض المعامل الصغرى! لكن من له المصلحة في غض الطرف عن مراقبة هذه المعامل الصغرى؟ لِمَ لايُفتح بخصوصها بحث صارم لتقنينها بشكل محكم، ورصد خطواتها، ومدى انضباطها واحترامها لمواد القانون، فلايعقل أن يستمر واقع هذه المعامل الصغرى جاريا دون حسيب ولا رقيب! إن أي حريق من المعامل الصغرى التي تنغرز وسط السكان،بسبب إهمال أو انعدام شروط الوقاية،من شأنه أن يفقد شرْط الأمن والطمأنينة لدى المواطن. إن أي حريق قد يحمل أدخنة سامة أو غير سامة..إذا ما كانت به مواد غير صحية، من شأنه -لامحالة-أن يضر البيئة، ويزيد من إصابة مواطنين مصابين بأمراض حساسية أو جلدية... لايعقل، ومأساة «روزامور» بليساسفة مازالت راسخة في الأذهان ، أن نترك المعامل الصغرى التي لاتشتغل في الضوء، لأن لها مظلات تجعلها في مهرب من المساءلة يوما عند كل انتهاك قانوني.وما نقلته وسائل الاعلام عن ذلك الحادث المرعب الذي نتج في يوم من الأيام عن معمل بتراب سباتة،والذي ذهب ضحيته زمرة من الأطفال كانوا يشتغلون داخله بمواد (الكولا)،حيث تسببت في إصابتهم جميعا بشلل حدَّ من تحركهم. وهي وقائع مرشحة للظهور في كل وقت وحين مالم يتدخل القانون اليوم قبل غد لممارسة رقابة قانونية على المعامل الصغرى،رقابة تتجلى في الوقوف على شروط وحقيقة مزاولة ما تمتهنه المعامل الصغرى،وعلى شروط الصيانة بها وتوفر معداتها وعلى التصريح القانوني باليد العاملة والتأمين ورسوم الدولة..وعلى ظروف التشغيل،من توافر العقدة بين المشغَّل والمشغِّل،والتغطية الصحية والتقاعد..