لاشك أن المعرفة الجيدة بالقواعد التدريسية تقتضي إلمام المدرس بالشروط الديداكتيكية التي تفرضها العملية التعليمية التعلمية، وكذا وعيه المسبق بالنسق المعرفي والإبستمولوجي اللذين يؤطران نظريات التدريس والتعلم. من هذا المنطلق، تطور التفكير حول التدريسية وديداكتيك المواد عبر الانتقال من تدريسية تقليدية قائمة على تصور سلبي للمتعلمين باعتبارهم ذوات محايدة قابلة للشحن إلى تدريسية حديثة تنطلق من أن المتعلمين ليسوا علبا فارغة، بل إنهم يشاركون في بناء تعلماتهم انطلاقا من معارفهم السابقة المحصل عليها خارج المدرسة. إن رهان التدريسية هو جعل المتعلمين أكثر فعالية وتحقيق فهم أفضل لكيفية تحصيلهم، وإمداد المدرسين بأدوات منهجية تمكنهم من مطابقة أنشطتهم أكثر مع قدرات المتعلمين، ومن ثم تقويم نتائجهم بطرق دقيقة وموضوعية قدر الإمكان، غير أن تحقيق هذا الرهان يفرض على المدرس مواجهة الصعوبات والإكراهات المرتبطة بنقل المعرفة وبنائها وتوظيفها من قبل المتعلم في سياقات دالة ومختلفة، كما يستدعي استحضار المدرس لبعض المفاهيم المؤطرة لفعل التدريسية كمفهوم العائق والتمثلات والصراع السوسيو معرفي والنقل الديداكتيكي وغيرها من المفاهيم التي تشكل سندا منهجيا وخارطة طريق تساعد المدرس على وضع استراتيجيات ملائمة لأدائه التربوي. لا يمكن الحديث عن العائق دون استحضار مساهمات فرويد وغاستون باشلار في تأسيس هذا المفهوم ومجالات تطبيقه سواء في محاولة النفاذ إلى اللاشعور (فرويد) أو في توظيفه كتحليل نفسي للذات العارفة (باشلار) ، بعد ذلك انتقل توظيف هذا المفهوم ليشمل حقولا معرفية أخرى منها التدريسية باعتبارها تراهن على بناء الذات العارفة. وتجدر الإشارة إلى أن تاريخ العلم «يعرف باستمرار قطائع إبستمولوجية يفرضها التقدم العلمي، كما أن التعلم يخضع كذلك لنفس المنطق، إذ إنه يحتاج إلى إحداث المتعلم باستمرار لقطائع مع تصوراته وتمثلاته ومعارفه القديمة ليستوعب معارف جديدة، وهكذا فإن التعلم أيضا يحدث قفزات وتحولات». يتضح مما سبق أن «العائق هو ما يحول دون قيام الفكر بإنتاج معرفة جديدة قد ترقى أحيانا إلى مستوى القطيعة الإبستمولوجية، كما أنه كلما كان هناك عائق، كانت هناك مقاومة فكرية»، لذلك ينبغي تحليل الإكراهات وتدبير المقاومات انطلاقا من الوسائل المتاحة والأهداف المتبعة مع استحضار ما يقوم كعائق أمام دينامية التعلم مثل تمثلات المجال المدروس التي تكون قائمة سلفا، وكذلك التمثلات الجديدة التي يحملها المدرس ويحاول إكسابها لتلاميذه، إضافة إلى الوضعية الواقعية للفصل والتي تتحدد فيها يلي: «مستويات من الصياغة متذبذبة وغامضة، تمثلات مغلوطة، تطورات وأطر مرجعية غير ملائمة وهي جميعها بمثابة عوائق أمام التعلم، وإذا كان المدرس يجهل هذه العوائق ونتائجها بالنسبة للمتعلم، فإن دروسه ستكون على الأرجح غير فعالة، كما أن تقدم التلاميذ سيظل أمرا افتراضيا». كما أنه من غير الملائم إرجاع ما ندعوه أحيانا بالانحصارات إلى عوامل سيكولوجية أو عاطفية، بل يجب على العكس من ذلك تصور هذه العوائق من زاوية نظر ديداكتيكية والتفكير فيها باعتبارها مرتبطة بسيرورة التعلم. ويمكن للمدرس أن يجد مخرجا له ضمن هذا المنظور، فهو لن يحدد فقط أهدافه المتعلقة بالتحليل القبلي للمادة، ولن يحددها أيضا انطلاقا من مستويات التلاميذ، كما يتجلى عبر أنشطتهم، فتحديد الأهداف العوائق «هو بمثابة مزاوجة لوجهتي نظر، إذ يتعلق الأمر باستخدام خصوصية العوائق كنمط لاختيار الأهداف»، كما يمكن أن نختار من ضمن العوائق تلك التي تبدو قابلة لتجاوز أثناء لحظة من درس وترجمتها إلى صيغ إجرائية، أي بناء عدة ديداكتيكية (وضعيات- أدوات- وسائل) تسمح للتلاميذ بإعادة النظر في تصوراتهم السابقة والبحث عن حلول ومنافذ أخرى. ويرى فليب ميريو «أن كل تلميذ له تمثلاته الخاصة، وهي ضرورية، لأن التلميذ ينتقل من تمثل إلى آخر يكون متجذرا أكثر وصعب الاقتلاع، كما أن التلميذ يتطور تحصيله عندما تحدث مواجهة أو صراع بين معرفتين: قديمة وجديدة». وفي هذا السياق، يدين ميريو الوهم السائد لدى المدرسين والمتعلق بما يسميه «بمسح الطاولة» أي تلك الفئة من المدرسين التي تلج الفصل وتتصرف وكأن الدرس يبدأ كصفحة بيضاء، كما يدين وهما آخر مرتبطا بالاعتقاد بأن المعرفة التي يقدمها المدرس ستمسح وتعوض المعارف السابقة الناقصة أو المتجاوزة، في حين أن طبيعة المعرفة وسياقها التراكمي يشهدان أن المعرفة المدرسية تنضاف إلى معرفة سابقة لكنها راسخة، معرفة يمكن أن تقبل التعديل، لكنها تظل في الغالب قائمة بشكل ضمني ويمكن أن تطفو من جديد، ومن ثم يظل الصراع السوسيو معرفي قائما وهو نتيجة التفاعل الحاصل بين تمثلات متنافرة ومتناقضة. وقد بين بياجي كيف أن معرفة الواقع هي التأثير فيه وتحويله وتنظيمه، وهي أيضا تعديل وإعادة تشكيل هذا التنظيم عبر تحويل بنيات الاستيعاب التي يصدر عنها التفكير. كما أن التدريس بالوضعيات يجعل التلميذ يواجه عائقا ما ويسعى إلى تجاوزه، على اعتبار أن الوضعية المشكلة تمفصل مستوى تمثلات التلاميذ وتصوراتهم، ومستوى التنظيم المفاهيمي للتعلم لأن بناءها يقتضي تحديد الهدف المعرفي، والمعرفة بمستويات التلاميذ، والعوائق التي تعترضهم. وهكذا فإن العوائق هي منطلق للتفكير والشك في الجاهز والمألوف، وهذا ما تنهض عليه التدريسية من خلال خلق وضعيات مشكلات ذات ارتباط بالعوائق تمكن المتعلم من الوعي بأن النموذج التفسيري القبلي غير ملائم مما يضعه في مأزق ويفرض عليه مساءلة معارفه السابقة. o إن استحضار مفهوم العائق في الممارسة التدريسية يقتضي الاتفاق حول بعض الأولويات: o إن الممارسة التدريسية ليست شفافة بالنسبة للفاعلين فيها. o إنه من اللازم إخضاع أشياء قد تبدو عادية في الفصل للرصد والتحليل. o إنه من الضروري رسم خط لتفكير منهجي رصين وواضح المعالم حول مهنة التدريس ووضعيات التعلم. o مواجهة التمثلات باعتبارها عائقا أمام المعرفة السليمة يقتضي تشغيل الخيال الديداكتيكي. o ضرورة خلق وضعية صراع سوسيو معرفي تقود نحو خلخلة الجاهز والثابت. o طبيعة المعرفة تضعنا أمام تحديات وصعوبات سواء بالنسبة للمدرس أو المتعلم لذلك يرى Eschyle في «أجامينون» أننا لا نتعلم إلا في إطار المعاناة.